موسوعة الفرق

تمهيدٌ: الظُّهورُ الأوَّلُ للفكرِ الاعتزاليِّ


اختلَف الباحِثونَ في وقتِ ظُهورِ المُعتَزِلةِ: هل ظهرَت المُعتَزِلةُ في التَّاريخِ فجأةً مِن خلالِ الموقِفِ الشَّهيرِ الذي حصَل في مجلِسِ الحَسنِ البَصريِّ، أم إنَّها كانت تطوُّرًا لفِكرٍ ومبادِئَ مُعيَّنةٍ وليدةِ نَظرٍ عقلانيٍّ في النُّصوصِ [41] يُنظر: ((نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام)) للنشار (1/ 373). ؟
فذهب أكثَرُ العُلماءِ والمُؤرِّخينَ إلى أنَّ رأسَ المُعتَزِلةِ هو واصِلُ بنُ عطاءٍ، المولودُ سنةَ (80هـ)، والمُتوفَّى سنةَ (131هـ)، وقد كان ممَّن يحضُرُ مجلِسَ الحَسنِ البَصريِّ، فثارَت تلك المسألةُ التي شغلَت الأذهانَ في ذلك العَصرِ، وهي مسألةُ مُرتكِبي الكبيرةِ، وقصَّةُ اعتِزالِه مجلِسَ الحَسنِ البَصريِّ مشهورةٌ، وسبَق ذِكرُها.
والمُعتَزِلةُ في كُتبِهم يرَونَ أنَّ مذهَبَهم أقدَمُ في نشأتِه مِن واصِلٍ، فيَعدُّونَ مِن رجالِ مذهَبِهم كثيرًا مِن أهلِ البَيتِ؛ ولذلك فإنَّهم يقولونَ: إنَّ الاعتِزالَ إنَّما يعودُ إلى عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رضِي اللهُ عنه، وإنَّ ابنَه مُحمَّدَ بنَ الحَنَفيَّةِ أخذ عنه هذا المذهَبَ، ثُمَّ أورَثه مُحمَّدٌ لابنِه أبي هاشِمٍ أستاذِ واصِلٍ [42] يُنظر: ((المُنْية والأمل)) لابن المرتضى (ص: 12)، ((نشأة الأشعرية وتطورها)) لجلال موسى (ص: 121). .
وهذا مردودٌ؛ لأنَّ الرِّواياتِ التي تنسُبُ الاعتِزالَ إلى عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رضِي اللهُ عنه لم ترِدْ إلَّا في كُتبِ المُعتَزِلةِ، وتفتقِرُ إلى الأسانيدِ والأدلَّةِ [43] يُنظر: ((نشأة الأشعرية وتطورها)) لجلال موسى (ص: 121). .
والرَّأيُ المُستقِرُّ في هذا أنَّ رأسَ الاعتِزالِ هو واصِلُ بنُ عطاءٍ، وذلك ما بَينَ سنةِ 105ه إلى 110ه في البَصرةِ نتيجةَ تلك المُناظَرةِ في شأنِ صاحِبِ الكبيرةِ، ثُمَّ خُروجِ واصِلٍ برأيِه المُخالِفِ لشَيخِه الحَسنِ البَصريِّ، وبَعدَ ذلك أضاف إلى رأيِه في مُرتكِبِ الكبيرةِ آراءً أخرى أصبحَت فيما بَعدُ مِن أُصولِ المُعتَزِلةِ، ومِن ثمَّ أخَذ كُلُّ عالِمٍ مِن عُلمائِهم يأتي برأيٍ حتَّى تكوَّنَت هذه الفِرقةُ، وامتزجَت في أثناءِ ذلك بأُصولِ الجَهميَّةِ.

انظر أيضا: