موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: الأسماءُ التي أطلَقها عليهم غَيرُهم


للمُعتَزِلةِ أسماءٌ كثيرةٌ أطلَقها عليهم غَيرُهم؛ منها:
1- الجَهميَّةُ
كان ظُهورُ الجَهميَّةِ واشتِهارُ آرائِها سابِقَينِ لظُهورِ المُعتَزِلةِ بوقتٍ قريبٍ، ثُمَّ خرجَت المُعتَزِلةُ فوافقَت الجَهميَّةَ في مسائِلَ كثيرةٍ؛ منها: نَفيُ الرُّؤيةِ، ونَفيُ الصِّفاتِ، والقَولُ بخَلقِ القرآنِ، فكأنَّ توافُقَ الفِرقتَينِ جعَلَهما كالفِرقةِ الواحِدةِ، وبما أنَّ الجَهميَّةَ أسبَقُ، ومسائِلَها أكثَرُ، وبعضَ مسائِلِ المُعتَزِلةِ مأخوذةٌ منها؛ صار يُطلَقُ على كُلِّ مُعتزليٍّ: جَهميٌّ، ولا يُطلَقُ على كُلِّ جَهميٍّ: مُعتَزِليٌّ؛ ولذلك أطلَق أئمَّةُ السُّنَّةِ لفظَ الجَهميَّةِ على المُعتَزِلةِ؛ كأحمَدَ بنِ حَنبلٍ في كتابِه (الرَّدُّ على الجَهميَّةِ والزَّنادِقةِ)، والبُخاريِّ في (الرَّدُّ على الجَهميَّةِ)، ومَن بَعدَهم؛ فهم إنَّما يَعنونَ بالجَهميَّةِ في كُتبِهم المُعتَزِلةَ [22] يُنظر: ((تاريخ الجهمية والمُعتزِلة)) للقاسمي (ص: 59). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (لمَّا وقعَت مِحنةُ الجَهميَّةِ نُفاةِ الصِّفاتِ في أوائِلِ المائةِ الثَّالثةِ على عهدِ المأمونِ وأخيه المُعتصِمِ ثُمَّ الواثِقِ، ودعَوا النَّاسَ إلى التَّجهُّمِ وإبطالِ صفاتِ اللهِ تعالى...، ولم تكن المُناظَرةُ معَ المُعتَزِلةِ فقط، بل كانت معَ جنسِ الجَهميَّةِ مِن المُعتَزِلةِ والنَّجَّاريَّةِ والضِّراريَّةِ وأنواعِ المُرجِئةِ، فكُلُّ مُعتزليٍّ جَهميٌّ، وليس كُلُّ جَهميٍّ مُعتَزِليًّا، لكنَّ جَهْمًا أشَدُّ تعطيلًا؛ لأنَّه نفى الأسماءَ والصِّفاتِ، والمُعتَزِلةُ تنفي الصِّفاتِ دونَ الأسماءِ) [23] ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 602- 604). .
وقال القاسِميُّ: (حاصِلُ دَفعِ الإشكالِ في تلقيبِهم بالجَهميَّةِ إنَّما كان لِما وُجِد مِن مُوافَقتِهم للجَهميَّةِ في تلك المسائِلِ، معَ مُراعاةِ سَبقِهم فيها على المُعتَزِلةِ، وتمهيدِهم السَّبيلَ للتَّوسُّعِ فيها) [24] ((تاريخ الجهمية والمُعتزِلة)) (ص: 60). .
2- القَدَريَّةُ
قال البَغداديُّ وهو يسوقُ ما أجمعَت عليه المُعتَزِلةُ: (قد زعَموا أنَّ النَّاسَ هم ‌الذين ‌يُقدِّرونَ ‌أكسابَهم، وأنَّه ليس للهِ عزَّ وجلَّ في أكسابِهم ولا في أعمارِ سائِرِ الحيواناتِ صُنعٌ ولا تقديرٌ! ولأجلِ هذا القولِ سمَّاهم المُسلِمونَ قَدَريَّةً) [25] ((الفَرق بين الفِرَق)) (ص: 94). .
إلَّا أنَّ المُعتَزِلةَ لا يرضَونَ بهذا الاسمِ، ويرَونَ الأَولى إطلاقَه على القائِلينَ بأنَّ القَدَرَ خَيرَه وشرَّه مِن اللهِ تعالى [26] يُنظر: ((المِلَل والنِّحَل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/43). .
وقد ردَّ ابنُ قُتَيبةَ على مَن قذف أهلَ السُّنَّةِ بلفظِ القَدَريَّةِ، وأثبَت أنَّ المُعتَزِلةَ هم القَدَريَّةُ، فقال: (الفِطرةُ التي فُطِر النَّاسُ عليها والنَّظرُ يُبطِلُ ما قذَفوهم به؛ أمَّا الفِطَرُ فإنَّ رجُلًا لو دخَل المِصرَ، واستدلَّ على القَدَريَّةِ فيه أو المُرجِئةِ؛ لدلَّه الصَّبيُّ والكبيرُ، والمرأةُ والعجوزُ، والعامِّيُّ والخاصِّيُّ، والحَشوةُ والرَّعاعُ، على المُسمَّينَ بهذا الاسمِ، ولو استدلَّ على أهلِ السُّنَّةِ لدلُّوه على أصحابِ الحديثِ. ولو مرَّت جماعةٌ فيهم القَدَريُّ، والسُّنِّيُّ، والرَّافِضيُّ، والمُرجِئُ، والخارِجيُّ، فقذَف رجُلٌ القَدَريَّةَ، أو لعَنهم؛ لم يكنِ المُرادُ بالشَّتمِ أو اللَّعنِ عندَهم أصحابَ الحديثِ، هذا أمرٌ لا يدفَعُه دافِعٌ، ولا يُنكِرُه مُنكِرٌ.
وأمَّا النَّظرُ فإنَّهم أضافوا القَدَرَ إلى أنفُسِهم، وغَيرُهم يجعَلُه للهِ تعالى دونَ نَفسِه، ومُدَّعي الشَّيءِ لنَفسِه أولى بأن يُنسَبَ إليه ممَّن جعَله لغَيرِه) [27] ((تأويل مختلف الحديث)) (ص: 137). .
3- الثَّنَويَّةُ
4- المَجوسيَّةُ
قال المَقْريزيُّ: (للمُعتَزِلةِ أسامٍ؛ منها الثَّنَويَّةُ، سُمُّوا بذلك لقولِهم: ‌الخيرُ ‌مِن ‌اللهِ، ‌والشَّرُّ ‌مِن ‌العَبدِ) [28] ((المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار)) (4/175). .
ولمَّا كان هذا القولُ يُشبِهُ قولَ الثَّنَويَّةِ المجوسيَّةِ، فإنَّ المُعتَزِلةَ اكتسَبوا عِلاوةً على أسمائِهم العديدةِ اسمَ المجوسيَّةِ، ولا شكَّ أنَّ المُعتَزِلةَ لا يقبَلونَ هذا الاسمَ، وهم إنَّما تنصَّلوا مِن اسمِ القَدَريَّةِ وأنكَروه بشدَّةٍ تخلُّصًا مِن وَصمةِ لقَبِ المجوسيَّةِ [29] يُنظر: ((المِلَل والنِّحَل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/43)، ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 8). .
قال ابنُ قُتَيبةَ (هم أشبَهُ قومٍ بالمجوسِ؛ لأنَّ المجوسَ تقولُ بإلهَينِ، وإيَّاهم أراد اللهُ بقولِه: لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النحل: 51] ) [30] ((تأويل مختلف الحديث)) (ص: 137). .
5- مخانيثُ الخوارِجِ
وسببُ هذه التَّسميةِ القبيحةِ: أنَّ المُعتَزِلةَ -ولا سيَّما شُيوخِهم الأوَّلينَ: واصِلِ بنِ عطاءٍ، وعَمرِو بنِ عُبَيدٍ- كانوا يُوافِقونَ الخوارِجَ في تخليدِ مُرتكِبِ الكبيرةِ في النَّارِ، معَ قولِهم: إنَّه ليس بكافِرٍ، فهم قد وافَقوا الخوارِجَ في التَّخليدِ؛ لكنَّهم لم يجرُؤوا على تكفيرِه؛ فلذا سُمُّوا بهذا الاسمِ [31] يُنظر: ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 9). .
قال البَغداديُّ: (إنَّ واصِلًا وعَمرًا وافَقَا الخوارِجَ في تأييدِ عقابِ صاحِبِ الكبيرةِ في النَّارِ معَ قولِهما بأنَّه مُوحِّدٌ، وليس بمُشرِكٍ ولا كافِرٍ؛ ولهذا قيل للمُعتَزِلةِ: إنَّهم مخانيثُ الخوارِجِ؛ لأنَّ الخوارِجَ لمَّا رأَوا لأهلِ الذُّنوبِ الخُلودَ في النَّارِ سمَّوهم كَفَرةً وحارَبوهم، والمُعتَزِلةُ رأت لهم الخُلودَ في النَّارِ، ولم تجسُرْ على تسميتِهم كَفَرةً، ولا جسرَت على قِتالِ أهلِ فِرقةٍ منهم فَضلًا عن قتالِ جُمهورِ مُخالِفيهم) [32] ((الفَرق بين الفِرَق)) (ص: 98). .
6- الوَعيديَّةُ
شاع إطلاقُ لَقبِ الوعيديَّةِ على المُعتَزِلةِ في كُتبِ الفِرَقِ والعَقائِدِ [33] يُنظر مثلا: ((المِلَل والنِّحَل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/141)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّة (1/314). .
ومِن ذلك قولُ الصَّفَديِّ في سياقِ ذِكرِ عقائِدِ المُعتَزِلةِ: (اتَّفَقوا على أنَّ المُؤمِنَ إذا مات عن توبةٍ استحقَّ الثَّوابَ والعِوَضَ، وإذا مات عن كبيرةٍ ارتكَبها استحقَّ الخُلودَ في النَّارِ، لكن يكونُ عقابُه أخَفَّ مِن عِقابِ الكُفَّارِ، وسَمُّوا هذا النَّمطَ وَعدًا ووَعيدًا؛ فلهذا يُسَمَّونَ ‌الوَعيديَّةَ أيضًا) [34] ((الوافي بالوفيات)) (27/ 246). .
وقد سمَّاهم به أحدُ المُرجِئةِ في شِعرٍ قاله في هِجاءِ أبي هاشِمٍ الجُبَّائيِّ:
يَعيبُ القولَ بالإرجاءِ حتَّى
يرى بعضَ الرَّجاءِ مِن الجَرائِرْ
وأعظَمُ مِن ذَوي الإرجاءِ جُرمًا
وَعيديٌّ أصَرَّ على الكبائِرْ [35] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 177).
فاسمُ الوَعيديَّةِ آتٍ مِن قولِ المُعتَزِلةِ بالوَعدِ والوَعيدِ، وهذا القولُ أحدُ الأركانِ التي يقومُ عليها الاعتِزالُ [36] يُنظر: ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 10). .
7- المُعطِّلةُ
كان أهلُ السُّنَّةِ يُطلِقونَ على الجَهميَّةِ الأولى نُفاةِ الصِّفاتِ اسمَ المُعطِّلةِ؛ لتعطيلِهم اللهَ تعالى عن صفاتِه [37] يُنظر: ((مختصر الصواعق)) لابن الموصلي (ص: 192). ويُنظر أيضًا: ((بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية)) لابن تَيميَّة (4/401). ، أي: تجريدِه تعالى منها، وكانوا يقصِدونَ مِن وراءِ هذه التَّسميةِ ذمَّ الجَهميَّةِ وهَجْوَها، وأهلُ المَوصِلِ أخَذوا بَعدَ هزيمةِ مَروانَ بنِ مُحمَّدٍ يسبُّونَه ويُنادونَه: يا مُعطِّلُ؛ لأنَّ مَروانَ كان على مذهَبِ المُعطِّلةِ [38] يُنظر: ((الكامل)) لابن الأثير (5/18). .
وحينَ قام المُعتَزِلةُ واقتبَسوا عن الجَهميَّةِ الأولى قولَهم بنَفيِ الصِّفاتِ، لزِمهم اسمُ المُعطِّلةِ على اعتِبارِ أنَّ مِن معاني التَّعطيلِ: تعطيلَ ظواهِرِ الكتابِ والسُّنَّةِ عن المعاني التي تدُلُّ عليها [39] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تَيميَّة (7/396). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (هذه الأحاديثُ وغَيرُها في الصِّحاحِ، وقد تلقَّاها السَّلفُ والأئمَّةُ بالقَبولِ، واتَّفَق عليها أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ، وإنَّما يُكذِّبُ بها أو يُحرِّفُها الجَهميَّةُ ومَن تبِعهم مِن ‌المُعتَزِلةِ والرَّافِضةِ ونَحوِهم الذين يُكذِّبونَ بصفاتِ اللهِ تعالى وبرُؤيتِه وغَيرِ ذلك، وهم ‌المُعطِّلةُ شِرارُ الخَلقِ والخليقةِ) [40] ((مجموع الفتاوى)) (3/391). .

انظر أيضا: