موسوعة الفرق

الفصلُ السَّابِعُ: وصيَّةُ اللهِ لأنبيائِه بالاجتِماعِ على التَّوحيدِ ونبذِ الفُرقةِ


فقد وصَّى اللهُ تعالى صَفوةَ رُسلِه وأنبيائِه عليهم السَّلامُ بالاجتِماعِ على الدِّينِ الحقِّ، وعَدمِ التَّفرُّقِ فيه.
قال اللهُ تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ [الشورى: 13] .
قال ابنُ كَثيرٍ: (أوصى اللهُ تعالى جميعَ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ بالائتِلافِ والجماعةِ، ونهاهم عن الافتِراقِ والاختِلافِ) [129] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 11). .
والدِّينُ الذي أمَر اللهُ سبحانَه الأنبياءَ بالاجتِماع عليه والتَّمسُّكِ به هو دينٌ واحِدٌ؛ وهو دينُ الإسلامِ، وهو دينُ الأوَّلينَ والآخِرينَ مِن النَّبيِّينَ والمُرسَلينَ؛ قال اللهُ تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85] ، وهذا عامٌّ في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ.
قال اللهُ تعالى حاكيًا قولَ نوحٍ عليه السَّلامُ، وهو أوَّلُ الرُّسُلِ: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: 72] .
وقال اللهُ تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: 130 - 132] .
وقال اللهُ سبحانَه: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون:51- 53] .
قال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ في قولِه تعالى: أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً (يقولُ: دينُكم دينٌ واحِدٌ) [130] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم بعد حديث (4739)، وأخرجه موصولًا الطبري في ((التفسير)) (18/523) واللَّفظُ لهما، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (14547) باختلافٍ يسيرٍ. .
ودينُ الإسلامِ الذي تمسَّك به الأنبياءُ جميعُهم عليهم السَّلامُ، ودعَوا إليه؛ هو توحيدُ اللهِ والإيمانُ به، وطاعةُ رُسلِه، وقَبولُ شرائِعِه [131] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 67). .
والوصيَّةُ بلُزومِ الجماعةِ والاجتِماعِ على توحيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والحَذرِ مِن سُلوكِ سُبُلِ الفُرقةِ؛ ليست وصيَّةً خاصَّةً بالأنبِياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، بل هي أيضًا وصيَّةٌ لازِمةٌ لكُلِّ مُسلِمٍ، كما قال اللهُ عزَّ وجلَّ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153] .

انظر أيضا: