موسوعة الفرق

المسألةُ السَّادسةُ: هل يصِحُّ إيمانُ المُقَلِّدِ أم لا؟


ذهب جمهورُ مشايخِ الحَنَفيَّةِ إلى أنَّ إيمانَ المُقَلِّدِ صحيحٌ، إلَّا أنَّه عاصٍ بتركِ الاستدلالِ.
وذهب الأشْعَريُّ وجمهورُ الأشاعِرةِ إلى عدمِ الاكتفاءِ بالتَّقليدِ في العقائِدِ  [745] يُنظر: ((نظم الفرائد)) لزاده (ص: 40)، ((أصول الدين)) للبَزْدَوي (ص: 152)، ((البداية)) للصابوني (ص: 154)، ((بدء الأمالي مع شرحه ضوء المعالي)) (ص: 89)، ((شرح الفقه الأكبر)) (ص: 216) كلاهما للقاري. .
وصرَّح أبو عَذبةَ بأنَّ بعضَ الأشْعَريَّةِ يقولون بكُفرِ المُقَلِّدِ، ونقل عن الأشْعَريِّ أنَّه قال: إنَّ المُقَلِّد خرج من الكُفرِ، ولم يستحِقَّ اسمَ المؤمِنِ  [746] يُنظر: ((الروضة البهية)) (ص: 22). ويُنظر: ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: 255). .
وذكر بَعضُ الأشْعَريَّةِ والماتُريديَّةِ أنَّ نسبةَ القولِ بعَدَمِ صِحَّةِ إيمانِ المُقَلِّدِ إلى الأشْعَريِّ كَذِبٌ وزُورٌ  [747] يُنظر: ((طبقات الشافعية)) للسبكي (3/385، 418، 420)، ((ضوء المعالي)) للقاري (ص: 89). .
وأمَّا القولُ بوُجوبِ النَّظرِ والاستدلالِ فيُصَرِّحُ به كُلٌّ من الماتُريديَّةِ والأشْعَريَّةِ  [748] يُنظر من كتب الماتريدية: ((التوحيد)) للماتريدي (ص: 3)، ((بحر الكلام)) لأبي المعين النسفي (ص: 13)، ((البداية)) للصابوني (ص: 154)، ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص: 216)، ومن كتب الأشعرية: ((الإنصاف)) للباقلاني (ص: 26)، ((الإرشاد)) للجويني (ص: 31)، ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: 254)، ((المحصل)) للرازي (ص: 65)، ((المواقف)) للإيجي (ص: 320)، ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (13/349-354). ، وأفرط بعضُ الأشْعَريَّةِ، كالقاضي أبي بكرِ بنِ العَرَبيِّ، وإمامِ الحرمينِ، فقالا: يلزمُ المصَلِّيَ عِندَ الإحرامِ أن يذكُرَ حدوثَ العالَمِ وأدلَّتَه، وإثباتَ الأعراضِ، واستحالةَ قِدَمِ الجواهِرِ، وأدِلَّةَ العِلمِ بالصَّانِعِ، وما يجِبُ للهِ، وما يستحيلُ  [749] يُنظر: ((الدر الثمين)) لابن ميارة (ص: 240). !!
ويتبيَّنُ من ذلك أنَّه لا خلافَ بَينَ الفريقينِ في وجوبِ النَّظَرِ والاستدلالِ، أمَّا الخلافُ في صَّحةِ إيمان المُقَلِّدِ وعَدَمِه، فخلافٌ معنويٌ؛ فلا معنى لزَعمِ التَّاجِ السُّبكيِّ وأبي عَذبةَ أنَّه خلافٌ لفظيٌّ  [750] يُنظر: ((طبقات الشافعية)) (3/385)، ((الروضة البهية)) (ص: 21-22). .
والحقُّ أنَّ القولَ بعَدَمِ صِحَّةِ إيمانِ المُقَلِّدِ -كما زعمه الأشْعَريَّةُ- باطلٌ، كما أنَّ قولَ الماتُريديَّةِ والأشْعَريَّةِ بوجوبِ النَّظَرِ والاستدلالِ باطِلٌ.
قال الغَزاليُّ: (لم يُكَلِّفِ الشَّرعُ أجلافَ العَرَبِ أكثَرَ من التَّصديقِ الجازِمِ بظاهرِ هذه العقائدِ)  [751] ((قواعد العقائد)) (ص: 75-76، 79). ويُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (1/94)، ((شرح إحياء علوم الدين)) للزبيدي (2/43، 45)، ((ضوء المعالي)) للقاري (ص: 89)، ((الروضة البهية)) لأبي عذبة (ص: 22). .
فالحقُ صحَّةُ إيمانِ المُقَلِّدِ، وأنَّ أوَّلَ واجبٍ في الإسلامِ هو شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وهو توحيدُ العبادةِ [752] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (13/349 – 354). .
قال أبو جَعفرٍ السمنانيُّ الحَنَفيُّ الأشْعَريُّ: (إيجابُ الأشْعَريِّ النَّظرَ في المعرفةِ بقيَّةٌ بَقِيَت عليه من الاعتزالِ) [753] ((رسالة في الكلام على الفطرة)) ضمن مجموعة الرسائل الكبرى (2/346). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (13/349). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يدْعُ أحدًا إلى النَّظَرِ ابتداءً، ولا إلى مجرَّدِ إثباتِ الصَّانِعِ، بل أوَّلُ ما دعاهم إليه الشَّهادتانِ، وبذلك أمرَ أصحابَه... وهذا ممَّا اتَّفق عليه أئمَّةُ الدِّينِ... والقرآنُ ليس فيه أنَّ النَّظَرَ أوَّلُ الواجباتِ، ولا فيه إيجابُ النَّظَرِ على أحدٍ، وإنَّما فيه الأمرُ بالنَّظَرِ لِمن لم يحصُلْ له الإيمانُ إلَّا به، وهذا أصحُّ الأقوالِ، فقولُ هؤلاء، كأبي المعالي وغيرِه: أوَّلُ ما يجِبُ على العاقِلِ البالِغِ القَصدُ إلى النَّظَرِ، هو في الأصلِ من كلامِ المُعتزِلةِ، ومخالِفٌ لما أجمعَ عليه أئمَّةُ الدِّينِ، ولِما تواتر عن سيِّدِ المرسَلينَ، وعُلِمَ بالاضطرارِ من دينِه) [754] ((درء تعارض العقل والنقل)) (8/6-10). .

انظر أيضا: