موسوعة الفرق

الفَرعُ الثَّاني: أمثلةٌ لتعطيلِ الماتُريديَّةِ بعضَ معاني أسماءِ اللهِ الحُسنى


المثالُ الأوَّلُ:
 (العَلِيُّ) من أسماءِ اللهِ الحُسنى، يدُلُّ دلالةً حقيقيَّةً مطابقيَّةً قطعيَّةً على ذاتِ اللهِ المقدَّسةِ، وعلى صفةِ "العُلُوِّ" على خلقِه.
فالماتُريديَّةُ لمَّا عطَّلوا صفةَ عُلوِّ اللهِ تعالى وحرَّفوا نصوصَها بأنواعٍ من التَّأويلاتِ والمجازاتِ، جعلوا اسمَه "العليَّ" مجرَّدًا عن صفتِه "العُلُوِّ" المطلَقِ على خلقِه؛ ولذلك فسَّروا اسمَ اللهِ تعالى "العَليَّ" بما يلي:
1- "العَلِيُّ عن كُلِّ موهومٍ يحتاجُ إلى عرشٍ أو كرسيٍّ" [391] يُنظر: ((تأويلات أهل السنة)) للماتريدي (1/593). .
2- "العَليُّ في مُلكِه وسلطانِه، أو المتعالي عن الصِّفاتِ التي لا تليقُ به" [392] يُنظر: ((مدارك التنزيل)) للنسفي (1/170). .
3- "المتعالي بذاتِه عن الأشباهِ والأندادِ" [393] يُنظر: ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود (1/248). .
4- بمعنى "المتكَبِّرِ" [394] يُنظر: ((نشر الطوالع)) للمرعشي (ص: 320). .
فجعلوا هذا الاسمَ الأحسنَ "العَلِيَّ" من السُّلوبِ المحضةِ التي لا مَدْحَ فيها ولا ثناءَ! مع أنَّه من أعظَمِ الأسماءِ الحُسنى الدَّالَّةِ على إثباتِ الصِّفاتِ الكماليَّةِ لله تعالى، وأنَّه يدُلُّ على صفةٍ هي من أعظَمِ صِفاتِ اللهِ تعالى الذَّاتيَّةِ الثُّبوتيَّةِ، ألا وهي صفةُ "العُلُوِّ" المطلَقِ على خلقِه، مع تضمُّنِه تنزيهَ اللهِ تعالى عن كُلِّ عيبٍ ونقصٍ.
المثالانِ الثَّاني والثَّالثُ:
"الرَّحمنُ الرَّحيمُ" اسمانِ من أسماءِ اللهِ الحُسنى يدُلَّانِ دلالةً حقيقيَّةً قطعيَّةً مطابِقةً على صفةِ "الرَّحمةِ" الكاملةِ، لكنَّ الماتُريديَّةَ عطَّلوا صفةَ "الرَّحمة" بتأويلاتِهم الفاسدةِ، وجعلوا هذين الاسمينِ: "الرَّحمن الرَّحيم" مجرَّدينِ عن صفةِ "الرَّحمة"؛ حيث فسَّروا الرَّحمةَ بإيصالِ الخيرِ ودَفعِ الشَّرِّ [395] ((التبيان)) للفنجفيري (ص: 59). .
ومن ذلك قولُ ابنِ أبي شريفٍ المَقدسيِّ: (رحمتُه للعبادِ إمَّا إرادةُ الإنعامِ عليهم ودفعِ الضُّرِّ عنهم، فيكونُ من الصِّفاتِ المعنويَّةِ، وإمَّا نفسُ الإنعامِ والدَّفعِ، فيكونُ من صفاتِ الأفعالِ) [396] ((المسامرة)) (ص: 3).  .
المثالُ الرَّابعُ:
"الوَدودُ" من أسماءِ اللهِ الحُسنى يدُلُّ على ذاتِ اللهِ تعالى وعلى صفةِ "الوُدِّ" دلالةً قطعيَّةً حقيقيَّةً مطابقيَّةً، ومعنى "الودود" أنَّه محِبٌّ للمؤمنينَ، فيكونُ "فَعولًا بمعنى فاعلٍ"، فاللهُ تعالى ذو المحبَّةِ لهم، وقيل: "محبوب" للمُؤمنين، فيكونُ فعولًا بمعنى فعولٍ [397] يُنظر ((جامع البيان)) للطبري (12/105) و (30/138)، ((معالم التنزيل)) للبغوي (2/399، 4/471). .
والماتُريديَّةُ عطَّلوا صفةَ "المحبَّةِ" الثَّابتةَ لله تعالى، وحرَّفوا نصوصَها إلى صفةِ "الإرادة"، وغيرِ ذلك من التَّأويلاتِ [398] يُنظر: ((شرح المواقف للجرجاني مع حاشيتي السيالكوتي والفناري)) (6/ 131). .
المثالانِ الخامِسُ والسَّادِسُ:
"الظَّاهِرُ والباطِنُ" من الأسماءِ الحُسنى.
وفي حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: ((وأنت الظَّاهِرُ فليس فوقَك شيءٌ )) [399] رواه مسلم (2713) مطولًا. .
فهذا الاسمُ يدُلُّ دلالةً قطعيَّةً حقيقيَّةً مطابِقةً على ذاتِ اللهِ تعالى، وإثباتِ صِفةِ "العُلُوِّ" المُطلَقِ للهِ تعالى، وهذا هو الرَّاجِحُ في معناه.
فإن قيل: معناه "الظَّاهِرُ وجودُه بالأدِلَّةِ الواضِحةِ" [400] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/132)، ((فتح الباري)) لابن حجر (8/627-628). .
فالجوابُ: أنَّ هذا المعنى لا ينافي المعنى الأوَّلَ؛ لأنَّ عُلوَّ اللهِ على خَلقِه متضَمِّنٌ ظهورَ وجودِه، بل وجودُ اللهِ تعالى لا يحتاجُ إلى بُرْهانٍ، ولله دَرُّ القائِلِ:
وليس يَصِحُّ في الأذهانِ شَيءٌ
إذا احتاج النَّهارُ إلى دليل [401] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (4/1221)، ((مدارج السالكين)) (1/71) كلاهما لابن القيم.
قال ابنُ تيميَّةَ في الرَّدِّ على من يزعُمُ أنَّ تفسيرَ "نور السَّموات" بهادي أهلِ السَّمواتِ والأرضِ تأويلٌ: (ثمَّ قولُ من قال من السَّلَفِ: "هادي أهلِ السَّمواتِ والأرضِ" لا يمنَعُ أن يكونَ في نفسِه نورًا؛ فإنَّ من عادةِ السَّلَفِ في تفسيرِهم أن يذكُروا بعضَ "صفاتِ المُفَسَّر" من الأسماءِ، أو بعضِ أنواعِه، ولا ينافي ذلك ثبوتَ بقيَّةِ الصِّفاتِ للمُسَمَّى، بل قد يكونانِ متلازمَينِ) [402] ((مجموع الفتاوى)) (6/390-391). .
المثالانِ السَّابعُ والثَّامِنُ:
"السَّميعُ" و"البصيرُ" من أسماءِ اللهِ الحُسنى يدلَّانِ على ذاتِ اللهِ تعالى، وعلى صِفَتي "السَّمعِ والبَصَر" الكاملَينِ المطلَقَينِ دلالةً مطابقيَّةً حقيقيَّةً قطعيَّةً، وقد عطَّل بعضُ الماتُريديَّةِ هاتينِ الصِّفتينِ بتأويلِهما إلى صفةِ العِلمِ.
وهذا تعطيلٌ صريحٌ، وإلحادٌ قبيحٌ؛ لأنَّ أبا حنيفةَ صرَّح بأنَّ تفسيرَ صفةِ "اليدِ" بالقُدرةِ أو النِّعمةِ إبطالٌ لها، وأنَّه قولُ المُعَطِّلةِ المُعتزِلةِ [403] يُنظر: ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص: 59). .
ومن أهمِّ المسائِلِ المتعَلِّقةِ ببابِ (الأسماء) عِندَ الماتُريديَّةِ مسألةُ الاسمِ والمُسَمَّى، وقد ذهبت الماتُريديَّةُ في هذه المسألةِ إلى القَولِ بأنَّ الاسمَ هو المُسَمَّى، واحتجُّوا بقولِه تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن: 78]، وقَولِه: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1] ، وقَولِه: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ [الزمر: 2] ، ونحوِ ذلك من النُّصوصِ.
وقالوا: إنَّ اللهَ هو الخالِقُ، وما سواه مخلوقٌ، فلو كانت أسماؤه غيرَه لكانت مخلوقةً، وللزم أن لا يكونَ له اسمٌ في الأزَلِ ولا صِفةٌ [404] يُنظر: ((التوحيد)) للماتريدي (ص: 66)، ((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص: 15)، ((حاشية جامع المتون)) (ص: 4، 5). .
قال البَزْدَويُّ: (إنَّ الدَّليلَ يضطرُّنا وكُلَّ عاقلٍ إلى القولِ بأنَّ الاسمَ نَفسُ المسمَّى؛ فإنَّ النَّاسَ أُمروا بأن يعبُدوا اللهَ تعالى، ويوحِّدوا اللهَ تعالى ويعَظِّموه ويكَبِّروه ويُهَلِّلوه، ولو أنَّ الاسمَ غيرُ المسمَّى لكان هذا خطَأً. قال اللهُ تعالى: وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء: 36] ، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ [الحج: 1] ) [405] ((أصول الدين)) (ص: 88-90). .
وقال أبو المُعينِ النَّسَفيُّ: (اعلَمْ أنَّ الاسمَ والمسمَّى واحِدٌ... واللهُ تعالى بجميعِ أسمائِه واحِدٌ. دليلُنا قولُ اللهِ عزَّ وجَلَّ: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ [الزمر: 2] ، وقولُه تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا [التوبة: 31] ، اللهُ تعالى أمَرَنا بأن نوحِّدَ اللهَ تعالى، فلو كان اسمُ اللهِ تعالى غيرَ اللهِ لكان حصولُ التَّوحيدِ للاسمِ لا للهِ تعالى) [406] ((بحر الكلام)) (ص: 37). .
قال عبدُ الحميدِ الألوسيُّ: (ليس الاسمُ غيرَ المسمَّى، بل هو عينُه، بمعنى: أنَّ الحُكمَ الواقِعَ على الاسمِ واقِعٌ على المسمَّى لا محالةَ، محتجِّينَ بقولِه تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن: 78]، وبقَولِه تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1] ؛ إذ المعنى: تعالى اللهُ وتنزَّه اللهُ؛ لأنَّ المتعالِيَ المتنَزِّهَ عمَّا لا يليقُ به هو اللهُ تعالى) [407] ((نثر اللآلئ)) (ص: 35). .
والكلامُ في مسألةِ هل الاسمُ هو المسمَّى أم غيرُ المسمَّى من البِدَعِ التي حدثت بعد القُرونِ المفضَّلةِ، والتي لا أصلَ لها من الكتابِ ولا من السُّنَّةِ، بل لا يُعرَفُ عن أحدٍ من السَّلَفِ ولا أئمَّةِ المُسلِمينَ أنَّه تكلَّم في هذه المسألةِ بشَيءٍ.
قال ابنُ جريرٍ: (أمَّا القولُ في الاسمِ: أهو المُسمَّى أم غيرُ المُسمَّى؟ فإنَّه من الحماقاتِ الحادثةِ التي لا أثرَ فيها فيُتَّبعَ، ولا قَولَ مِن إمامٍ فيُستمَعَ؛ فالخَوضُ فيه شَينٌ، والصَّمتُ عنه زَينٌ. وحَسْبُ امرئٍ من العِلمِ به والقولِ فيه أن ينتهيَ إلى قولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ ثناؤُه الصَّادِقُ، وهو قَولُه: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء: 110] ، وقَولُه تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180] ، ويعلَمَ أنَّ رَبَّه هو الذي على العَرشِ استوى، لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى [طه: 6] ، فمَن تجاوَز ذلك فقد خاب وخَسِر، وضلَّ وهلَك [408] ((صريح السنة)) (ص: 26، 27). .
وسببُ حُدوثِ هذه المسألةِ: أنَّ الجَهْميَّةَ لمَّا ابتدعت القولَ بخلقِ القرآنِ، قالت بخَلقِ أسماءِ اللهِ تعالى؛ إذ إنَّ القولَ في أسمائِه تعالى نوعٌ من القولِ في كلامِه؛ ممَّا دفعهم إلى القولِ بأنَّ أسماءَ اللهِ غيرُه، وأنَّ الاسمَ غيرُ المسمَّى، فذمَّهم السَّلَفُ لقولِهم هذا، وغلَّظوا فيهم القولَ؛ لأنَّ أسماءَ اللهِ كلامُه، وكلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، بل هو المُتكلِّمُ به، وهو المسَمِّي لنفسِه بما فيه من الأسماءِ... فلهذا يُروى عن الشَّافعيِّ والأصمعيِّ وغيرِهما أنَّه قال: إذا سمعتَ الرَّجُلَ يقولُ: الاسمُ غيرُ المسمَّى، فاشهَدْ عليه بالزَّندقةِ، ولم يُعرَفْ أيضًا عن أحدٍ من السَّلَفِ أنَّه قال: الاسمُ هو المسمَّى [409] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/186، 187). .
ولمَّا كانت الماتُريديَّةُ تعتقدُ أنَّ أسماءَ اللهِ غيرُ مخلوقةٍ، كما أنَّ كلامَه غيرُ مخلوقٍ، قابلوا قولَ الجَهْميَّةِ بأنَّ الاسمَ غيرُ المُسَمَّى فقالوا: الاسمُ هو المسمَّى، وقرَّروا عَدَمَ الغيريَّةِ بينهما، ولم يتفطَّنوا لِما في لفظِ الغيرِ من الإجمالِ.
ومنشَأُ الغَلَطِ: (من إطلاقِ ألفاظٍ مجمَلةٍ محتَمِلةٍ لمعنيَينِ: صحيحٍ وباطلٍ، فلا ينفَصِلُ النِّزاعُ إلَّا بتفصيلِ تلك المعاني وتنزيلِ ألفاظِها عليها، وبلاءُ القومِ من لفظةِ الغَيرِ؛ فإنَّها يرادُ بها (معنيان) أحَدُهما: المغايرُ لتلك الذَّاتِ المسمَّاةِ باللهِ، وكُلُّ ما غاير اللهَ مغايرةً محضةً بهذا الاعتبارِ، فلا يكونُ إلَّا مخلوقًا. ويرادُ به مغايرةُ الصِّفةِ إذا خرجت عنها، فإذا قيل: عِلمُ اللهِ وكلامُ اللهِ غَيرُه، بمعنى أنَّه غيرُ الذَّاتِ المجرَّدةِ عن العِلمِ والكلامِ، كان المعنى صحيحًا، ولكِنَّ الإطلاقَ باطِلٌ، وإذا أريدَ أنَّ العِلمَ والكلامَ مغايرٌ لحقيقتِه المختصَّةِ التي امتاز بها عن غيرِه، كان باطلًا لفظًا ومعنًى) [410] ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (1/17، 18). .
والصَّوابُ في المسألةِ التَّفصيلُ: (فالاسْمُ يُرادُ به المُسمَّى تارةً، ويُرادُ به اللَّفْظُ الدَّالُّ عليه أخرى، فإذا قُلْتَ: قال اللهُ كَذا، واستوى اللهُ على عرشِه، وسَمِع اللهُ، ورأى وخلق، فهذا المرادُ به المسمَّى نفسُه، وإذا قُلتَ: (اللهُ) اسمٌ عربيٌّ، و(الرَّحمنُ) اسمٌ عربيٌّ، و(الرَّحمنُ) من أسماءِ اللهِ، و(الرَّحمنُ) وزنُه فَعْلان، و(الرَّحمنُ) مشتقٌّ من الرَّحمةِ، ونحوَ ذلك، فالاسْمُ هاهنا للمُسمَّى، ولا يُقالُ: غَيرُه؛ لِما في لَفْظِ الغَيرِ مِن الإجْمالِ، فإن أُريدَ بالمُغايَرةِ أنَّ اللَّفْظَ غَيرُ المَعْنى فحَقٌّ، وإن أُريدَ أنَّ اللهَ سُبْحانَه كانَ ولا اسْمَ له، حتَّى خَلَقَ لنَفْسِه اسْمًا، أو حتَّى سَمَّاه خَلْقُه بأسْماءٍ مِن وَضعِهم- فهذا مِن أَعظَمِ الضَّلالِ والإلْحادِ) [411] ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 277). ويُنظر: ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: 80). .
وأمَّا استدلالُ الماتُريديَّةِ بقولِه تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن: 78] وقولِه: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1] ... ونحوِ ذلك من الآياتِ، على أنَّ الاسمَ هو المسمَّى، فهو في الحقيقةِ حُجَّةٌ عليهم؛ (لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم امتثل هذا الأمرَ، وقال: سُبحانَ ربِّي الأعلى، سُبحانَ ربِّي العظيمِ، ولو كان الأمرُ كما زعموا، لقال: سُبحانَ اسمِ ربِّي العظيمِ، ثمَّ إنَّ الأمَّةَ كلَّهم لا يجوِّزُ أحدٌ منهم أن يقولَ: عبدتُ اسمَ رَبِّي، ولا سجَدْتُ لاسمِ رَبِّي، ولا رَكَعْتُ لاسمِ ربِّي، ولا يا اسمَ رَبِّي ارحَمْني، وهذا يدُلُّ على أنَّ الأشياءَ متعَلِّقةٌ بالمسمَّى لا بالاسمِ) [412] ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (1/181). ويُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) للسفاريني (1/29، 119). .
وأمَّا الجوابُ عن تعلُّقِ الأمرِ بالذِّكرِ والتَّسبيحِ بالاسمِ، فهو (أنَّ الذِّكرَ الحقيقيَّ محلُّه القَلبُ؛ لأنَّه ضِدُّ النِّسيانِ، والتَّسبيحُ نوعٌ من الذِّكرِ، فلو أُطلِقَ الذِّكرُ والتَّسبيحُ لَما فُهِم منه إلَّا ذلك دونَ اللَّفظِ باللِّسانِ، واللهُ تعالى أراد من عبادِه الأمرينِ جميعًا، ولم يقبَلِ الإيمانَ وعَقْدَ الإسلامِ إلَّا باقترانِهما واجتماعِهما، فصار معنى الآيتينِ: سَبِّحْ رَبَّك بقلبِك ولسانِك، واذكُرْ رَبَّك بقلبِك ولسانِك، فأقحَمَ الاسمَ تنبيهًا على هذا المعنى؛ حتى لا يخلوَ الذِّكرُ والتَّسبيحُ من اللَّفظِ باللِّسانِ؛ لأنَّ ذِكرَ القلبِ متعَلَّقُه اللَّفظُ مع مدلولِه؛ لأنَّ اللَّفظَ لا يرادُ لنَفسِه، فلا يتوهَّمْ أحدٌ أنَّ اللَّفظَ هو المسَبَّحُ دونَ ما يدُلُّ عليه من المعنى) [413] ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (1/19). .
فإطلاقُ القولِ: بأنَّ الاسمَ غيرُ المسمَّى أو أنَّه هو غيرُ صحيحٍ، بل هو باطِلٌ؛ لاحتمالِه معانيَ باطلةً، والصَّوابُ هو التَّفصيلُ في المسألةِ كما تقدَّم بيانُه. واللهُ تعالى أعلَمُ.

انظر أيضا: