موسوعة الفرق

الفَصْلُ الثَّالِثُ: تَصْريحُ العُلَماءِ بمُخالَفةِ الأشاعِرةِ لِما كانَ عليه السَّلَفُ الصَّالِحُ


توجَدُ نُصوصٌ كَثيرةٌ عن العُلَماءِ السَّابِقينَ تُبيِّنُ مُخالَفةَ الأشاعِرةِ وأصْلِهم الكُلَّابيَّةِ لِما كانَ عليه السَّلَفُ الصَّالِحُ، وفيها التَّصْريحُ بمُخالَفةِ الأشاعِرةِ لطَريقةِ أهْلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وسنَكْتَفي بذِكْرِ بعضِ النُّقولِ عن عُلَماءَ سابِقينَ قَبْلَ زَمَنِ ابنِ تَيْميَّةَ، ومِن هؤلاء العُلَماءِ مَن كانوا مِن أئِمَّةِ الشَّافِعيَّةِ أو المالِكيَّةِ؛ فمِن تلك النُّصوصِ:
1- قالَ أبو الحارِثِ أَحمَدُ بنُ مُحمَّدٍ: (سَمِعْتُ أبا عَبْدِ اللهِ يَعْني أَحمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يقولُ: مَن أَحَبَّ الكَلامَ لم يَخرُجْ مِن قَلْبِه. وسَمِعْتُه وسُئِلَ عن قَوْلِ الحُسَينِ الكَرابيسيِّ، فقيلَ له: إنَّه يقولُ: لَفْظي بالقُرْآنِ مَخْلوقٌ، فقالَ: هذا قَوْلُ جَهْمٍ، قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة: 6] ، فممَّن يَسمَعُ كَلامَ اللهِ؟ أَهلَكَهم اللهُ!) [790] رواه ابنُ أبي يعلى في ((طبقات الحنابلة)) (1/75). .
2- قالَ أبو حاتِمٍ الرَّازِيُّ عن مَذهَبِه واخْتِيارِه: (التَّمَسُّكُ بمَذهَبِ أهْلِ الأثَرِ، مِثلُ: أبي عَبْدِ اللهِ أَحمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وإسْحاقَ بنِ إبْراهيمَ، وأبي عُبَيْدٍ القاسِمِ بنِ سَلَّامٍ، والشَّافِعيِّ، ولُزومُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، والذَّبُّ عن الأئِمَّةِ المُتَبِّعةِ لآثارِ السَّلَفِ، واخْتِيارُ ما اخْتارَه أهْلُ السُّنَّةِ مِن الأئِمَّةِ في الأمْصارِ، مِثلُ: مالِكِ بنِ أَنَسٍ في المَدينةِ، والأَوْزاعيِّ بالشَّامِ، واللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ بمِصْرَ، وسُفْيانَ الثَّوْريِّ، وحَمَّادِ بنِ زَيدٍ بالعِراقِ، مِن الحَوادِثِ ممَّا لا يوجَدُ فيه رِوايةٌ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والصَّحابةِ والتَّابِعينَ، وتَرْكُ رَأيِ المُلبِسينَ المُمَوِّهينَ المُزَخرِفينَ المُمَخْرِقينَ الكَذَّابينَ، وتَرْكُ النَّظَرِ في كُتُبِ الكَرابيسيِّ، ومُجانَبةُ مَن يُناضِلُ عنه مِن أصْحابِه وشاجَرَ فيه، مِثلُ داودَ الأصْبَهانيِّ وأشْكالِه ومُتَّبِعيه. والقُرْآنُ كَلامُ اللهِ، وعِلمُه، وأسْماؤُه، وصِفاتُه، وأمْرُه ونَهْيُه، ليس بمَخْلوقٍ بجِهةٍ مِن الجِهاتِ. ومَن زَعَمَ أنَّه مَخْلوقٌ مَجْعولٌ فهو كافِرٌ باللهِ كُفْرًا يَنقُلُ عن المِلَّةِ، ومَن شَكَّ في كُفْرِه ممَّن يَفهَمُ ولا يَجهَلُ فهو كافِرٌ، والواقِفةُ واللَّفْظيَّةُ جَهْميَّةٌ، جَهَّمَهم أبو عَبْدِ اللهِ أَحمدُ بنُ حَنْبَلٍ) [791] ((شرح أُصول اعْتِقاد أهل السُّنَّة والجماعة)) للالكائي (1/ 202). .
3- قالَ أبو القاسِمِ الأصْبَهانيُّ: (أوَّلُ مَن قالَ باللَّفْظِ، وقالَ: ألْفاظُنا بالقُرْآنِ مَخْلوقةٌ: حُسَيْنٌ الكَرابيسيُّ. فبَدَّعَه أَحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، ووافَقَه على تَبْديعِه عُلَماءُ الأمْصارِ: إسْحاقُ بنُ راهَوَيْهِ، وأبو مُصْعَبٍ، ومُحمَّدُ بنُ سُلَيْمانَ لُوَيْن، وأبو عُبَيْدٍ القاسِمُ بنُ سَلَّامٍ، ومُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْريُّ، وهارونُ بنُ موسى الفرَويُّ، وأبو موسى مُحمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وداودُ بنُ رَشيدٍ، والحارِثُ بنُ مِسْكينٍ المِصْريُّ، وأَحمَدُ بنُ صالِحٍ المَصْريُّ، ومُحمَّدُ بنُ يَحْيى بنِ أبي عُمَرَ العَدَنيُّ، ويَعْقوبُ وأَحمَدُ ابْنا إبْراهيمَ الدَّورقيِّ، وأبو هَمَّامٍ الوَليدُ بنُ شُجاعٍ، وعلِيُّ بنُ خَشْرمَ، ومُحمَّدُ بنُ قُدامةَ المَصِّيصيُّ، ومُحمَّدُ بنُ داودَ بنِ صَبيحٍ المصيصيُّ، وكانَ مِن أهْلِ العِلمِ والأدَبِ، ومُحمَّدُ بنُ آدَمَ المَصِّيصيُّ، وسَعيدُ بنُ رَحْمةَ، وعُقْبةُ بنُ مُكرمٍ، والعبَّاسُ بنُ عَبْدِ العَظيمِ، ومُحمَّدُ بنُ أَسلَمَ الطُّوسيُّ، وحُمَيْدُ بنُ زَنْجَويْهِ النَّسَويُّ، ومُحمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَر البُخاريُّ، وأَحمَدُ بنُ منيعٍ، وهارونُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَمَّالُ، وابْنُه موسى بنُ هارونَ، ومُحمَّدُ بنُ يَحْيى الذُّهْليُّ النَّيْسابوريُّ، ومُحمَّدُ بنُ أَحمَدَ بنِ حَفْصٍ، وأبو عَبْدِ اللهِ البُخاريُّ، فَقيهُ أهْلِ خُراسانَ، وأبو بَكْرٍ الأَثرَمُ، وأبو بَكْرٍ المَرُّوذيُّ، صاحِبا أَحمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وأبو زُرْعةَ، وأبو حاتِمٍ، والحَسَنُ بنُ مُحمَّدٍ الزَّعْفَرانيُّ، وحَرْبُ بنُ إسْماعيلَ السيرجانيُّ، ومُحمَّدُ بنُ إسْحاقَ بنِ خُزَيْمةَ. ومِن أهْلِ أَصْبَهانَ: أبو مَسْعودٍ الرَّازِيُّ، ومُحمَّدُ بنُ عيسى الطَّرسوسيُّ، وأَحمَدُ بنُ مَهْديٍّ، وإسْماعيلُ بنُ أُسَيْدٍ، ومُحمَّدُ بنُ العبَّاسِ بنِ خالِدٍ، ومُحمَّدُ بنُ عبَّاسِ بنِ أيُّوبَ الأَخرَمُ، ومُحمَّدُ بنُ يَحْيى بنِ مَنْدَه، جَدُّ أبي عَبْدِ اللهِ، وأبو أَحمَدَ العَسَّالُ، وأبو علِيٍّ أَحمَدُ بنُ عُثْمانَ الأَبهَريُّ، وأبو عَبْدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ إسْحاقَ بنِ مَنْدَه، فمَذهَبُهم ومَذهَبُ أهْلِ السُّنَّةِ جَميعًا أنَّ القُرْآنَ كَلامُ اللهِ آيةً آيةً، وكَلِمةً كَلِمةً، وحَرْفًا حَرْفًا في جَميعِ أحْوالِه، حيثُ قُرِئَ وكُتِبَ وسُمِعَ) [792] ((الحجة في بيان المحجة)) (1/ 370 - 373). .
4- قالَ مُحمَّدُ بنُ إسْحاقَ بنِ خُزَيْمةَ: (القُرْآنُ كَلامُ اللهِ ووَحْيُه وتَنْزيلُه غَيْرُ مَخْلوقٍ، ومَن قالَ: شيءٌ مِنه مَخْلوقٌ، أو يقولُ: إنَّ القُرْآنَ مُحدَثٌ؛ فهو جَهْميٌّ) [793] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (14/379). .
وقالَ أبو علِيٍّ الثَّقَفيُّ لمُحمَّدِ بنِ إسْحاقَ بنِ خُزَيْمةَ: ما الَّذي أَنكَرْتَ أيُّها الأسْتاذُ مِن مَذاهِبِنا حتَّى نَرجِعَ عنه؟ قالَ: (مَيْلُكم إلى مَذهَبِ الكُلَّابيَّةِ، فقد كانَ أَحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِن أَشَدِّ النَّاسِ على عَبْدِ اللهِ بنِ سَعيدِ بنِ كُلَّابٍ وعلى أصْحابِه، مِثلُ الحارِثِ وغَيْرِه) [794] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (14/380). .
5- قالَ مُحمَّدُ بنُ خُوَيْز مَنْدادَ المِصْريُّ المالِكيُّ: (أهْلُ الأهْواءِ عنْدَ مالِكٍ وسائِرِ أصْحابِنا هُمْ أهْلُ الكَلامِ، فكلُّ مُتَكلِّمٍ فهو مِن أهْلِ الأهْواءِ والبِدَعِ، أشْعَريًّا كانَ أو غَيْرَ أَشْعَرِيٍّ، ولا تُقبَلُ له شَهادةٌ في الإسْلامِ، ويُهجَرُ ويُؤدَّبُ على بِدْعتِه، فإن تَمادى عليها اسْتُتيبَ مِنها) [795] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/ 942). .
وقد نَقَلَ هذا أبو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ -وهو مِن أئِمَّةِ المالِكيَّةِ- ثُمَّ قالَ مُؤَيِّدًا لكَلامِ ابنِ خُوَيْز مَنْدادَ: (ليس في الاعْتِقادِ كلِّه في صِفاتِ اللهِ وأسْمائِه إلَّا ما جاءَ مَنْصوصًا في كِتابِ اللهِ أو صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أَجمَعَتْ عليه الأمَّةُ، وما جاءَ مِن أخْبارِ الآحادِ في ذلك كلِّه أو نَحْوِه يُسَلَّمُ له، ولا يُناظَرُ فيه) [796] ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 942). .
6- قالَ أبو نَصْرٍ عُبَيدُ اللهِ بنُ سَعيدٍ السِّجْزيُّ: (يَنْبَغي أن يُتَأمَّلَ قَوْلُ الكُلَّابيَّةِ والأشْعَريَّةِ في الصِّفاتِ؛ ليُعلَمَ أنَّهم غَيْرُ مُثبِتينَ إلَهًا في الحَقيقةِ، وأنَّهم يَتَخيَّرونَ مِن النُّصوصِ ما أرادوه، ويَترُكونَ سائِرَها ويُخالِفونَه) [797] ((رسالة السجزي إلى أهل زبيد)) (ص: 163). .
7- قالَ ابنُ حَزْمٍ: (غُلاةُ المُرْجِئةِ طائِفتانِ:
إحْداهُما: الطَّائِفةُ القائِلةُ بأنَّ الإيمانَ قَوْلٌ باللِّسانِ وإن اعْتَقَدَ الكُفْرَ بقَلْبِه؛ فهو مُؤمِنٌ عنْدَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وَلِيٌّ له عَزَّ وجَلَّ، مِن أهْلِ الجَنَّةِ، وهذا قَوْلُ مُحمَّدِ بنِ كَرَّامٍ السِّجْسِتانيِّ وأصْحابِه، وهو بخُراسانَ وبَيْتِ المَقدِسِ.
والثَّانِيةُ: الطَّائِفةُ القائِلةُ بأنَّ الإيمانَ عَقْدٌ بالقَلْبِ، وإن أَعلَنَ الكُفْرَ بلِسانِه بلا تَقِيَّةٍ، وعَبَدَ الأوْثانَ، أو لَزِمَ اليَهوديَّةَ أو النَّصْرانيَّةَ في دارِ الإسْلامِ، وعَبَدَ الصَّليبَ، وأَعلَنَ التَّثْليثَ في دارِ الإسْلامِ، وماتَ على ذلك، فهو مُؤمِنٌ كامِلُ الإيمانِ عنْدَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وَلِيٌّ للهِ عَزَّ وجَلَّ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، وهذا قَوْلُ جَهْمِ بنِ صَفْوانَ السَّمَرْقَنْديِّ، وقَوْلُ أبي الحَسَنِ علِيِّ بنِ إسْماعيلَ الأَشْعَرِيِّ البَصْريِّ وأصْحابِهما. فأمَّا الجَهْميَّةُ فبِخُراسانَ، وأمَّا الأَشْعَريَّةُ فكانوا ببَغْدادَ والبَصْرةِ، ثُمَّ قامَتْ له سوقٌ بصِقِلِّيَّةَ والقَيْروانِ والأَنْدَلُسِ، ثُمَّ رَقَّ أمْرُهم، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ) [798] ((الفَصْل في الملل والأهواء والنحل)) (4/154) باختِصارٍ يسيرٍ. .
8- قالَ يَحْيى بنُ أبي الخَيْرِ العِمْرانيُّ، شَيْخُ الشَّافِعيَّةِ في بِلادِ اليَمَنِ: (أَدخلَتِ المُعْتَزِلةُ والقَدَريَّةُ على الإسْلامِ وأهْلِه شُبَهًا في الدِّينِ ليُمَوِّهوا بِها على العَوامِّ، ومَن لا خِبْرةَ له بأُصولِهم الَّتي بَنَوا عليها أقْوالَهم، فاتَّبَعوا مُتَشابِهَ القُرْآنِ، وأوَّلوا القُرْآنَ على خِلافِ ما نُقِلَ عن الصَّحابةِ والتَّابِعينَ المَشْهورينَ بالتَّفْسيرِ؛ ليُنفِّقوا بِذلك أقْوالَهم، فهُمْ أَشَدُّ الفِرَقِ ضَرَرًا على أصْحابِ الحَديثِ، ثُمَّ بَعْدَهم الأَشْعَريَّةُ؛ لأنَّهم أَظهَروا الرَّدَّ على المُعْتَزِلةِ وهُمْ قائِلونَ بقَوْلِهم) [799] ((الانتصار في الرد على المُعْتَزِلة القدرية الأشرار)) (1/ 95). .
وقالَ أيضًا: (الأَشْعَريَّةُ مُوافِقةٌ لِلمُعْتَزِلةِ في أنَّ هذا القُرْآنَ المَتْلُوَّ المَسْموعَ مَخْلوقٌ) [800] ((الانتصار في الرد على المُعْتَزِلة القدرية الأشرار)) (2/ 544). .
وقالَ مُبَيِّنًا مُوافَقةَ الكُلَّابيَّةِ والأشاعِرةِ للمُعْتَزِلةِ: (وافَقوهم أنَّ هذا القُرْآنَ المَتْلُوَّ مَخْلوقٌ كما قالوا، وادَّعوا أنَّ هاهنا قُرْآنًا قَديمًا يوصَفُ بأنَّه كَلامُ اللهِ يَنْتَفي عنه ضِدُّه، وهو المَعْنى القائِمُ بنَفْسِه، فهم قائِلونَ بخَلْقِ القُرْآنِ الَّذي لا يَعرِفُ المُعْتَزِلةُ ولا غَيْرُهم مِن المُسلِمينَ قُرْآنًا غَيْرَه. وادَّعَتِ الأشْعريَّةُ قُرْآنًا وكَلامًا للهِ لا يُعَقْلُ، ولم يَسبِقْهم إلى هذا القَوْلِ أحَدٌ مِن أهْلِ المِلَلِ والنِّحَلِ، فرَدُّهم على المُعْتَزِلةِ بخَلْقِ القُرْآنِ تَمْويهٌ وتَسَتُّرٌ بقَوْلِ أصْحابِ الحَديثِ، وهو مَذهَبٌ مُسقَفٌ باطِنُه الاعْتِزالُ وظاهِرُه التَّسَتُّرُ...، والأَشْعريَّةُ قَدَّموا رِجْلًا إلى الاعْتِزالِ ووَضَعوها حيثُ وَضَعَتِ المُعْتَزِلةُ أَرجُلَهم، وأَمُّوا بالرِّجْلِ الأخرى إلى حيثُ وَضَعَ أهْلُ الحَديثِ أَرجُلَهم، وهذا مِثالٌ عَقْليٌّ يَفقَهُه مَن فَهِمَ قَوْلَهم) [801] ((الانتصار في الرد على المُعْتَزِلة القدرية الأشرار)) (2/ 583، 595). .
وقالَ أيضًا: (القُرْآنُ والسُّنَّةُ والإجْماعُ دَلَّ كلُّ واحِدٍ مِنهما أنَّ القُرْآنَ هو هذه السُّوَرُ والآياتُ دونَ ما تَدَّعي الأَشْعَريَّةُ بعُقولِهم وتَأويلِهم الَّذي يُؤَدِّي إلى خِلافِ ذلك) [802] ((الانتصار في الرد على المُعْتَزِلة القدرية الأشرار)) (2/ 599). .
وقالَ أيضًا: (قالَتِ الأَشْعَريَّةُ: لا يَجوزُ وَصْفُه بأنَّه على العَرْشِ ولا في السَّماءِ...، قالوا: إذا قُلْتُم: إنَّه على العَرْشِ، أَفْضى إلى أنَّه يكونُ مَحْدودًا، أو أنَّه يَفْتَقِرُ إلى مَكانٍ وجِهةٍ تُحيطُ به، وتَعالى اللهُ عن ذلك، والجَوابُ: أنَّا وإن قُلْنا إنَّه على العَرْشِ كما أَخبَرَ بكِتابِه وأَخبَرَ به نَبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلا نَقولُ: إنَّه مَحْدودٌ، ولا إنَّه يَفْتَقِرُ إلى مَكانٍ، ولا تُحيطُ به جِهةٌ ولا مَكانٌ، بل كانَ ولا مَكانَ ولا زَمانَ، ثُمَّ خَلَقَ المَكانَ والزَّمانَ، واسْتَوى على العَرْشِ بلا كَيْفيَّةٍ، ولم يَخلُقِ العَرْشَ لحاجةٍ، بل كما حُكِيَ عن ذي النُّونِ المِصْريِّ لمَّا قيلَ له: ما أرادَ اللهُ بخَلْقِ العَرْشِ؟ فقالَ: أرادَ اللهُ ألَّا تَتيهَ قُلوبُ العارِفينَ، ولم يَخلُقْه لحاجتِه إليه، فإذا قيلَ للعَبْدِ المُؤمِنِ: أين اللهُ؟ قالَ: على العَرْشِ، وقد صَرَّح القاضي أبو بَكْرٍ الباقِلَّانيُّ الأَشْعَرِيُّ في التَّمْهيدِ بالقَوْلِ في هذه المَسْألةِ كما قالَ أصْحابُ الحَديثِ. وأمَّا الغَزاليُّ فخالَفَهم في الاقْتِصادِ وقالَ: أمَّا رَفْعُ الأيْدي في الدُّعاءِ إلى السَّماءِ فلأنَّها قِبْلةُ الدُّعاءِ كما أنَّ البَيْتَ قِبْلةُ الصَّلاةِ، وهذا تَمْويهٌ مِنه ومُعانَدةٌ لِما وَرَدَ به القُرْآنُ والسُّنَّةُ، وما عليه العُلَماءُ مِن الصَّحابةِ والتَّابِعينَ. وأمَّا قَوْلُه: إنَّ السَّماءَ قِبْلةُ الدُّعاءِ، فيُقالُ له: لو كانَ هذا كما قُلْتَ لم يَصِحَّ الدُّعاءُ إلَّا لِمَن تَوَجَّهَ بيَدَيه إلى السَّماءِ كما لا تَصِحُّ الصَّلاةُ إلَّا لِمَن تَوَجَّهَ إلى الكَعْبةِ) [803] ((الانتصار في الرد على المُعْتَزِلة القدرية الأشرار)) (2/ 609، 620 - 623). .
وقالَ أيضًا: (قالَتِ المُعْتَزِلةُ: لا يَجوزُ وَصْفُ اللهِ بأنَّه يُرى، وقالَتِ الأَشْعَريَّةُ: المُؤمِنونَ يَرَوْنَه ولكن لا يَرَوْنَه عن مُقابَلةٍ...، وأمَّا الدَّليلُ على إبْطالِ قَوْلِ الأَشْعَريَّةِ فهو: أنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بثُبوتِ الرُّؤْيةِ للهِ تَعالى بالأبْصارِ، فحُمِلَ ذلك على الرُّؤْيةِ المَعْهودةِ، وهو ما كانَ عن مُقابَلةٍ، بدَليلِ قَوْلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كما تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلةَ البَدْرِ)) [804] أخرجه البخاريُّ (554)، ومسلمٌ (633) من حديثِ جريرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، ولَفْظُ مُسلِمٍ: (كُنَّا جلوسًا عند رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ نظر إلى القَمَرِ ليلةَ البَدْرِ، فقال: ((أمَا إنَّكم ستَرَونَ رَبَّكم كما تَرَونَ هذا القَمَرَ). ...، وإن قالوا: إنَّ الرُّؤْيةَ لا تَختَصُّ بالأبْصارِ، رَجَعوا إلى قَوْلِ المُعْتَزِلةِ في نَفْيِ الرُّؤْيةِ، وأنَّ المُرادَ بالرُّؤْيةِ العِلمُ به عِلمًا ضَروريًّا، وقد حُكِيَ عن بعض مُتَأخِّري الأَشْعَريَّةِ أنَّه قالَ: لولا الحَياءُ مِن مُخالَفةِ شُيوخِنا لقُلْتُ: إنَّ الرُّؤْيةَ العِلمُ لا غَيْرُ. وهكذا قالوا في سَماعِ موسى لكَلامِ اللهِ أنَّه لا يَختَصُّ بالأُذُنِ، وإذا لم يَخْتَصَّ بالأُذُنِ رَجَعَ إلى مَعْنى العِلمِ. وأقْوالُ الأَشْعَريَّةِ مُثبَتةٌ على أُصولِ المُعْتَزِلةِ؛ لأنَّ أبا الحَسَنِ كانَ مُعْتَزِليًّا) [805] ((الانتصار في الرد على المُعْتَزِلة القدرية الأشرار)) (2/ 637، 647). .
وقالَ أيضًا: (اخْتَلَفَ النَّاسُ في الإيمانِ الشَّرْعيِّ على ثَلاثةِ مَذاهِبَ:
فذَهَبَ الأَشْعَريَّةُ: إلى أنَّ الإيمانَ الشَّرْعيَّ هو التَّصْديقُ بالقَلْبِ لا غَيْرُ.
وذَهَبَ المُرْجِئةُ: إلى أنَّ الإيمانَ هو الإقْرارُ باللِّسانِ بالشَّهادتَينِ، وإن لم يَعرِفْ بقَلْبِه مِن غَيْرِ عَمَلٍ. وقيلَ: إنَّ المُرْجِئةَ يَقولونَ: الإيمانُ هو القَوْلُ باللِّسانِ، والتَّصْديقُ بالقَلْبِ مِن غَيْرِ عَمَلٍ، وقالَتِ الجَهْميَّةُ: الإيمانُ: التَّصْديقُ بالقَلْبِ لا غَيْرُ.
وذَهَبَ أهْلُ الحَديثِ وجَماهيرُ العُلَماءِ إلى أنَّ الإيمانَ: هو التَّصْديقُ بالقَلْبِ، والإقْرارُ باللِّسانِ بالشَّهادتَينِ، والأعْمالُ بالجَوارِحِ) [806] ((الانتصار في الرد على المُعْتَزِلة القدرية الأشرار)) (3/ 736). .
9- قالَ عَبْدُ القادِرِ الجَيْلانيُّ: (هذه الآياتُ والأخْبارُ تَدُلُّ على أنَّ كَلامَ اللهِ صَوْتٌ لا كصَوْتِ الآدَميِّينَ، كما أنَّ عِلمَه وقُدْرتَه وبَقيَّةَ صِفاتِه لا تُشبِهُ صِفاتِ الآدَميِّينَ، كذلك صَوْتُه. وقد نَصَّ الإمامُ أَحمَدُ رَحِمَه اللهُ على إثْباتِ الصَّوْتِ في رِوايةِ جَماعةٍ مِن الأصْحابِ رِضْوانُ اللهِ عليهم أَجْمَعينَ، خِلافَ ما قالَتِ الأَشْعَريَّةِ مِن أنَّ كَلامَ اللهِ مَعْنى قائِمٌ بنفْسِه، واللهُ حَسيبُ كلِّ مُبْتَدِعٍ ضالٍّ مُضِلٍّ!) [807] ((الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل)) (1/131). .
10- قالَ ابنُ قُدامةَ المَقْدِسيُّ: (مِن السُّنَّةِ: هِجْرانُ أهْلِ البِدَعِ ومُباينتُهم، وتَرْكُ الجِدالِ والخُصوماتِ في الدِّينِ، وتَرْكُ النَّظَرِ في كُتُبِ المُبْتدِعةِ والإصْغاءِ إلى كَلامِهم، وكلُّ مُحدَثةٍ في الدِّينِ بِدْعةٌ، وكلُّ مُتَسَمٍّ بغَيْرِ الإسْلامِ والسُّنَّةِ مُبْتدِعٌ، كالرَّافِضةِ، والجَهْميَّةِ، والخَوارِجِ، والقَدَريَّةِ، والمُرْجِئةِ، والمُعْتَزِلةِ، والكَرَّاميَّةِ، والكُلَّابيَّةِ، ونَظائِرِهم، فهذه فِرَقُ الضَّلالِ، وطَوائِفُ البِدَعِ، أعاذَنا اللهُ مِنها) [808] ((لمعة الاعْتِقاد)) (ص: 40 - 42). .
وقالَ ابنُ قُدامةَ أيضًا مُبَيِّنًا مُخالَفةَ الأَشْعَرِيِّ لأهْلِ السُّنَّةِ في مَسْألةِ إثْباتِ الحَرْفِ والصَّوْتِ في كَلامِ اللهِ سُبْحانَه: (لم تَزَلْ هذه الأخْبارُ وهذه اللَّفْظةُ مُتَداوَلةً مَنْقولةً بَيْنَ النَّاسِ، لا يُنكِرُها مُنكِرٌ، ولا يَخْتلِفُ فيها أحَدٌ، إلى أن جاءَ الأَشْعَرِيُّ فأَنكَرَها، وخالَفَ الخَلْقَ كلَّهم؛ مُسْلِمَهم وكافِرَهم، ولا تَأثيرَ لقَوْلِه عنْدَ أهْلِ الحَقِّ، ولا تُتْرَكُ الحَقائِقُ وقَوْلُ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإجْماعُ الأمَّةِ لقَوْلِ الأَشْعَرِيِّ، إلَّا مَن سَلَبَه اللهُ التَّوْفيقَ، وأَعْمى بَصيرتَه، وأَضَلَّه عن سَواءِ السَّبيلِ) [809] ((المناظرة في القُرْآن)) (ص: 40). .

انظر أيضا: