موسوعة الفرق

تمهيد: مُجمَلُ منْهجِ الأشَاعرَةِ في صِفاتِ اللهِ تعَالى


مَسائِلُ الصِّفاتِ مِن أَعظَمِ المَسائِلِ الَّتي خالَفَ فيها الأشاعِرةُ أهْلَ السُّنَّةِ والجَماعةِ، ومَنهَجُهم في هذا البابِ يَنْحَصِرُ إجْمالًا في إثْباتِ بعضِ الصِّفاتِ للهِ تَعالى إثْباتًا مُقارِبًا للسَّلَفِ مِن وَجْهٍ، ومُقارِبًا مِن وَجْهٍ آخَرَ للمُعْتَزِلةِ، وأمَّا في النَّفْيِ فقدْ سَلَكوا مَسلَكَ المُعْتَزِلةِ؛ حيث يُفَصِّلونَ في نَفْيِ صِفاتِ النَّقْصِ بأنَّه غَيْرُ جِسْمٍ ولا جَوْهَرٍ ولا مُتَحَيِّزٍ ولا مُرَكَّبٍ ولا قابِلٍ للتَّجْزئةِ، ونَحْوِ ذلك مِن الألْفاظِ المُحدَثةِ الَّتي لا يَجوزُ إطْلاقُها على اللهِ سُبْحانَه [418] يُنظر: ((قواعد العَقائِد)) للغزالي (ص: 158)، ((الإشارة في علم الكَلام)) للرازي (ص: 94، 96)، ((أبكار الأفكار في أصول الدين)) للآمدي (2/ 7)، ((شرح المواقف للجرجاني مع حاشيتي السيالكوتي والفناري)) (8/ 19 - 39). .
وأَثبَتَ مُتَقَدِّمو الأشاعِرةِ كَثيرًا مِن الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ والفِعْليَّةِ؛ كالاسْتِواءِ، والوَجْهِ، واليَدَينِ، والرَّحْمةِ، والسَّخَطِ، ونَحْوِ ذلك [419] يُنظر: ((الإبانة عن أصول الدِّيانة)) لأبي الحَسَنِ الأشْعَريِّ (ص: 121 - 127)، ((رسالة إلى أهْل الثغر بباب الأبواب)) لأبي الحَسَنِ الأشْعَريِّ (ص: 127)، ((تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل)) للباقلاني (ص: 298)، ((الإرشاد إلى قواطع الادلة في أصول الاعتقاد)) للجويني (ص: 175)، ((الأسماء والصِّفات)) للبيهقي (2/ 304، 308 - 311)، ((غاية المرام في علم الكَلام)) للآمدي (ص: 135)، ((المواقف للإيجي مع شرح الجرجاني)) (3/ 152). ، وإن كانَ بَعضُهم يُثبِتُها معَ تَفْويضِ مَعانيها كما تَقدَّمَ، وليس كما يُثبِتُها السَّلَفُ الصَّالِحُ على حَقيقتِها اللَّائِقةِ باللهِ سُبْحانَه، معَ تَفْويضِ كَيْفِيَّاتِها [420] يُنظر: ((التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)) لابن عبد البر (7/ 131)، ((شرح السنة)) للبغوي (15/ 257)، ((مجموع الفَتاوى)) لابن تَيْمِيَّةَ (5/ 34)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 84)، ((طبقات الشافعية الكبرى)) للسبكي (5/ 191). ، وأمَّا الأشاعِرةُ المُتَأخِّرونَ فالمُعْتمَدُ عنْدَهم إثْباتُ سَبْعِ صِفاتٍ سَمَّوها صِفاتِ المَعاني، وهي: العِلمُ، والقُدْرةُ، والإرادةُ، والحَياةُ، والكَلامُ، والسَّمْعُ، والبَصَرُ، وبعضُهم يُثبِتُ صِفةَ الإدْراكِ [421] يُنظر: ((التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين)) لطاهر الأسْفَرايينيِّ (ص: 163)، ((أبكار الأفكار في أصول الدين)) للآمدي (1/ 265)، ((شرح المواقف)) للجرجاني (3/ 147)، ((تقريب البعيد إلى جوهرة التوحيد)) للصفاقسي (ص: 67)، ((حاشية الدسوقي على أم البراهين)) (ص: 96 - 117)، ((حاشية الأمير على إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد)) (ص: 143)، ((حواشٍ على شرح الكبرى للسنوسي)) للحامدي (ص: 213). .
قال عبدُ القاهِرِ البَغداديُّ: (أصحابُنا مُجمِعونَ على أنَّ اللهَ تعالى حيٌّ بحياةٍ، وقادِرٌ بقُدرةٍ، وعالمٌ بعِلمٍ، ومريدٌ بإرادةٍ، وسامِعٌ بسَمعٍ لا بأذُنٍ، وباصِرٌ ببَصَرٍ هو رُؤيةٌ لا عينٌ، ومُتكَلِّمٌ بكلامٍ لا من جِنسِ الأصواتِ والحُروفِ، وأجمَعوا على أنَّ هذه الصِّفاتِ السَّبعَ أزليَّةٌ، وسمَّوها قَديمةً) [422] ((أصول الدين)) (ص: 90). .
وقال الغزاليُّ: (جملةُ الأسماءِ الحُسنى ترجِعُ إلى ذاتٍ وسَبعِ صِفاتٍ) [423] ((مجموعة رسائل الإمام الغزالي)) (ص: 126). .
وقال أيضًا: (إنَّ الصِّفاتِ السَّبعةَ التي دلَلْنا عليها ليست هي الذَّاتَ، بل هي زائدةٌ على الذَّاتِ) [424] ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: 75). .
وقال أيضًا: (الصِّفاتُ السَّبعُ التي هي الحياةُ والعِلمُ والقُدرةُ والإرادةُ والسَّمعُ والبصَرُ والكلامُ: يرجِعُ جميعُ ذلك إلى العِلمِ، ثمَّ العِلمُ يرجِعُ إلى الذَّاتِ) [425] ((المقصد الأسنى (ص: 160). .
وقال ابنُ العربيِّ: (الأسماءُ التي دلَّت عليها دلائِلُ التوحيدِ سَبعةٌ: الموجودُ، القادِرُ، العالمُ، السَّميعُ، البصيرُ، المُريدُ، الحيُّ، المُتكَلِّمُ) [426] ((الأمد الأقصى)) (ص: 175). .
وقال أيضًا: (جِهاتُ الجَلالِ والشَّرَفِ انحصَرَت في سبعِ صِفاتٍ) [427] ((الأمد الأقصى)) (ص: 1042) .
وقال السُّنوسيُّ: (يجِبُ له تعالى سبعُ صفاتٍ تُسمَّى صفاتِ المعاني...، وهي كونُه تعالى قادرًا ومريدًا وعالِمًا وحيًّا وسميعًا وبصيرًا ومُتكَلِّمًا) [428] ((حاشية الدسوقي على أم البراهين)) (ص: 96، 118). .
والأشاعِرةُ المتأخِّرونَ لا يُثبتِون هذه الصِّفاتِ السَّبعَ كما يُثبِتُها أهلُ السُّنَّةِ على حقيقتِها دونَ تأويلٍ، وكما هو اعتقادُ عوامِّ المُسلِمينَ الموافِقُ للفِطرةِ!
وقدْ قَرَّرَ الأشاعِرةُ أنَّ صِفاتِ المَعاني ليست عَيْنَ الذَّاتِ، ولا غَيْرَ الذَّاتِ [429] يُنظر: ((تقريب البعيد إلى جوهرة التوحيد)) للصفاقسي (ص: 76)، ((شرح الصاوي على جوهرة التوحيد)) (ص: 194 - 197)، ((تحفة المريد على جوهرة التوحيد)) للباجوري (ص: 140 - 142). .
قالَ طاهِرٌ الأسْفَرايِينيُّ: (لا يَجوزُ في صِفاتِ القَديمِ سُبْحانَه أن يُقالَ: إنَّها هي هو أو غَيْرُه، ولا هي هو، ولا هي غَيْرُه، ولا إنَّها مُوافِقةٌ أو مُخالِفةٌ، ولا إنَّها تُبايِنُه أو تُلازِمُه، أو تَتَّصِلُ به أو تَنْفَصِلُ عنه، أو تُشْبِهُه أو لا تُشْبِهُه، ولكنْ يَجِبُ أن يُقالَ: إنَّها صِفاتٌ له مَوْجودةٌ به، قائِمةٌ بذاتِه مُخْتَصَّةٌ به، وإنَّما قُلْنا: إنَّها لا هي هو؛ لأنَّ هذه الصِّفاتِ لو كانَتْ هي هو لم يَجُزْ أن يكونَ هو عالِمًا ولا قادِرًا ولا مَوْصوفًا بشيءٍ مِن هذه الأوْصافِ؛ لأنَّ العِلمَ لا يكونُ عالِمًا، والقُدْرةَ لا تكونُ قادِرةً، ولا مَوْصوفًا بشيءٍ مِن هذه الصِّفاتِ، وإنَّما قُلْنا: لا يُقالُ: إنَّها غَيْرُه؛ لأنَّ الغَيْرَينِ يَجوزُ وُجودُ أحَدِهما معَ عَدَمِ الآخَرِ، ولمَّا اسْتَحالَ هذا المَعْنى في الذَّاتِ والصِّفاتِ لم يَجُزْ فيه الخِلافُ المُغايِرُ، وإنَّما قُلْنا: لا هي هو، ولا هي غَيْرُه؛ لأنَّ في نَفْيِ كلِّ واحِدٍ مِنهما إثْباتَ الآخَرِ، وقدْ بَيَّنَّا اسْتِحالةَ الإثْباتِ فيه، وإنَّما قُلْنا: لا يُقالُ: إنَّها تُوافِقُه أو تُخالِفُه أو تُبايِنُه أو تُشْبِهُه؛ لأنَّ جَميعَ ذلك يَتَضَمَّنُ المُغايَرةَ، وذلك يَتَضَمَّنُ جَوازَ عَدَمِ أحَدِهما معَ وُجودِ الآخَرِ، وذلك مُحالٌ) [430] ((التبصير في الدين)) (ص: 165). .
وقالَ الصَّفَّارُ: (سائِرُ أوْصافِه ليسَتْ هي هو، ولا هو هي) [431] ((تلخيص الأدِلَّة لقواعد التوحيد)) (ص: 95). .
وقدْ أَقَرَّ الغَزاليُّ أنَّ هذه العِباراتِ لم تكنْ مَوْجودةً في عَهْدِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصْحابِه، وإن كانَ يَرى إباحتَها لِضَرورةِ كَشْفِ شُبُهاتِ المُخالِفينَ، فقالَ: (ليتَ شِعْري متى نُقِلَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو عن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم إحْضارُ أعْرابيٍّ أَسلَمَ وقَوْلُه له: الدَّليلُ على أنَّ العالَمَ حادِثٌ أنَّه لا يَخْلو عن الأعْراضِ، وما لا يَخْلو عن الحَوادِثِ حادِثٌ، وإنَّ اللهَ تَعالى عالِمٌ بعِلمٍ وقادِرٌ بقُدْرةٍ زائِدةٍ عن الذَّاتِ، لا هي هو، ولا هي غَيْرُه، إلى غَيْرِ ذلك مِن رُسومِ المُتَكلِّمينَ؟!) [432] ((مجموعة رسائل الإمام الغزالي)) (ص: 250). .
وقالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: (مَن قالَ: إنَّه ذاتٌ لا صِفةَ لها أو مَوْجودٌ مُطلَقٌ لا يَتَّصِفُ بصِفةٍ ثُبوتيَّةٍ، فهذا يَمتَنِعُ تَحَقُّقُه في الخارِجِ، وإنَّما يُمكِنُ تَقْديرُ هذا في الذِّهْنِ كما تُقَدَّرُ المُمْتنِعاتُ فَضْلًا عن أن يكونَ رَبًّا خالِقًا للمَخْلوقاتِ. وهؤلاء أَلْجَأَهم إلى هذه الأمورِ مُضايَقاتُ الجَهْميَّةِ والمُعْتَزِلةِ لهم في مَسائِلِ الصِّفاتِ، فإنَّهم صاروا يَقولونَ لهم: كَلامُ اللهِ هو اللهُ أو غَيْرُ اللهِ؟ إن قُلْتُم: هو غَيْرُه فما كانَ غَيْرَ اللهِ فهو مَخْلوقٍ، وإن قُلْتُم: هو هو فهو مُكابَرةٌ! وهذا أوَّلُ ما احْتَجُّوا به على الإمامِ أَحْمَدَ في المِحْنةِ، فإنَّ المُعتَصِمَ لمَّا قالَ لهم: ناظِروه، قالَ له عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ إسْحاقَ: يا أبا عَبْدَ اللهِ ما تَقولُ في القُرْآنِ -أو قالَ: في كَلامِ اللهِ- يَعْني أهو اللهُ أو غَيْرُه؟ فقالَ له أَحْمَدُ: ما تَقولُ في عِلمِ اللهِ أهو اللهُ أو غَيْرُه؟! فعارَضَه أَحْمَدُ بالعِلمِ، فسَكَتَ عَبْدُ الرَّحْمنِ... وقدْ تَكلَّمَ الإمامُ أَحْمَدُ في رَدِّه على الجَهْميَّةِ في جَوابِ هذا، وبَيَّنَ أنَّ لَفْظَ الغَيْرِ لم يَنطِقْ به الشَّرْعُ لا نَفْيًا ولا إثْباتًا، وحينَئذٍ فلا يَلزَمُ أن يكونَ داخِلًا لَفْظُ الغَيْرِ في كَلامِ الشَّارِعِ ولا غَيْرَ داخِلٍ، فلا يَقومُ دَليلٌ شَرْعيٌّ على أنَّه مَخْلوقٌ. وأيضًا فهو لَفْظٌ مُجمَلٌ يُرادُ بالغَيْرِ ما هو مُنفَصِلٌ عن الشَّيءِ، ويُرادُ بالغَيْرِ ما ليس هو الشَّيءَ؛ فلِهذا لا يُطلَقُ القَوْلُ بأنَّ كَلامَ اللهِ وعِلمَ اللهِ ونَحْوَ ذلك هو هو؛ لأنَّ هذا باطِلٌ، ولا يُطلَقُ أنَّه غَيْرُه؛ لِئَلَّا يُفهَمَ أنَّه بائِنٌ عنه مُنفَصِلٌ عنه، وهذا الَّذي ذَكَرَه الإمامُ أَحْمَدُ عليه الحُذَّاقُ مِن أئِمَّةِ السُّنَّةِ، فهؤلاء لا يُطلِقونَ أنَّه هو، ولا يُطلِقونَ أنَّه غَيْرُه، ولا يَقولونَ: ليس هو هو، ولا غَيْرُه، فإنَّ هذا أيضًا إثْباتُ قِسْمٍ ثالِثٍ، وهو خَطَأٌ، ففَرْقٌ بَيْنَ تَرْكِ إطْلاقِ اللَّفْظَينِ لِما في ذلك مِن الإجْمالِ، وبَيْنَ نَفْيِ مُسمَّى اللَّفْظَينِ مُطلَقًا وإثْباتِ مَعنًى ثالِثٍ خارِجٍ عن مُسمَّى اللَّفْظَينِ، فجاءَ بَعْدَ هؤلاء أبو الحَسَنِ وكانَ أَحذَقَ ممَّن بَعْدَه فقالَ: نَنْفي مُفرَدًا لا مَجْموعًا، فنَقولُ مُفرَدًا: ليستِ الصِّفةُ هي المَوْصوفَ، ونَقولُ مُفرَدًا: ليستْ غَيْرَه، ولا يُجمَعُ بَيْنَهما فيقالُ: لا هي هو، ولا هي غَيْرُه؛ لأنَّ الجَمْعَ بَيْنَ النَّفْيِ فيه مِن الإيهامِ ما ليس في التَّفْريقِ. وجاءَ بَعْدَه أقْوامٌ فقالوا: بل نَنْفي مَجْموعًا فنَقولُ: لا هي هو، ولا هي غَيْرُه، ثُمَّ كَثيرٌ مِن هؤلاء إذا بَحَثوا يَقولونَ هذا المَعْنى، أمَّا أن يكونَ غَيْرَه فيَتناقَضونَ، وسَبَبُ ذلك أنَّ لَفْظَ الغَيْرِ مُجمَلٌ، يُرادُ بالغَيْرِ: المُبايِنُ المُنفصِلُ، ويُرادُ بالغَيْرِ: ما ليس هو عَيْنَ الشَّيءِ، وقدْ يُعبَّرُ عن الأوَّلِ بأنَّ الغَيْرَينِ ما جازَ وُجودُ أحَدِهما وعَدَمُه، أو ما جازَ مُفارَقةُ أحَدِهما الآخَرَ بزَمانٍ أو مَكانٍ أو وُجودٍ، ويُعبَّرُ عن الثَّاني بأنَّه ما جازَ العِلمُ بأحَدِهما معَ عَدَمِ العِلمِ بالآخَرِ، وبَيْنَ هذا وهذا فَرْقٌ ظاهِرٌ، فصِفاتُ الرَّبِّ اللَّازِمةُ له لا تُفارِقُه البَتَّةَ، فلا تكونُ غَيْرًا بالمَعْنى الأوَّلِ، ويَجوزُ أن تُعلَمَ بعضُ الصِّفاتِ دونَ بعضٍ، وتُعلَمَ الذَّاتُ دونَ الصِّفةِ، فتكونَ غَيْرًا باعْتِبارِ الثَّاني؛ ولِهذا أَطلَقَ كَثيرٌ مِن مُثْبِتةِ الصِّفاتِ عليها أغْيارًا للذَّاتِ، ومِنهم مَن قالَ: نَقولُ: إنَّها غَيْرُ الذَّاتِ، ولا نَقولُ: إنَّها غَيْرُ اللهِ؛ فإنَّ لَفْظَ الذَّاتِ لا يَتَضَمَّنُ الصِّفاتِ بخِلافِ اسْمِ اللهِ فإنَّه يَتَناوَلُ الصِّفاتِ؛ ولِهذا كانَ الصَّوابُ -على قَوْلِ أهْلِ السُّنَّةِ- ألَّا يُقالَ في الصِّفاتِ: إنَّها زائِدةٌ على مُسمَّى اسمِ اللهِ، بلْ مَن قالَ ذلك فقدْ غَلِطَ عليهم، وإذا قيلَ: هلْ هي زائِدةٌ على الذَّاتِ أم لا؟ كانَ الجَوابُ: إنَّ الذَّاتَ المَوْجودةَ في نَفْسِ الأمْرِ مُسْتَلْزِمةٌ للصِّفاتِ، فلا يُمكِنُ وُجودُ الذَّاتِ مُجَرَّدةً عن الصِّفاتِ، بلْ ولا يوجَدُ شيءٌ مِن الذَّواتِ مُجَرَّدًا عن جَميعِ الصِّفاتِ، بل لَفْظُ الذَّاتِ تَأنيثُ ذو، ولَفْظُ ذو مُسْتَلْزِمٌ للإضافةِ، وهذا اللَّفْظُ مُوَلَّدٌ، وأصْلُه أن يُقالَ: ذاتُ عِلمٍ، ذاتُ قُدْرةٍ، ذاتُ سَمْعٍ، كما قالَ تَعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال: 1] ، ويُقالُ: فُلانةٌ ذاتُ مالٍ، ذاتُ جَمالٍ، ثُمَّ لمَّا عَلِموا أنَّ نَفْسَ الرَّبِّ ذاتُ عِلمٍ وقُدْرةٍ وسَمْعٍ وبَصَرٍ -رَدًّا على مَن نَفى صِفاتِها- عَرَّفوا لَفْظَ الذَّاتِ، وصارَ التَّعْريفُ يَقومُ مَقامَ الإضافةِ، فحيثُ قيلَ: لَفْظُ الذَّاتِ، فهو ذاتُ كَذا، فالذَّاتُ لا تكونُ إلَّا ذاتَ عِلمٍ وقُدْرةٍ ونَحْوِ ذلك مِن الصِّفاتِ لَفْظًا ومَعنًى، وإنَّما يُريدُ مُحَقِّقو أهْلِ السُّنَّةِ بقَوْلِهم: الصِّفاتُ زائِدةٌ على الذَّاتِ أنَّها زائِدةٌ على ما أَثبَتَه نُفاةُ الصِّفاتِ مِن الذَّاتِ، فإنَّهم أَثبَتوا ذاتًا مُجَرَّدةً لا صِفاتٍ لها! فأَثبَتَ أهْلُ السُّنَّةِ الصِّفاتِ زائِدةً على ما أَثبَتَه هؤلاء، فهي زِيادةٌ في العِلمِ والاعْتِقادِ والخَبَرِ، لا زِيادةٌ على نَفْسِ اللهِ جَلَّ جُلالُه وتَقَدَّسَتْ أسْماؤُه، بلْ نَفْسُه المُقدَّسةُ مُتَّصِفةٌ بِهذه الصِّفاتِ، لا يُمكِنُ أن تُفارِقَها، فلا توجَدُ الصِّفاتُ بدونِ الذَّاتِ، ولا الذَّاتُ بدونِ الصِّفاتِ، والمَقْصودُ أنَّ الأشْعَريَّ وغَيْرَه مِن الصِّفاتيَّةِ -الَّذين سَلَكوا مَسلَكَ ابنِ كُلَّابٍ- إذا قالَ أحَدُهم في الصِّفاتِ: إنَّها مُتَماثِلةٌ، فإنَّ هذا لا يَقولُه عاقِلٌ؛ إذِ المِثلانِ ما سَدَّ أحَدُهما مَسَدَّ الآخَرِ، وقامَ مَقامَه، والعِلمُ ليس مِثْلًا للقُدْرةِ، ولا القُدْرةُ مِثْلًا للإرادةِ، وأمَّا الكَلامُ فإنَّه عنْدَه شيءٌ واحِدٌ، والواحِدُ يَمتَنِعُ فيه تَفاضُلٌ أو تَماثُلٌ) [433] ((مجموع الفَتاوى)) (17/ 158 - 162) باختِصارٍ. .
وقالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ أيضًا: (التَّحْقيقُ أنَّ الذَّاتَ المَوْصوفةَ لا تَنفَكُّ عن الصِّفاتِ أصْلًا، ولا يُمكِنُ وُجودُ ذاتٍ خالِيةٍ عن الصِّفاتِ...، الجَهْميَّةُ المُعْتَزِلةُ وغَيْرُهم لمَّا أَثبَتوا ذاتًا مُجَرَّدةً عن الصِّفاتِ صارَ مُناظِرُهم يَقولُ: أنا أُثبِتُ الصِّفاتِ زائِدةً على ما أَثْبَتُّموه مِن الذَّاتِ، أي: لا أَقتَصِرُ على مُجَرَّدِ إثْباتِ ذاتٍ بلا صِفاتٍ، ولم يَعْنِ بذلك أنَّه في الخارِجِ ذاتٌ ثابِتةٌ بنَفْسِها، ولا معَ ذلك صِفاتٌ هي زائِدةٌ على هذه الذَّاتِ مُتَمَيِّزةٌ عن الذَّاتِ؛ ولِهذا كانَ مِن النَّاسِ مَن يَقولُ: الصِّفاتُ غَيْرُ الذَّاتِ كما يَقولُه المُعْتَزِلةُ والكَرَّاميَّةُ، ثُمَّ المُعْتَزِلةُ تَنْفيها، والكَرَّاميَّةُ تُثبِتُها، ومِنهم مَن يَقولُ: الصِّفةُ لا هي المَوْصوفُ ولا هي غَيْرُه، كما يَقولُه طَوائِفُ مِن الصِّفاتيَّةِ كأبي الحَسَنِ الأشْعَريِّ وغَيْرِه، ومِنهم مَن يَقولُ كما قالَتِ الأئِمَّةُ: لا نَقولُ: الصِّفةُ هي المَوْصوفُ، ولا نَقولُ: هي غَيْرُه؛ لأنَّا لا نَقولُ: لا هي هو، ولا هي غَيْرُه، فإنَّ لَفْظَ الغَيْرِ فيه إجْمالٌ قد يُرادُ به المُبايِنُ للشَّيءِ أو ما قارَنَ أحَدُهما الآخَرَ وما قارَبَه بوُجودٍ أو زَمانٍ أو مَكانٍ، ويُرادُ بالغَيْرِ: أنَّ ما جازَ العِلمُ بأحَدِهما معَ عَدَمِ العِلمِ بالآخَرِ، وعلى الأوَّلِ فليسَتِ الصِّفةُ غَيْرَ المَوْصوفِ ولا بعضُ الجُمْلةِ غَيْرَها، وعلى الثَّاني فالصِّفةُ غَيْرُ المَوْصوفِ، وبعضُ الجُمْلةِ غَيْرُها، فامْتَنَعَ السَّلَفُ والأئِمَّةُ مِن إطْلاقِ لَفْظِ الغَيْرِ على الصِّفةِ نَفْيًا أو إثْباتًا؛ لِما في ذلك مِن الإجْمالِ والتَّلْبيسِ؛ حيثُ صارَ الجَهْميُّ يَقولُ: القُرْآنُ هو اللهُ أو غَيْرُ اللهِ؟! فتارةً يُعارِضونَه بعِلمِه فيَقولونَ: عِلمُ اللهِ هو اللهُ أو غَيْرُه؟ إن كانَ ممَّن يُثبِتُ العِلمَ أو لا يُمكِنُه نَفْيُه، وتارةً يَحُلُّونَ الشُّبْهةَ ويُثبِتونَ خَطَأَ الإطْلاقَينِ: النَّفْيِ والإثْباتِ لِما فيه مِن التَّلْبيسِ، بلْ يُسْتَفْصَلُ السَّائِلُ فيُقالُ له: إن أرَدْتَ بالغَيْرِ ما يُبايِنُ المَوْصوفَ فالصِّفةُ لا تُبايِنُه، فليسَتْ غَيْرَه، وإن أرَدْتَ بالغَيْرِ ما يُمكِنُ فَهْمُ المَوْصوفِ على سَبيلِ الإجْمالِ، وإن لم يكُنْ هو، فهو غَيْرٌ بِهذا الاعْتِبارِ، واللهُ تَعالى أَعلَمُ) [434] ((مجموع الفَتاوى)) (3/ 336). .
وقدْ ذَهَبَ الأشاعِرةُ إلى نَفْيِ الأفْعالِ الاخْتِياريَّةِ القائِمةِ بذاتِ الرَّبِّ؛ كالاسْتِواءِ، والمَجيءِ، والكَلامِ، والغَضَبِ، والرِّضا، وجَعَلوا الإرادةَ واحِدةً قَديمةً، وإنَّما يَتَجدَّدُ تَعَلُّقُها بالمُرادِ، وقالوا: كَلامُه كَلامٌ نَفْسيٌّ قَديمٌ، وليس بصَوْتٍ وحَرْفٍ، ولا يَتَكلَّمُ متى شاءَ، وزَعَموا أنَّهم يُنَزِّهونَ اللهَ عن حُلولِ الحَوادِثِ!
ونَفْيُ أفْعالِ اللهِ الاخْتِياريةِ أمْرٌ مُحدَثٌ مُخالِفٌ لأدِلَّةِ الشَّرْعِ والعَقْلِ، فاللهُ فَعَّالٌ لِما يُريدُ، ويَتَكلَّمُ متى شاءَ، وما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يَشَأْ لم يكُنْ، قالَ اللهُ سُبْحانَه: يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ [الرحمن: 29 - 31].
وهذه بعضُ النُّقولِ مِن كُتُبِ الأشاعِرةِ في هذه المَسْألةِ:
1- قالَ طاهِرٌ الأسْفَرايِينيُّ: (الحَوادِثُ لا يَجوزُ حُلولُها في ذاتِه وصِفاتِه؛ لأنَّ ما كانَ مَحَلًّا للحَوادِثِ لم يَخْلُ مِنها، وإذا لم يَخْلُ كانَ مُحدَثًا مِثلَها، ولِهذا قالَ الخَليلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: لا أَحِبُّ الْآفِلِينَ بَيَّنَ به أنَّ مَن حَلَّ به مِن المَعاني ما يُغَيِّرُه مِن حالٍ إلى حالٍ كانَ مُحدَثًا، لا يَصِحُّ أن يكونَ إلَهًا) [435] ((التبصير في الدين)) (ص: 160). .
2- قالَ الغَزاليُّ: (العِلمُ بكَوْنِه حَيًّا عالِمًا قادِرًا مُريدًا سَميعًا بَصيرًا مُتَكلِّمًا مُنَزَّهًا عن حُلولِ الحَوادِثِ، وأنَّه قَديمُ الكَلامِ والعِلمِ والإرادةِ) [436] ((قواعد العَقائِد)) (ص: 145). .
وقالَ أيضًا: (اعْلَمْ أنَّ الكَلامَ القائِمَ بنَفْسِه قَديمٌ، وكذا جَميعُ صِفاتِه؛ إذ يَسْتَحيلُ أن يكونَ مَحَلًّا للحَوادِثِ داخِلًا تحتَ التَّغَيُّرِ، بل يَجِبُ للصِّفاتِ مِن نُعوتِ القِدَمِ ما يَجِبُ للذَّاتِ، فلا تَعْتَريه التَّغيُّراتُ، ولا تَحُلُّه الحادِثاتُ، بل لم يَزَلْ في قِدَمِه مَوْصوفًا بمَحامِدِ الصِّفاتِ، ولا يَزالُ في أبَدِه كذلك مُنَزَّهًا عن تَغَيُّرِ الحالاتِ؛ لأنَّ ما كانَ مَحَلَّ الحَوادِثِ لا يَخْلو عنها، وما لا يَخْلو عن الحَوادِثِ فهو حادِثٌ، وإنَّما ثَبَتَ نَعْتُ الحُدوثِ للأجْسامِ مِن حيثُ تَعَرُّضُها للتَّغَيُّرِ، وتَقَلُّبِ الأوْصافِ، فكيف يكونُ خالِقُها مُشارِكًا لها في قَبولِ التَّغَيُّرِ؟) [437] ((قواعد العَقائِد)) (ص: 185). .
3- قالَ الرَّازِيُّ: (يَسْتَحيلُ قِيامُ الحَوادِثِ بذاتِ اللهِ تَعالى خِلافًا للكَرَّاميَّةِ، والدَّليلُ عليه أنَّ كلَّ ما كانَ قابِلًا للحَوادِثِ فإنَّه يَسْتَحيلُ خُلُوُّه عن الحَوادِثِ، وكلُّ ما كانَ يَمْتَنِعُ خُلُوُّه عن الحَوادِثِ فهو حادِثٌ، يَنتِجُ أنَّ كلَّ ما كانَ قابِلًا للحَوادِثِ فإنَّه يكونُ حادِثًا، وعنْدَ هذا نَقولُ: الأجْسامُ قابِلةٌ للحَوادِثِ، فيَجِبُ كَوْنُها حادِثةً، ونَقولُ أيضًا: إنَّ اللهَ تَعالى يَمْتَنِعُ أن يكونَ حادِثًا، فوَجَبَ أن يَمْتَنِعَ كَوْنُه قابِلًا للحَوادِثِ، والحاصِلُ أنَّ الجَمْعَ بَيْنَ قَبولِ الحوادِثِ وبَيْنَ القِدَمِ مُحالٌ) [438] ((معالم أصول الدين)) (ص: 49). .
وقالَ أيضًا: (مَذهَبُ أهْلِ الحَقِّ أنَّ كَلامَ اللهِ تَعالى لا أوَّلَ لوُجودِه، وهو ليس بحَرْفٍ ولا صَوْتٍ، بل هي دَلالاتٌ عليه) [439] ((الإشارة في علم الكَلام)) (ص: 205). .
4- قالَ الآمِدِيُّ: (بَيانُ امْتِناعِ حُلولِ الحَوادِثِ بذاتِ الرَّبِّ تَعالى...، اتَّفَقَ العُقَلاءُ مِن أرْبابِ المِلَلِ وغَيْرِهم على اسْتِحالةِ قِيامِ الحَوادِثِ بذاتِ الرَّبِّ تَعالى غَيْرَ المَجوسِ والكَرَّاميَّةِ؛ فإنَّهم اتَّفَقوا على جَوازِ قِيامِ الحَوادِثِ بذاتِ الرَّبِّ تَعالى) [440] ((أبكار الأفكار في أصول الدين)) (2/ 20). .
وكَلامُ الآمِدِيِّ هذا أخَذَه تَقْليدًا مِن كَلامِ أبي المَعالي الجُوَيْنيِّ بلا تَحْقيقٍ؛ حيثُ قالَ الجُوَيْنيُّ: (اتَّفَقَ أهْلُ الحَقِّ على اسْتِحالةِ قِيامِ الحَوادِثِ بذاتِ القَديمِ سُبْحانَه وتَعالى، ولم يَصِرْ أحَدٌ مِن أهْلِ المِلَلِ والنِّحَلِ -بَعْدَ المَجوسِ- إلى تَجْويزِ قِيامِ الحَوادِثِ بالقَديمِ إلَّا الكَرَّاميَّةُ) [441] ((الشامل في أصول الدين)) (ص: 529). ويُنظر: ((لمع الأدِلَّة في قواعد عَقائِد أهْل السُّنَّة والجَماعة)) للجويني (ص: 109). .
وقدْ ساقَ ابنُ تَيْمِيَّةَ كَلامَ الآمِدِيَّ ورَدَّ عليه، وبَيَّنَ خَطَأَه فيه، فقالَ: (مَورِدُ النِّزاعِ أنَّه هل يَقومُ به ما يَتَعلَّقُ بمَشيئتِه وقُدْرتِه إمَّا مِن بابِ الأفْعالِ كالاسْتِواءِ إلى غَيْرِه والاسْتِواءِ عليه، والإتْيانِ والمَجيءِ والنُّزولِ ونَحْوِ ذلك، وإمَّا مِن بابِ الأقْوالِ والكَلِماتِ، وإمَّا مِن بابِ الأحْوالِ كالفَرَحِ والغَضَبِ والإراداتِ والرِّضا والضَّحِكِ ونَحْوِ ذلك، وإمَّا مِن بابِ العُلومِ والإدْراكاتِ كالسَّمْعِ والبَصَرِ والعِلمِ بالمَوْجودِ بَعْدَ العِلمِ بأنَّه سيوجَدُ، وإذا كانَ كذلك فقَوْلُه: إنَّ العُقَلاءَ مِن أرْبابِ المِلَلِ وغَيْرِهم مُتَّفِقونَ على اسْتِحالةِ ذلك غَيْرَ أنَّ الكَرَّاميَّةَ إلى آخِرِه، ليس بنَقْلٍ مُطابِقٍ، أمَّا أهْلُ المِلَلِ فلا يُضافُ إليهم مِن حيثُ هُمْ أرْبابُ مِلَّةٍ إلَّا ما ثَبَتَ عن صاحِبِ المِلَّةِ صَلَواتُ اللهِ عليه وسَلامُه، أو ما أَجمَعَ عليه أهْلُ العِلمِ، وأمَّا ما قالَه بعضُ أهْلِ المِلَّةِ برَأيِه أو اسْتِنْباطِه، معَ مُنازَعةِ غَيْرِه له فلا يَجوزُ إضافتُه إلى المِلَّةِ، ومِن المَعْلومِ أنَّه لا يُمكِنُ أحَدًا أن يَنقُلَ عن مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا عن إخْوانِه المُرْسَلينَ كموسى وعيسى صَلَواتُ اللهِ عليهما، ما يَدُلُّ على قَوْلِ النُّفاةِ لا نَصًّا ولا ظاهِرًا، بلِ الكُتُبُ الإلَهيَّةُ المُتَواتِرةُ عنهم والأحاديثُ المُتَواتِرةُ عنهم تَدُلُّ على نَقيضِ قَوْلِ النُّفاةِ، وتُوافِقُ قَوْلَ أهْلِ الإثْباتِ، وكذلك أصْحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والتَّابِعونَ لهم بإحْسانٍ، وأئِمَّةُ المُسلِمينَ أرْبابُ المَذاهِبِ المَشْهورةِ، وشُيوخُ المُسلِمينَ المُتَقدِّمينَ، لا يُمكِنُ أحَدًا أن يَنقُلَ نَقْلًا صَحيحًا عن أحَدٍ مِنهم بما يُوافِقُ قَوْلَ النُّفاةِ، بلِ المَنْقولُ المُسْتَفيضُ عنهم يُوافِقُ قَوْلَ أهْلِ الإثْباتِ، فنَقْلُ مِثلِ هذا عن أهْلِ المِلَّةِ خَطَأٌ ظاهِرٌ، ولكنَّ أهْلَ الكَلامِ والنَّظَرِ مِن أهْلِ المِلَّةِ تَنازَعوا في هذا الأصْلِ لمَّا حَدَثَ في أهْلِ المِلَّةِ مَذهَبُ الجَهْميَّةِ نُفاةِ الصِّفاتِ، وذلك بَعْدَ المِئةِ الأُولى في أواخِرِ عَصْرِ التَّابِعينَ، ولم يكُنْ قَبْلَ هذا يُعرَفُ في أهْلِ المِلَّةِ مَن يَقولُ بنَفْيِ الصِّفاتِ، ولا بنَفْيِ الأمورِ الاخْتِياريَّةِ القائِمةِ بذاتِه، فلمَّا حَدَثَ هذا القَوْلُ، وقالَتْ به المُعْتَزِلةُ، وقالوا: لا تَحُلُّ به الأعْراضُ والحَوادِثُ، وأرادوا بِذلك أنَّه لا تَقومُ به صِفةٌ كالعِلمِ والقُدْرةِ، ولا فِعلٌ كالخَلْقِ والاسْتِواءِ؛ أَنكَرَ أئِمَّةُ السَّلَفِ ذلك عليهم كما هو مُتَواتِرٌ مَعْروفٌ، وعن هذا قالَتِ المُعْتَزِلةُ: إنَّ القُرْآنَ مَخْلوقٌ؛ لأنَّه لو قامَ بذاتِه للَزِمَ أن تَقومَ به الأفْعالُ والصِّفاتُ، وأَطبَقَ السَّلَفُ والأئِمَّةُ على إنْكارِ هذا عليهم، وكلُّ مَن خالَفَهم قَبْلَ ابنِ كُلَّابٍ كانَ يَقولُ بقِيامِ الصِّفاتِ والأقْوالِ والأفْعالِ المُتَعلِّقةِ بمَشيئتِه وقُدْرتِه به، لكنِ ابنُ كُلَّابٍ ومُتَّبِعوه فَرَّقوا بَيْنَ ما يَلزَمُ الذَّاتَ مِن أعْيانِ الصِّفاتِ كالحَياةِ والعِلمِ، وبَيْنَ ما يَتَعلَّقُ بالمَشيئةِ والقُدْرةِ، فقالوا: هذا لا يَقومُ بذاتِه؛ لأنَّ ذلك يَسْتَلْزِمُ تَعاقُبَ الحَوادِثِ عليه، وابنُ كَرَّامٍ كانَ مُتَأخِّرًا بَعْدَ مِحْنةِ الإمامِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وتُوفِّيَ ابنُ كَرَّامٍ في حُدودِ سِتِّينَ ومِئتينِ، فكانَ بَعْدَ ابنِ كُلَّابٍ بمُدَّةٍ، وكانَ أَكثَرُ أهْلِ القِبْلةِ قَبْلَه على مُخالَفةِ المُعْتَزِلةِ والكُلَّابيَّةِ، حتَّى طَوائِفُ أهْلِ الكَلامِ مِن الشِّيعةِ والمُرْجِئةِ، كانوا يَقولونَ بقِيامِ الحَوادِثِ به، حتَّى صَرَّحَتْ طَوائِفُ مِنهم بالحَرَكةِ، كما صَرَّحَت بذلك طَوائِفُ مِن أئِمَّةِ الحَديثِ والسُّنَّةِ، وصَرَّحوا بأنَّه لم يَزَلْ مُتَكلِّمًا إذا شاءَ، وأنَّ الحَرَكةَ مِن لَوازِمِ الحَياةِ، وأمْثالُ ذلك، بلْ هُمْ يَقولونَ: إنَّه إنَّما ابْتَدَعَ مَن ابْتَدَعَ مِن أهْلِ الكَلامِ البِدَعَ المُخالِفةَ للنُّصوصِ وللمَعْقولِ بِهذا الأصْلِ، كقَوْلِ مَن قالَ: إنَّ الكَلامَ مَعنًى واحِدٌ قَديمٌ، وقَوْلِ مَن قالَ: إنَّ المَعْدومَ يَرى ويَسمَعُ! وقَوْلِ مَن قالَ بقِدَمِ صَوْتٍ مُعيَّنٍ، وأمَّا غَيْرُ أهْلِ المِلَلِ فالفَلاسِفةُ مُتَنازِعونَ في هذا الأصْلِ، والمَحْكيُّ عن كَثيرٍ مِن أساطينِهم القُدَماءِ أنَّه كانَ يَقولُ بِذلك، حتَّى صَرَّحَ بالحَرَكةِ مَن صَرَّحَ مِنهم) [442] ((درء تعارض العَقْل والنقل)) (4/ 23 - 25). .
وقالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ أيضًا: (إرادةُ الشَّيءِ المُعيَّنِ وفِعلُه، كقَوْلِه تَعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] ، وقَوْلِه: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس: 107] ، وقَوْلِه: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ [الزمر: 38] ، وهو سُبْحانَه إذا أرادَ شَيئًا مِن ذلك فلِلنَّاسِ فيها أقْوالٌ، قيلَ: الإرادةُ قَديمةٌ أزَليَّةٌ واحِدةٌ، وإنَّما يَتَجدَّدُ تَعَلُّقُها بالمُرادِ، ونِسْبتُها إلى الجَميعِ واحِدةٌ، ولكنْ مِن خَواصِّ الإرادةِ أنَّها تُخَصَّصُ بلا مُخَصِّصٍ، فهذا قَوْلُ ابنِ كُلَّابٍ والأشْعَريِّ ومَن تابَعَهما، وكَثيرٌ مِن العُقَلاءِ يَقولُ: إنَّ هذا فَسادُه مَعْلومٌ بالاضْطِرارِ حتَّى قالَ أبو البَرَكاتِ: ليس في العُقَلاءِ مَن قالَ بِهذا! وما عَلِمَ أنَّه قَوْلُ طائِفةٍ كَبيرةٍ مِن أهْلِ النَّظَرِ والكَلامِ...، والقُرْآنُ والسُّنَّةُ تُثبِتُ القَدَرَ وتَقْديرَ الأمورِ قَبْلَ أن يَخلُقَها، وأنَّ ذلك في كِتابٍ، وهذا أصْلٌ عَظيمٌ يُثبِتُ العِلمَ والإرادةَ لكلِّ ما سيكونُ، ويُزيلُ إشْكالاتٍ كَثيرةً ضَلَّ بسَبَبِها طَوائِفُ في هذا المَكانِ في مَسائِلِ العِلمِ والإرادةِ، فالإيمانُ بالقَدَرِ مِن أُصولِ الإيمانِ...، ومعَ هذا فطائِفةٌ مِن أهْلِ الكَلامِ وغَيْرِهم لا تُثبِتُ القَدَرَ إلَّا عِلمًا أزَليًّا وإرادةً أزليَّةً فقط!) [443] ((مجموع الفَتاوى)) (16/ 301، 306). .
وقالَ أيضًا: (الإرادةُ والمَشيئةُ فيها للصِّفاتيَّةِ ثَلاثةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها ليست إلَّا قَديمةً، وهو قَوْلُ ابنِ كُلَّابٍ والأشْعَريِّ وأتْباعِهما. الثَّاني: أنَّها ليست إلَّا حادِثةً. والثَّالِثُ: أنَّها قَديمةٌ وحادِثةٌ، وهو قَوْلُ طَوائِفَ مِن الكَرَّاميَّةِ وأهْلِ الحَديثِ والصُّوفيَّةِ وغَيْرِهم، وكذلك يَقولُ هؤلاء: إنَّه يوصَفُ بأنَّه مُتكلِّمٌ في الأزَلِ، وأنَّه يَتَكلَّمُ إذا شاءَ كما صَرَّحَ بذلك الأئِمَّةُ، كالإمامِ أَحْمَدَ وغَيْرِه...، فأمَّا إثْباتُ عِلمِه وتَقْديرِه للحَوادِثِ قَبْلَ كَوْنِها ففي القُرْآنِ والحَديثِ والآثارِ ما لا يَكادُ يُحصَرُ، بلْ كلُّ ما أَخبَرَ اللهُ به قَبْلَ كُوْنِه فقدْ عَلِمَه قَبْلَ كَوْنِه، وهو سُبْحانَه يَعلَمُ ما كانَ وما يكونُ، وما لم يكُنْ لو كانَ كيف يكونُ، وقدْ أَخبَرَ بِذلك، والنِّزاعُ في هذا معَ غُلاةِ القَدَريَّةِ ونَحْوِهم، وأمَّا المُسْتقبَلُ فمِثلُ قَوْلِه: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [البقرة: 143] ، وقَوْلِه: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 3] ، وقَوْلِه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [مُحَمَّد: 31] ) [444] ((جامع الرسائل)) (1/ 182) باختِصارٍ. .
وقالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ أيضًا: (مَسْألةُ الصِّفاتِ الاخْتِياريَّةِ هي مِن تَمامِ حَمْدِه، فمَن لم يُقِرَّ بها لم يُمكِنْه الإقْرارُ بأنَّ اللهَ مَحْمودٌ البَتَّةَ، ولا أنَّه رَبُّ العالَمينَ؛ فإنَّ الحَمْدَ ضِدُّ الذَّمِّ، والحَمْدُ هو الإخْبارُ بمَحاسِنِ المَحْمودِ معَ المَحَبَّةِ له، والذَّمُّ هو الإخْبارُ بمَساوِئِ المَذْمومِ معَ البُغْضِ له، وجِماعُ المَساوِئِ فِعلُ الشَّرِّ، كما أنَّ جِماعَ المَحاسِنِ فِعلُ الخَيْرِ، فإذا كانَ يَفعَلُ الخَيْرَ بمَشيئتِه وقُدْرتِه اسْتَحَقَّ الحَمْدَ، فمَن لم يكُنْ له فِعلٌ اخْتِياريٌّ يَقومُ به، بلْ ولا يَقدِرُ على ذلك، لا يكونُ خالِقًا ولا رَبًّا للعالَمينَ) [445] ((جامع الرسائل)) (2/ 57). .
فالمُتَكلِّمونَ عُمومًا نَفَوا الصِّفاتِ الفِعْليَّةَ عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وذلك مِثلُ الكَلامِ والنُّزولِ والاسْتِواءِ والإتْيانِ والضَّحِكِ والرِّضا والغَضَبِ، وغَيْرِ ذلك مِن الصِّفاتِ المُتَعلِّقةِ بمَشيئةِ اللهِ وإرادتِه، وأنَّه يَفعَلُها عَزَّ وجَلَّ متى شاءَ، وحُجَّتُهم في ذلك أنَّ هذا يُؤَدِّي إلى حُلولِ الحَوادِثِ بمَعْنى أنَّه فَعَلَ فِعْلًا بَعْدَ فِعْلٍ، وهذا حُدوثٌ وتَغَيُّرٌ عنْدَهم، وكلُّ مُتَغَيِّرٍ حادِثٌ، واللهُ مُنَزَّهٌ عن الحَوادِثِ، كما أنَّه مُؤَدٍّ إلى أنَّ اللهَ تَحُلُّ به الحَوادِثُ، واللهُ مُنَزَّهٌ عن ذلك، هكذا على العُمومِ زَعَموا!
والرَّدُّ عليهم يكونُ على النَّحْوِ التَّالي:
1- أنَّ دَعْوى أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لا يَفعَلُ الشَّيءَ بَعْدَ الشَّيءِ أو لا يَفعَلُ متى شاءَ وهو ما يُسَمُّونَه نَفْيَ الحَوادِثِ: دَعْوى لا دَليلَ عليها مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ، بلِ الأدِلَّةُ كلُّها على خِلافِها، وأمَّا اسْتِدْلالُ بعضِ المُتَكلِّمينَ بقِصَّةِ إبْراهيمَ الخَليلِ عليه السَّلامُ، وقَوْلُه: فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام: 76] ، فزَعَموا أنَّ الأُفولَ مَعْناه: التَّغَيُّرُ والتَّحَرُّكُ، وهو مَنْفيٌّ عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ بدَلالةِ هذه الآيةِ -فهو اسْتِدْلالٌ خاطِئٌ ظاهِرُ البُطْلانِ؛ لأنَّ الأُفولَ في اللُّغةِ الاحْتِجابُ والمَغيبُ، وليس التَّغَيُّرَ والحَرَكةَ، وإبْراهيمُ عليه السَّلامُ كانَ يُحاجُّهم في الأُلوهيَّةِ وليس في صِفاتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ولا في وُجودِه.
2- أنَّ دَعْوى المُتَكلِّمينَ نَفْيَ حُلولِ الحَوادِثِ هو عَيْنُ دَعْوى الفَلاسِفةِ في أنَّ اللهَ لا يَتَغيَّرُ ولا يَتَحرَّكُ، فأخَذَها المُتَكلِّمونَ مِنهم وسَمَّوها: نَفْيَ حُلولِ الحَوادِثِ، وهي دَعْوى باطِلةٌ شَرْعًا، كما أنَّها باطِلةٌ عَقْلًا؛ إذ لازِمُها أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ جَمادٌ أو مَيِّتٌ؛ فإنَّ الجَمادَ والمَيِّتَ هو الَّذي لا يَتَأتَّى مِنه الفِعْلُ أو الحَرَكةُ.
3- أنَّ إثْباتَ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ هو الخالِقُ والمُتَصرِّفُ في هذا الكَوْنِ يَنْفي تَمامًا هذه الدَّعْوى ويُبطِلُها؛ لأنَّ لازِمَ ذلك أنَّه يَفعَلُ ما يَشاءُ وَقْتَ ما يَشاءُ، وهذا حُدوثٌ، فمَن نَفى الأفْعالَ المُتَعلَّقةَ بالمَشيئةِ والاخْتِيارِ على اعْتِبارِ أنَّها حَوادِثُ فعليه أن يَنْفِيَ الخَلْقَ والتَّدْبيرَ، ومَن قالَ بِذلك فقدْ كَفَرَ.
4- أنَّ دَعْوى المُتَكلِّمينَ أنَّ حُدوثَ الحَوادِثِ تَغيُّرٌ، والتَّغَيُّرُ على اللهِ مُحالٌ- تَلاعُبٌ بالألْفاظِ غَيْرُ صَحيحٍ؛ لأنَّ التَّغَيُّرَ هو أن يَنْقَلِبَ حالُ الإنْسانِ مِن حالٍ إلى حالٍ، بأن يكونَ صَحيحًا فيُصبِحَ مَريضًا، أو يكونَ صالِحًا فيُصبِحَ عاصِيًا، أو يكونَ عاصِيًا فيُصبِحَ صالِحًا، هذا غالِبُ ما يُطلَقُ عليه التَّغَيُّرُ في اللُّغةِ والشَّرْعِ، أمَّا إذا كانَ الإنْسانُ مُصَلِّيًا فصلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ صلَّى الظُّهْرَ لا يُقالُ: تَغَيُّرٌ، أو كانَ مُتَكلِّمًا ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ تَكلَّمَ لا يُقالُ لِهذا: تَغَيُّرٌ، فيَثبُتُ مِن هذا أنَّ دَعْوى المُتَكلِّمينَ بأنَّ حُلولَ الحَوادِثِ تَغَيُّرٌ- كَلامٌ باطِلٌ، وتَحْميلٌ للألْفاظِ فَوْقَ ما تَحْتَمِلُ.
5- أنَّ دَعْوى نَفْيِ الحَوادِثِ دَعْوى لم تَرِدْ في الكِتابِ ولا في السُّنَّةِ، فهي مُبْتَدَعةٌ، بلْ إنَّ الكِتابَ والسُّنَّةَ على خِلافِها، ومَن يَدَّعي نَفْيَ حُلولِ الحَوادِثِ عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَنْفي عنه بذلك سائِرَ صِفاتِه الفِعليَّةِ الاخْتِياريَّةِ، مِثلُ الاسْتِواءِ والنُّزولِ والرِّضا والفَرَحِ والمَجيءِ ونَحْوِ ذلك، فكيف يَصِحُّ لمُسلِمٍ أن يَنْفيَ ما ثَبَتَ قَطْعًا في الكِتابِ والسُّنَّةِ بألْفاظٍ مُبْتَدَعةٍ؟! [446] يُنظر: ((أصول مَسائِل العَقيدة عند السَّلَف وعند المبتدعة)) للخلف (2/ 41). ويُنظر: ((جامع الرسائل)) لابن تَيْمِيَّةَ (2/ 50 - 55)، ((درء تعارض العَقْل والنقل)) لابن تَيْمِيَّةَ (4/ 71 - 78). .

انظر أيضا: