موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّالِثُ: وَسَطيَّةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ بَينَ الفِرَقِ التي تنتَسِبُ إلى الإسلامِ في الإيمانِ بالقَدَرِ


يجِبُ الإيمانُ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، كما دَلَّت على ذلك أدِلَّةُ الكتابِ والسُّنَّةِ، والواجِبُ على المُسلِمِ الإيمانُ به؛ فهو يدُلُّ على كَمالِ عِلمِ اللهِ وقُدرتِه ونفوذِ مشيئتِه في كُلِّ شَيءٍ، وفي إنكارِه نفيُ كَمالِ عِلمِ اللهِ، ونفيُ كَمالِ قُدرةِ اللهِ سُبحانَه، ويجِبُ مع الإيمانِ بالقَدَرِ تَركُ الاحتجاجِ به على فِعلِ المعاصي، وإن كان اللهُ هو المُقَدِّرَ لكُلِّ الأمورِ بمشيئتِه، وهو الخالِقُ لكُلِّ شيءٍ، ومِن ذلك أفعالُ العبادِ، ولكِنَّها لا تُسَمَّى فِعلَ اللهِ، بل هي أفعالُ العبادِ، واللهُ هو الذي أقدَرَهم على فِعْلِها، ولو شاء لَمَا فَعَلوها، كما قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا [البقرة: 253] ، وهذه المشيئةُ مشيئةٌ كونيَّةٌ عامَّةٌ، لا بُدَّ أن تَقَعَ، وقد أثبت اللهُ أنَّ مَشيئةَ العبادِ لا تكونُ إلَّا بَعدَ مشيئتِه سُبحانَه، فقال: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 27 - 29] .
وهذا المُعتَقَدُ في بابِ القَضاءِ والقَدَرِ هو الوَسَطُ بَينَ القَدَريَّةِ الذين أنكَروا إثباتَ أن يكونَ اللهُ خالِقَ أفعالِ العبادِ، وأثبتوا أنَّه يكونُ في مُلكِ اللهِ ما لا يشاءُ، وبَينَ الجَبْريَّةِ الذين أنكَروا أن يكونَ للعبادِ مَشيئةٌ وقدرةٌ على أفعالِهم، وأضافوا أفعالَهم خَيْرَها وشَرَّها للهِ سُبحانَه خَلقًا وفِعلًا.
فالقَدَريَّةُ غَلَوا في إثباتِ قُدرةِ العبدِ، وقالوا: إنَّ القُدرةَ الإلهيَّةَ والمشيئةَ الإلهيَّةَ لا علاقةَ لها في فِعلِ العبدِ، والجَبْريَّةُ غَلَوا في إثباتِ أفعالِ اللهِ وقَدَرِه، وقالوا: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يُجبرُ الإنسانَ على فِعلِه، وليس للإنسانِ أيُّ مشيئةٍ واختيارٍ على فِعلِه، وأمَّا أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ فهم وَسَطٌ بَينَ هذا الإفراطِ والتَّفريطِ، فيُثبِتون للعَبدِ مشيئةً واختيارًا، لكِنَّها لا تكونُ خارجةً عن مشيئةِ اللهِ سُبحانَه، فلو شاء اللهُ تعالى لَمَا فعَلوا، وهو الذي أعطاهم القُدرةَ على الفِعلِ والاختيارِ، كما أنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ يُفَرِّقون بَينَ إرادةِ اللهِ التي تتضَمَّنُ محبَّتَه ورِضاه والتي قد تقَعُ وقد لا تَقَعُ، وبَينَ إرادتِه ومشيئتِه الكونيَّةِ القَدَريَّةِ التي لا يَلزَمُ منها المحبَّةُ والرِّضا ويتحَتَّمُ وقوعُها [124] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) للعثيمين (2/ 67 - 69)، ((وسطية أهل السنة بين الفرق)) لمحمد باكريم (ص: 361 - 387). .

انظر أيضا: