موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: اضطِرابُ مفهومِ لا إلهَ إلَّا اللهُ


يدَّعي المُرجِئةُ أنَّ مَن قال لا إلهَ إلَّا اللهُ، فهو مُؤمِنٌ، ولو لم يعمَلْ عَملًا واحِدًا مِن أعمالِ الإسلامِ، وقد صار الإرجاءُ عَقَبةً شديدةً في وَجهِ الدَّعوةِ لتوحيدِ اللهِ والاعتِقادِ الصَّحيحِ؛ إذ التجَأ المُرجِئةُ إلى اتِّهامِ عُلَماءِ التَّوحيدِ بأنَّهم يُكفِّرونَ النَّاسَ، فكان سيفُ الإرجاءِ مِن أمضى الأسلحةِ لتحريشِ غَوغاءِ العامَّةِ على دُعاةِ التَّوحيدِ [624] يُنظر: ((الانحرافات العقدية والعلمية)) لعلي الزهراني (ص: 80-83). .
فالفِكرُ الإرجائيُّ يُطمئِنُ الغافِلينَ أنَّهم مُؤمِنونَ، ما دامت قُلوبُهم قد استقرَّ فيها الإيمانُ!
وفي العَصرِ الحاضِرِ تبنَّى بعضُ العُلَماءِ والدُّعاةِ مَذهَبَ الإرجاءِ، أو تأثَّروا به، وهو ما أدَّى إلى الاضطِرابِ والانتِكاسِ معَ أعداءِ الدَّعوةِ الإسلاميَّةِ، وصار بعضُهم يُبرِّرُ كثيرًا مِن الانحِرافاتِ التي اشتدَّت وَطأتُها في القُرونِ المُتأخِّرةِ؛ مِن انتِشارِ مظاهِرِ الشِّركِ، وتحكيمِ غَيرِ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ، ومُوالاةِ الكافِرينَ، والتَّساهُلِ في أداءِ الواجِباتِ، والتَّجرُّؤِ على المعاصي [625] يُنظر: ((بدع الاعتقاد وأخطارها على المجتمعات الإسلامية)) لمحمد الناصر (ص: 49-53). .
وانحسَر مفهومُ العِبادةِ عندَ كثيرٍ مِن النَّاسِ، وأصبَح بعضُ المُرجِئةِ في عَصرِنا الحاضِرِ يُجاهِرونَ بإنكارِ دُخولِ الأعمالِ في العِبادةِ، فقالوا: الدُّعاءُ والاستِغاثةُ بالمخلوقينَ لا علاقةَ لها بالشِّركِ، ولا يُسمَّى فاعِلُها لغَيرِ اللهِ مُشرِكًا ما دام أنَّه يقولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويعتقِدُ بقلبِه صِدقَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما جاء به!
وحصَروا الشِّركَ في اعتِقادِ القلبِ بأنَّ هذا المخلوقَ إلهٌ أو ربٌّ معبودٌ، أمَّا إذا عمِل أعمالَ الكُفرِ أو الشِّركِ مِن دونِ اللهِ معَ اعتِقادِه أنَّ ذلك لا يُخرِجُه مِن المِلَّةِ، فليس بكافِرٍ.
وقد وصَل بالمُرجِئةِ التَّمادي إلى إخراجِ شعائِرِ التَّقرُّبِ والتَّنسُّكِ -كالنَّذرِ والتَّوسُّلِ والذَّبحِ والتَّعظيمِ- مِن مُسمَّى العبادةِ، بل صرَّح بعضُ المُرجِئةِ بأنَّ السُّجودَ للصَّنمِ ليس بكُفرٍ لذاتِه.

انظر أيضا: