موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: حُكمُ مُرتكِبِ الكبيرةِ عندَ الجَهْميَّةِ


ذهبَت الجَهْميَّةُ إلى أنَّ مُرتكِبَ الكبيرةِ مُؤمِنٌ كامِلُ الإيمانِ، وأنَّه لا يَكفُرُ بكبيرتِه ولا يرتَدُّ، وأنَّه يجتمِعُ فيه الثَّوابُ والعِقابُ، والحَمدُ والذَّمُّ، وأنَّ مِن أهلِ الكبائِرِ مَن يدخُلُ النَّارَ، ولا يُخَلَّدُ فيها، وأنَّ نِزاعَهم فيه في الاسمِ لا في الحُكمِ [542] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/671)، ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص: 198) كلاهما لابن تيمية، ((آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية)) لعبدِ اللهِ السند (ص: 507). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (كُلُّ أهلِ السُّنَّةِ مُتَّفِقونَ على أنَّه -يعني مُرتكِبَ الكبيرةِ- قد سُلِب كمالَ الإيمانِ الواجِبِ، فزال بعضُ إيمانِه الواجِبِ، لكنَّه مِن أهلِ الوعيدِ، وإنَّما يُنازِعونَ في ذلك مَن يقولُ: الإيمانُ لا يتبعَّضُ، مِن الجَهْميَّةِ والمُرجِئةِ، فيقولونَ: إنَّه كامِلُ الإيمانِ) [543] ((مجموع الفتاوى)) (7/258). .
وقال أيضًا: (النَّاسُ في الفاسِقِ مِن أهلِ الملَّةِ -مِثلُ: الزَّاني، والسَّارِقِ، والشَّارِبِ، ونَحوِهم- ثلاثةُ أقسامٍ: طَرفَانِ، ووَسَطٌ) [544] ((مجموع الفتاوى)) (7/.67). ، وذكَر الطَّرفَ الأوَّلَ، وهُم الخوارِجُ والمُعتزِلةُ ومقالتُهم في مُرتكِبِ الكبيرةِ، ثُمَّ قال: (الطَّرفُ الثَّاني: قولُ مَن يقولُ: إيمانُهم باقٍ كما كان لم ينقُصْ؛ بناءً على أنَّ الإيمانَ هو مُجرَّدُ التَّصديقِ والاعتِقادِ الجازِمِ، وهو لم يتغيَّرْ، وإنَّما نقصَت شرائِعُ الإسلامِ، وهذا قولُ المُرجِئةِ والجَهْميَّةِ ومَن سلَك سَبيلَهم، وهو أيضًا قولٌ مُخالِفٌ للكتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ السَّابِقينَ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ) [545] ((مجموع الفتاوى)) (7/671). .
وقال أيضًا: (قالت المُرجِئةُ؛ مُقتصِدتُهم وغُلاتُهم، كالجَهْمِيَّةِ: قد علِمْنا أنَّ أهلَ الذُّنوبِ مِن أهلِ القِبلةِ لا يُخَلَّدونَ في النَّارِ، بل يَخرُجونَ منها، كما تواتَرَت بذلك الأحاديثُ) [546] ((مجموع الفتاوى)) (13/48). .
وقال أيضًا: (أمَّا الجَهْميَّةُ والمُرجِئةُ فنازَعوا في الاسمِ لا في الحُكمِ، فقالوا: يجوزُ أن يكونَ مُثابًا مُعاقَبًا، محمودًا مذمومًا، لكن لا يجوزُ أن يكونَ معَه بعضُ الإيمانِ دونَ بعضٍ) [547]  ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص: 198). .
وقال أيضًا: (كثيرٌ مِن المُرجِئةِ والجَهْميَّةِ مَن يقِفُ في الوعيدِ، فلا يجزِمُ بنُفوذِ الوعيدِ في حقِّ أحدٍ مِن أربابِ الكبائِرِ، كما قال ذلك مَن قاله مِن مُرجِئةِ الشِّيعةِ والأشعَريَّةِ، كالقاضي أبي بكرٍ وغَيرِه، ويُذكَرُ عن غُلاتِهم أنَّهم نفَوا الوعيدَ بالكُلِّيَّةِ، لكن لا أعلَمُ مُعيَّنًا معروفًا أذكُرُ عنه هذا القولَ، ولكن حُكِي هذا عن مُقاتِلِ بنِ سُلَيمانَ، والأشبَهُ أنَّه كَذِبٌ عليه) [548] ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص: 198). .
وهذا الوَصفُ (غُلاةُ المُرجِئةِ) يُطلِقُه ابنُ تيميَّةَ على الجَهْميَّةِ، وعلى الواقِفةِ الذين يتوقَّفونَ في نُفوذِ الوعيدِ، وعلى الذين يجزِمونَ بالنَّفيِ العامِّ؛ حيث قال: (قولُ غُلاةِ المُرجِئةِ الذين يقولونَ: ما نعلَمُ أنَّ أحدًا منهم يدخُلُ النَّارَ، بل نقِفُ في هذا كُلِّه، وحُكِي عن بعضِ غُلاةِ المُرجِئةِ الجزمُ بالنَّفيِ العامِّ) [549] ((مجموع الفتاوى)) (7/297). .
وقال عنهم الأشعَريُّ ولم يُسمِّهم: (وزعَمَت الفِرقةُ الخامِسةُ مِن المُرجِئةِ أنَّه ليس في أهلِ الصَّلاةِ وعيدٌ، إنَّما الوعيدُ في المُشرِكينَ...، وزعَم هؤلاء أنَّه كما لا ينفَعُ معَ الشِّركِ عَملٌ، كذلك لا يضُرُّ معَ الإيمانِ عَملٌ، ولا يدخُلُ النَّارَ أحدٌ مِن أهلِ القِبلةِ) [550] ((مقالات الإسلاميين)) (1/124). .

انظر أيضا: