موسوعة الفرق

تمهيدٌ: الاتِّفاقُ والاختلافُ بينَ المرجئَةِ وأهلِ السُّنَّةِ في مرتكبِ الكبيرةِ


المُرجِئةُ مُتَّفِقونَ في الجُملةِ على أنَّ مُرتكِبَ الكبيرةِ غَيرُ مُخلَّدٍ في النَّارِ إن دخَلها، وحُكمُهم هذا برَغمِ أنَّه مُوافِقٌ لأهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ في أصحابِ الكبائِرِ في الآخِرةِ، إلَّا أنَّهم مُختلِفونَ معَهم في مَنشَأِ هذا الحُكمِ والأساسِ الذي بُنِي عليه، وذلك أنَّ المُرجِئةَ يرَونَ صاحِبَ الكبيرةِ مُؤمِنًا كامِلَ الإيمانِ على اعتِبارِ أنَّ الإيمانَ عندَهم يشمَلُ التَّصديقَ القلبيَّ فقط، ولا يدخُلُ في مفهومِه أعمالُ الجوارِحِ، وهذا يُخالِفُ تمامًا مفهومَ الإيمانِ المُقرَّرَ لدى أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، والذي -بناءً عليه وعلى النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ الوارِدةِ في شأنِ بعضِ الكبائِرِ- يرَونَ إطلاقَ اسمِ مُسلِمٍ لا مُؤمِنٍ على صاحِبِ الكبيرةِ، أو يقولونَ: مُؤمِنٌ ناقِصُ الإيمانِ، ونَحوَ ذلك مِن العِباراتِ، أمَّا غُلاتُهم فمنهم مَن توقَّف، ومنهم مَن جزَم بعَدمِ دُخولِهم النَّارَ.
قال ابنُ تيميَّةَ: (القائِلونَ بأنَّ الإيمانَ قولٌ مِن الفُقَهاءِ -كحمَّادِ بنِ أبي سُلَيمانَ، وهو أوَّلُ مَن قال ذلك ومَن اتَّبَعه مِن أهلِ الكوفةِ وغَيرِهم- مُتَّفِقونَ معَ جميعِ عُلَماءِ السُّنَّةِ على أنَّ أصحابَ الذُّنوبِ داخِلونَ تحتَ الذَّمِّ والوعيدِ، وإن قالوا: إنَّ إيمانَهم كامِلٌ كإيمانِ جِبريلَ، فهُم يقولونَ: إنَّ الإيمانَ بدونِ العَملِ المفروضِ، ومعَ فِعلِ المُحرَّماتِ يكونُ صاحِبُه مُستحِقًّا للذَّمِّ والعِقابِ، كما تقولُه الجماعةُ، ويقولونَ أيضًا بأنَّ مِن أهلِ الكبائِرِ مَن يدخُلُ النَّارَ كما تقولُه الجماعةُ، والذين ينفونَ عن الفاسِقِ اسمَ الإيمانِ مِن أهلِ السُّنَّةِ مُتَّفِقونَ على أنَّه لا يُخَلَّدُ في النَّارِ، فليس بَينَ فُقَهاءِ الملَّةِ نِزاعٌ في أصحابِ الذُّنوبِ إذا كانوا مُقِرِّينَ باطِنًا وظاهِرًا بما جاء به الرَّسولُ، وما تواتَر عنه أنَّهم مِن أهلِ الوعيدِ، وأنَّه يدخُلُ النَّارَ منهم مَن أخبَر اللهُ ورسولُه بدُخولِه إليها، ولا يُخَلَّدُ منهم فيها أحدٌ، ولا يكونونَ مُرتَدِّينَ مُباحي الدِّماءِ، ولكنَّ الأقوالَ المُنحرِفةَ قولُ مَن يقولُ بتخليدِهم في النَّارِ كالخوارِجِ والمُعتزِلةِ، وقولُ غُلاةِ المُرجِئةِ الذين يقولونَ: ما نعلَمُ أنَّ أحدًا منهم يدخُلُ النَّارَ، بل نقِفُ في هذا كُلِّه، وحُكِي عن بعضِ غُلاةِ المُرجِئةِ الجزمُ بالنَّفيِ العامِّ) [533] ((مجموع الفتاوى)) (7/ 297). .

انظر أيضا: