موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: الرَّدُّ على أدلَّةِ المانِعينَ مِن الاستِثناءِ في الإيمانِ


1- الجوابُ عن قولِهم: المُؤمِنُ مُؤمِنٌ حقًّا، والكافِرُ كافِرٌ حقُّا، وليس في الإيمانِ شكٌّ، كما ليس في الكُفرِ شكٌّ؛ لقولِه تعالى: أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: 4] ، وأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [النساء: 151] .
الاستِدلالُ بقولِ اللهِ تعالى: أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: 4] استِدلالٌ في غَيرِ مَحلِّه؛ لأنَّ ذلك ورَد بَعدَ قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: 2] ؛ فالمُؤمِنونَ حقًّا هم المُتَّصِفونَ بهذه الصِّفاتِ، وليس كُلُّ مُؤمِنٍ كذلك، فهؤلاء هم الكُمَّلُ مِن المُؤمِنينَ الذين حقَّقوا الإيمانَ ظاهِرًا وباطِنًا، ومَن لم يتَّصِفْ بتلك الصِّفاتِ التي ذكَرها اللهُ لم يكنْ مُؤمِنًا حقًّا، وإن كان مُؤمِنًا، كما يُفيدُ ذلك القَصرُ: أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 4] ؛ فالمعنى هؤلاء هم المُؤمِنونَ حقًّا لا غَيرُهم، فكيف يصِحُّ معَ ذلك أن يقولَ كُلُّ مَن حصَل له أصلُ الإيمانِ: أنا مُؤمِنٌ حقًّا؟!
أمَّا القولُ بأنَّه: (ليس في الإيمانِ شكٌّ) فنعَم، إنَّ الشَّكَّ يُنافي صِحَّةَ الإيمانِ، فلا يجتمِعُ الإيمانُ والشَّكُّ، لكنَّ هذا لا يوجِبُ مَنعَ الاستِثناءِ في الإيمانِ على وَجهِ البراءةِ مِن تزكيةِ النَّفسِ، إنَّما يوجِبُ مَنعَ الاستِثناءِ على وَجهِ التَّردُّدِ، وهذا لا يصدُرُ ممَّن يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، ولا يقصِدُه مَن يعلَمُ مِن نَفسِه الإيمانَ واليَقينَ [495] يُنظر: ((أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة)) لمحمد الخميس (ص: 418). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/ 375). .
2- الجوابُ عن قولِهم: إنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى قد شهِد قَطعًا بالإيمانِ لمَن آمَن باللهِ ورُسلِه بدونِ استِثناءٍ، فقال: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة: 285] [496] يُنظر: ((تبصرة الأدلة)) للنسفي (2/1094). : أنَّ قِياسَ شهادةِ العبدِ لنَفسِه بالإيمانِ بدونِ استِثناءٍ على شهادةِ اللهِ تعالى للمُؤمِنينَ بالإيمانِ بدونِ الاستِثناءِ: قياسٌ خطأٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا يقولُ إلَّا حقًّا، ولا يشهَدُ إلَّا على حقٍّ واقِعٍ، فإذا شهِد اللهُ تعالى لشخصٍ أو أشخاصٍ بالإيمانِ دلَّ ذلك قَطعًا ويقينًا على حُصولِ الإيمانِ لهم؛ فهُم حقًّا مُؤمِنونَ، وهكذا شهادةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لشخصٍ بالإيمانِ دليلٌ على كونِه مُؤمِنًا حقًّا يَقينًا، أمَّا شهادةُ النَّاسِ بعضِهم لبعضٍ بالإيمانِ، أو شهادةُ الشَّخصِ لنَفسِه بالإيمانِ؛ فقد تكونُ صحيحةً، وقد تكونُ غَيرَ صحيحةٍ؛ ولهذا أنكَر اللهُ تعالى على الأعرابِ حينَ ادَّعَوا الإيمانَ حينَ لم يتمكَّنِ الإيمانُ في قُلوبِهم، فقال تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 14] [497] يُنظر: ((أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة)) لمحمد الخميس (ص: 421). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/ 448). .
3- الجوابُ عن قولِهم: إنَّ اللهَ تعالى قد مدَح المُؤمِنينَ بقَطعِهم بإيمانِهم دونَ استِثناءٍ؛ حيثُ قال حكايةً عن المُؤمِنينَ: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا [آل عمران: 193] ، ولم يأمُرْ بالاستِثناءِ، وإن لم يكنْ لهم بالعاقِبةِ عِلمٌ، وأمَر أيضًا بالقولِ بذلك مِن غَيرِ استِثناءٍ، بقولِه تعالى: قُولُوا آمَنَّا [البقرة: 136] [498] يُنظر: ((تبصرة الأدلة)) للنسفي (2/1094) بتصرُّفٍ يسيرٍ. :
ما في هذه الآيةِ خارِجٌ عن مَحلِّ النِّزاعِ؛ لأنَّ النِّزاعَ في قولِ القائِلِ: أنا مُؤمِنٌ إن شاء اللهُ، بصيغةِ اسمِ الفاعِلِ، وبالجُملةِ الاسميَّةِ التي تدُلُّ على الثَّباتِ والدَّوامِ، فتُشعِرُ بالكمالِ الذي في دعواه تزكيةُ النَّفسِ، وأمَّا الجُملةُ الفِعليَّةُ فهي بخلافِ ذلك، ثُمَّ إنَّها في الآيةِ قد وردَت في مَقامِ التَّوسُّلِ إلى اللهِ، لا في مَقامِ الإخبارِ عن النَّفسِ في خطابِ النَّاسِ الذي تدخُلُه الدَّعوى والفَخرُ، وفي ضوءِ هذا الفَرقِ بَينَ الجُملةِ الاسميَّةِ والفِعليَّةِ يجوزُ أن يقولَ المرءُ: آمَنْتُ باللهِ ورُسلِه وكُتبِه، بدونِ استِثناءٍ، وقد كان السَّلفُ يرَونَ الاستِثناءَ في الإيمانِ بأن يقولَ المرءُ: أنا مُؤمِنٌ إن شاء اللهُ، ولكن لو قال: آمَنْتُ باللهِ وملائِكتِه وكُتبِه ورُسلِه لم يحتَجْ للاستِثناءِ، وهذا لأنَّ المرءَ إذا قصَد الإيمانَ المُطلَقَ الكامِلَ ينبغي له أن يستَثنيَ، وإذا قصَد مُطلَقَ الإيمانِ فلا يحتاجُ إلى الاستِثناءِ [499] يُنظر: ((أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة)) لمحمد الخميس (ص: 422). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/ 448). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (لمَّا عَلِم السَّلفُ مَقصَدَهم صاروا يكرَهونَ الجوابَ، أيْ جوابَ قولِهم: أمُؤمِنٌ أنت؟ أو يُفصِّلونَ في الجوابِ، وهذا لأنَّ لفظَ الإيمانِ فيه إطلاقٌ وتقييدٌ، فكانوا يُجيبونَ بالإيمانِ المُقيَّدِ الذي لا يستلزِمُ أنَّه شاهِدٌ فيه لنَفسِه بالكمالِ؛ ولهذا كان الصَّحيحُ أنَّه يجوزُ أن يُقالَ: أنا مُؤمِنٌ بلا استِثناءٍ إذا أراد ذلك، لكن ينبغي أن يقرُنَ كلامَه بما يُبيِّنُ أنَّه لم يُرِدِ الإيمانَ المُطلَقَ الكامِلَ، ولهذا كان أحمَدُ يكرَهُ أن يُجيبَ عن المُطلَقِ بلا استِثناءٍ يُقدِّمُه) [500] ((مجموع الفتاوى)) (7/ 448). .
4- الجوابُ عن استِدلالِهم بحديثِ الحارِثِ بنِ مالِكٍ الأنصاريِّ رضِي اللهُ عنه، ولفظُه: ((أنَّه مرَّ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له: كيف أصبَحْتَ يا حارِثُ؟ قال: أصبَحْتُ مُؤمِنًا حقًّا)) [501] أخرجه عبد بن حميد (444)، والطبراني (3/266) (3367) واللَّفظُ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (10591). ضعَّف إسنادَه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (4/271)، والبوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (7/454). :
أوَّلًا: الحديثُ ضعيفٌ، وثانيًا: لو صحَّ لم يكنْ دليلًا على مَنعِ الاستِثناءِ في الإيمانِ الذي يقولُ به أهلُ السُّنَّةِ، بل على مَنعِ الاستِثناءِ الذي يتضمَّنُ الشَّكَّ والتَّردُّدَ في الإيمانِ، وهو مُحرَّمٌ عندَ الجميعِ؛ لأنَّه يُناقِضُ الإيمانَ؛ فالحديثُ يدُلُّ على مَنعِ الشَّكِّ في الإيمانِ، لا على مَنعِ الاستِثناءِ الذي يقولُ به أهلُ السُّنَّةِ خَوفَ التَّزكيةِ بدونِ عِلمٍ معَ عَدمِ الشَّكِّ في الإيمانِ [502] يُنظر: ((أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة)) لمحمد الخميس (ص: 426). ويُنظر: ((الإيمان)) (ص:334-343، 348-358)، ((مجموع الفتاوى)) (7/417، 669) (13/40) كلاهما لابن تيمية. .
قال ابنُ تيميَّةَ: (أمَّا جوازُ إطلاقِ القولِ بأنِّي مُؤمِنٌ، فيصِحُّ إذا عُنِي أصلُ الإيمانِ دونَ كمالِه، والدُّخولُ فيه دونَ تمامِه، كما يقولُ: أنا حاجٌّ وصائِمٌ لمَن شرَع في ذلك، وكما يُطلِقُه في قولِه: آمَنْتُ باللهِ ورُسلِه، وفي قولِه: إن كنْتَ تعني كذا وكذا، فإنَّ جوازَ إخبارِه بالفِعلِ يقتضي جوازَ إخبارِه بالاسمِ معَ القرينةِ) [503] ((مجموع الفتاوى)) (7/417، 669).   .
5- الجوابُ عن قولِهم: إنَّ الاستِثناءَ يرفَعُ جميعَ العُقودِ نَحوَ الطَّلاقِ والعِتاقِ والنِّكاحِ والبَيعِ، فكذلك يرفَعُ عَقدَ الإيمانِ [504] يُنظر: ((بحر الكلام)) للنسفي (ص: 151)، ((أصول الدين)) للغزنوي (ص: 263). :
ليس النِّزاعُ في الاستِثناءِ في عَقدِ الإيمانِ، وهو ما يحصُلُ به الدُّخولُ في الإسلامِ؛ فإنَّ ذلك عَقدٌ يُنافيه الاستِثناءُ، وإنَّما النِّزاعُ في قولِ المُسلِمُ مُخبِرًا عن نَفسِه: أنا مُؤمِنٌ، وهذا إخبارٌ، وليس بإنشاءٍ [505] يُنظر: ((أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة)) لمحمد الخميس (ص: 424). .
6- الجوابُ عن قِياسِهم ثُبوثَ حقيقةِ الإيمانِ بثُبوتِ الأشياءِ المحسوسةِ المعلومةِ، مِثلُ القِيامِ والقُعودِ وغَيرِها، فإذا مُنِع الاستِثناءُ في هذه الأمورِ الحِسِّيَّةِ كان ممنوعًا أيضًا مِن الإيمانِ الواقِعِ في قلبِ العبدِ حقيقةً [506] يُنظر: ((تبصرة الأدلة)) للنسفي (2/1091). :
أساسُ هذه الشُّبهةِ أنَّ الإيمانَ هو التَّصديقُ بالقلبِ فقط، وأنَّه لا يزيدُ ولا يَنقُصُ، وهذا الأساسُ باطِلٌ، والحقُّ المعلومُ بالاضطِرارِ مِن دينِ الإسلامِ أنَّ الإيمانَ هو التَّصديقُ بالجَنانِ، والإقرارُ باللِّسانِ، والعَملُ بالأركانِ، وإذا ثبَت أنَّ الإيمانَ شيءٌ مُركَّبٌ مِن أمورٍ ثلاثةٍ، وأنَّه يزيدُ ويَنقُصُ، وأنَّ الإيمانَ له مُقتضياتٌ ومُتطلَّباتٌ قد لا تتوفَّرُ في مُدَّعي الإيمانِ؛ فليس الإيمانُ مِثلَ القُعودِ والقِيامِ ونَحوِهما مِن الأمورِ المحسوسةِ المعلومةِ بالقَطعِ، حتَّى يقطَعَ الإنسانُ بأنَّه مُؤمِنٌ كما يقطَعُ بأنَّه قاعِدٌ أو قائِمٌ؛ لأنَّ الإيمانَ مِن الكيفيَّاتِ النَّفسانيَّةِ، ومِن الأمورِ غَيرِ المحسوسةِ، فلا يُمكِنُ للإنسانِ أن يجزِمَ قَطعًا بأنَّه أتى بجميعِ مُتطلَّباتِ الإيمانِ وجميعِ مُقتضَياتِه، وأنَّه قد تجنَّب جميعَ ما يُناقِضُ الإيمانَ ويُخالِفُه، إذًا فقِياسُ الإيمانِ على القِيامِ والقُعودِ قِياسٌ معَ الفارِقِ، وتمثيلٌ في غَيرِ مَحلِّه، واللهُ أعلَمُ [507] يُنظر: ((أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة)) لمحمد الخميس (ص: 419). .
7- الجوابُ عن قولِهم بعَدمِ التَّفريقِ بَينَ الاستِثناءِ في كونِه مُؤمِنًا عندَ نَفسِه، وبَينَ الاستِثناءِ في كونِه مُؤمِنًا عندَ اللهِ؛ فعندَهم أنَّ الإيمانَ إذا تحقَّق بحقيقتِه كان مُؤمِنًا حقًّا عندَ اللهِ تعالى أيضًا، فلا استِثناءَ [508] يُنظر: ((تبصرة الأدلة)) للنسفي (2/1093). :
هذه الشُّبهةُ مبنيَّةٌ على شيئَينِ:
1- الظَّنُّ بأنَّ الاستِثناءَ في الإيمانِ لأجْلِ المُوافاةِ والخاتِمةِ، لا لأجْلِ الإيمانِ الموجودِ الآنَ.
2- أنَّه لا فَرقَ بَينَ كونِ الرَّجلِ مُؤمِنًا عندَ نَفسِه، وبَينَ كونِه مُؤمِنًا عندَ اللهِ.
وكلا هذَينِ الأمرَينِ ممنوعٌ:
أمَّا الأوَّلُ: فلأنَّ سَلفَ هذه الأمَّةِ وأئمَّةَ السُّنَّةِ لم يقولوا بجوازِ الاستِثناءِ في الإيمانِ لأجْلِ المُوافاةِ والخاتِمةِ، وليس هذا مَأخَذَهم في جوازِ الاستِثناءِ قَطعًا، وهذا خارِجٌ عن مَحلِّ النِّزاعِ، بل مَحلُّ النِّزاعِ هو الإيمانُ الحاليُّ الموجودُ الآنَ، فكان سَلفُ هذه الأمَّةِ وأئمَّةُ السُّنَّةِ يرَونَ جوازَ الاستِثناءِ في الإيمانِ الموجودِ بقَطعِ النَّظرِ عن المُوافاةِ والخاتِمةِ؛ لئلَّا يقعَ الإنسانُ في تزكيةِ نَفسِه بدونِ عِلمٍ.
والذي ظنَّ أنَّ السَّلفَ كانوا يُجوِّزونَ الاستِثناءَ في الإيمانِ مِن أجْلِ المُوافاةِ والخاتِمةِ فقد كذَب عليهم، أو أخطَأ عليهم في بيانِ تفسيرِ مَأخَذِهم؛ ظنًّا منه أنَّ هذا هو مَذهَبُهم، ومِثلُ هذا قد وقَع فيه بعضُ الكُلَّابيَّةِ والأشعَريَّةِ، بل بعضُ مَن ينتسِبُ إلى مَذهَبِ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ وغَيرُهم أيضًا، معَ أنَّ كلامَ بعضِ السَّلفِ صريحٌ في أنَّ الاستِثناءَ في الإيمانِ لأجْلِ ألَّا يقعَ الإنسانُ في تزكيةِ نَفسِه، ولم يقُلْ أحدٌ منهم: إنَّ الاستِثناءَ لأجلِ المُوافاةِ والخاتِمةِ.
وأمَّا الثَّاني: فلا شكَّ أنَّ الرَّجلَ يكونُ مُؤمِنًا عندَ نَفسِه، ولا يكونُ مُؤمِنًا عندَ اللهِ، كالذي يرتكِبُ شِركًا أكبَرَ أو غَيرَه مِن نواقِضِ الإسلامِ، ومعَ ذلك يظُنُّ أنَّه مُؤمِنٌ؛ فقد يحبَطُ عَملُ الإنسانِ وهو لا يشعُرُ، فكيف يُقالُ معَ ذلك: إنَّ مَن كان مُؤمِنًا عندَ نَفسِه يجِبُ أن يكونَ مُؤمِنًا عندَ اللهِ؟! ولا شكَّ أنَّ مَن كان مُؤمِنًا كما أمَر اللهُ فهو مُؤمِنٌ عندَ اللهِ، ولا يقدَحُ فيه الاستِثناءُ الذي مَنشَؤُه الحَذرُ مِن تزكيةِ النَّفسِ، وإنَّما يقدَحُ فيه الاستِثناءُ الذي مَنشَؤُه الشَّكُّ، ومعلومٌ أنَّ الاستِثناءَ على هذا الوَجهِ لا يصدُرُ مِن مُؤمِنٍ صحيحِ الإيمانِ؛ لأنَّ الإيمانَ والشَّكَّ لا يجتمِعانِ [509] يُنظر: ((أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة)) محمد الخميس (ص: 420). ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/429) وما بعدها. .

انظر أيضا: