موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: الألقابُ الباطِلةُ


أهلُ الباطِلِ يَلمِزون أهلَ السُّنَّةِ بكثيرٍ من الأسماءِ الذَّميمةِ والألقابِ الباطِلةِ، فيُنَفِّرون النَّاسَ عنهم وعن عقيدتِهم الصَّافيةِ.
فمِن الأسماءِ والألقابِ التي أطلقَها عليهم أهلُ الباطِلِ نَبْزًا لهم:
1- المُشَبِّهةُ - النُّقصانيَّةُ - المُخالِفةُ -الشُّكَّاكُ. وتَنبِزُهم بهذه الألقابِ: الجَهميَّةُ؛ لإثباتِهم صفاتِ اللهِ تعالى.
2- الحَشَويَّةُ -النَّابتةُ أو النَّوابِتُ- المُجْبِرةُ - المُشَبِّهةُ. وتَنبِزُهم بهذه الألقابِ: المُعتَزِلةُ، والخوارجُ.
3- المُجْبِرةُ أو الجَبْريَّةُ. وتَنبِزُهم بهما: القَدَريَّةُ.
4- النَّاصِبةُ أو النَّواصِبُ - العامَّةُ -المُشَبِّهةُ- الحَشَويَّةُ. وتَنبِزُهم بها: الرَّافِضةُ.
5- المُشَبِّهةُ -المُجَسِّمةُ -الحَشَويَّةُ- النَّوابِتُ- الغُثاءُ: وتَنبِزُهم بها: الأشاعِرةُ، والماتُريديَّةُ.
وبهذا يتَّضِحُ أنَّ أهلَ الانحرافِ قد يتَّفِقون وقد يختَلِفون في إطلاقِ بعضِ الألقابِ الباطِلةِ على أهلِ السُّنَّةِ.
ومن ذلك: تسميتُهم مُشَبِّهةً، فقد تصَوَّروا أنَّ السَّلَفَ حينما أثبَتوا الصِّفاتِ الثَّابتةَ للهِ تعالى على ما يليقُ بجلالِه وعَظَمتِه؛ لوُرودِها في كتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّ هذا الإثباتَ يقتضي تمثيلَ اللهِ بخَلقِه؛ لأنَّهم لم يُدرِكوا من دَلالاتِ هذه الأسماءِ إلَّا ما أدرَكوه مِن تَعَلُّقِها بالمخلوقِ، وفاتهم الفَرقُ الذي لا يعلَمُه إلَّا اللهُ بَينَ الخالِقِ والمخلوقِ.
وقد أثبت السَّلَفُ أنَّ هذا التَّصوُّرَ الخاطِئَ هو الذي جعَلهم بحَقٍّ مُشَبِّهةً لا أهلَ السُّنَّةِ الذين أثبتوا التَّسميةَ مع معرفةِ معنى الصِّفةِ، والتَّفويضِ في الكيفيَّةِ؛ فإنَّ أولئك لم يَنْفوها عن اللهِ إلَّا بَعدَ أن مَثَّلوه بخَلْقِه، فأيُّ الفريقينِ أَولى بتسميةِ المُشَبِّهةِ: أهلُ السُّنَّةِ أم أولئك؟!
وعن تسميةِ أهلِ الباطِلِ لأهلِ السُّنَّةِ حَشَويَّةً قال ابنُ تَيميَّةَ: (قد تَبيَّنَ أنَّ الذين يُسَمُّون هؤلاء وأئمَّتَهم حَشَويَّةً هم أحَقُّ بكُلِّ وَصفٍ مذمومٍ يَذكُرونه، وأئمَّةُ هؤلاء أحَقُّ بكُلِّ علمٍ نافعٍ وتحقيقٍ وكشفِ حقائِقَ، واختصاصٍ بعلومٍ لم يَقِفْ عليها هؤلاء الجُهَّالُ المُنكِرون عليهم المُكَذِّبون للهِ ورَسولِه.
فإنَّ نَبْزَهم بالحَشَويَّةِ إن كان لأنَّهم يَرْوون الأحاديثَ بلا تمييزٍ، فالمخالِفون لهم أعظَمُ النَّاسِ قَولًا لحَشْوِ الآراءِ والكلامِ الذي لا تُعرَفُ صِحَّتُه، بل يُعلَمُ بُطلانُه.
وإن كان لأنَّ فيهم عامَّةً لا يميِّزون، فما من فرقةٍ من تلك الفِرَقِ إلَّا من أتباعِها مَن هو مِن أجهَلِ الخَلقِ وأكفَرِهم. وعوامُّ هؤلاء هم عُمَّارُ المساجِدِ بالصَّلَواتِ، وأهلُ الذِّكرِ والدَّعَواتِ، وحُجَّاجُ البيتِ العَتيقِ، والمجاهِدون في سبيلِ اللهِ، وأهلُ الصِّدقِ والأمانةِ وكُلِّ خيرٍ في العالَمِ؛ فقد تبيَّن لك أنَّهم أحَقُّ بوُجوهِ الذَّمِّ، وأنَّ هؤلاء أبعَدُ عنها، وأنَّ الواجِبَ على الخَلقِ أن يَرجِعوا إليهم فيما اختَصَّهم اللهُ به من الوِراثةِ النَّبَويَّةِ التي لا توجَدُ إلَّا عِندَهم) [37] ((مجموع الفتاوى)) (4/87). .
وأمَّا نَبْزُهم لأهلِ السُّنَّةِ بأنهَّم نوابِتُ، فمُرادُهم أنَّ أهلَ السُّنَّةِ يُشبِهون نوابِتَ الأشجارِ الصَّغيرةِ، أي: أنَّهم صِغارٌ في العِلمِ والمعرفةِ كصِغارِ النَّوابِتِ من الأعشابِ التي لم تَكتَمِلْ قُوَّتُها ونُضجُها، أو أنَّهم نوابِتُ شَرٍّ نَبَتوا في الإسلامِ مُبتَدِعين فيه مُغَيِّرين له بزَعمِهم! فإنَّ هذا النَّبْزَ من الافتراءاتِ الكاذبةِ على أهلِ السُّنَّةِ الذين هم أساسُ العقيدةِ وحُماتُها الذين تَرَبَّوا على فَهْمِها والعَمَلِ بها، ولم يَعرِفوا أو يَعمَلوا بغيرِها ممَّا جاءت به الفلسَفاتُ الإلحاديَّةُ وعِلمُ الكلامِ الباطِلُ، والحقيقةُ أنَّ نَبْزَهم لأهلِ السُّنَّةِ بهذا الاسمِ يَصدُقُ عليه أنَّه من بابِ قَلبِ الحقائِقِ والمُغالَطاتِ؛ فإنَّ الأحَقَّ بتسميةِ النَّوابِتِ هم أهلُ الكلامِ المذمومِ والفَلسَفاتِ الباطِلةِ، الذين نَبَتوا دونَ عِلمٍ سابقٍ بالكتابِ والسُّنَّةِ، وإنَّما نبتوا على عِلمِ الكلامِ وأنواعِ الفَلسَفاتِ المُنحَرِفةِ التي لم تُعرَفْ عِندَ المُسلِمين إلَّا بَعدَ أن نَبَت هؤلاء فيهم!
وأمَّا نَبْزُهم لأهلِ السُّنَّةِ بأنَّهم جَبْريَّةٌ أو مُجْبِرةٌ أو قَدَريَّةٌ، فإنَّه بالتَّأمُّلِ في مَذهَبِ القَدَريَّةِ والجَبْريَّةِ وأهلِ السُّنَّةِ يتبيَّنُ مَن يَستَحِقُّ اسمَ الجَبريَّةِ: أهلُ السُّنَّةِ أم المبتَدِعةُ؟ فالخَطَأُ في قولِ الجَبْريَّةِ يكمُنُ في زَعمِهم أنَّ العَبدَ لا فِعلَ له ولا قُدرةَ له، وإنَّما هو مجبورٌ، والفاعِلُ هو اللهُ تعالى، وأمَّا الخطأُ في قولِ القَدَريَّةِ فيَكمُنُ في قَولِهم: إنَّ العبدَ هو الذي يخلُقُ فِعلَه بقُدرتِه وإرادتِه دونَ أن يكونَ للهِ تعالى تدخُّلٌ في ذلك، والحَقُّ في ذلك كُلِّه هو ما هدى اللهُ إليه أهلَ طاعتِه كما سبق، مُستَدِلِّين بقوله تعالى: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30] ، وقَولِه تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة: 253] ، وغيرِ ذلك مِن الآياتِ.
وأمَّا نبَزْهُم للسَّلَفِ بأنَّهم ناصِبةٌ، فهذا مِن كَذِبِ الرَّافِضةِ؛ فأهلُ السُّنَّةِ يَعرِفون حَقَّ أهلِ البَيتِ، ويتَرَضَّون عنهم، ويَعمَلون بوصيَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيهم.

انظر أيضا: