موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: الاستِثناءُ في الإيمانِ عندَ مُرجِئةِ الفُقَهاءِ


مُرجِئةُ الفُقَهاءِ يقولونَ بتحريمِ الاستِثناءِ في الإيمانِ؛ فلا يجوزُ عندَهم أن يقولَ الإنسانُ: أنا مُؤمِنٌ إن شاء اللهُ، وما شابَه ذلك مِن الألفاظِ الدَّالَّةِ على تعليقِ الإيمانِ بالمشيئةِ، ويقولونَ: إنَّ الإيمانَ لا يكونُ إلَّا عن جَزمٍ لا يعتوِرُه شكٌّ ولا شُبهةٌ، والاستِثناءُ دليلٌ على أنَّ المُستثنيَ شاكٌّ في إيمانِه [456] يُنظر: ((الإيمان بين السَّلف والمتكلمين)) أحمد الغامدي (ص: 93). .
أقوالُ مُرجِئةِ الفُقَهاءِ في الاستِثناءِ في الإيمانِ:
1- سُئِل أبو حَنيفةَ: لو أنَّ رجُلًا قيل له: أمُؤمِنٌ أنت؟ قال: اللهُ أعلَمُ، قال: (هو شاكٌّ في إيمانِه) [457] ((الفقه الأبسط)) (ص: 110). .
2- قال السَّمَرقَنديُّ: (الذين ذهَبوا إلى أنَّ الإيمانَ هو التَّصديقُ؛ فمنهم مَن جوَّز الاستِثناءَ، وهو قولُ أبي سَهلٍ الصُّعلوكيِّ وابنِ فُورَكٍ، ومنهم مَن أنكَره، وهو قولُ أبي حَنيفةَ وأصحابِه وقومٍ مِن المُتكلِّمينَ...، وقال المانِعُ: أنا مُؤمِنٌ حقًّا؛ لأنَّ الشَّكَّ في الحالِ. والاستِقبالُ يوجِبُ ضَعفَ الاعتِقادِ في الحالِ) [458] ((الصحائف الإلهية)) (ص: 461). ويُنظر: ((الروض الأزهر)) للقاري (ص: 392). .
3- قال أبو حَفصٍ السَّفْكَرْدَرِيُّ وبعضُ أئمَّةِ خَوارِزمَ مِن الحَنفيَّةِ: (لا ينبغي للحَنفيِّ أن يُزوِّجَ بِنتَه مِن رجُلٍ شافِعيِّ المَذهَبِ، ولكن يتزوَّجُ مِن الشَّافِعيَّةِ تنزيلًا لهم منزِلةَ أهلِ الكتابِ، بحُجَّةِ أنَّ الشَّافِعيَّةَ يرَونَ جوازَ الاستِثناءِ في الإيمانِ، وهو كُفرٌ!) [459] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/49). .
4- قال أبو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ الفَضلِ: (لا ينبغي لرجُلٍ أن يستثنيَ في إيمانِه، فلا يقولُ: أنا مُؤمِنٌ إن شاء اللهُ؛ لأنَّه مأمورٌ بتحقيقِ الإيمانِ، أي: وهو التَّصديقُ والإقرارُ، والاستِثناءُ يُضادُّه، أي: ينُاقِضُه ظاهِرًا، ولأنَّه مسؤولٌ عن الحالِ، فلا وَجهَ للجوابِ عن الاستِقبالِ) [460] يُنظر: ((الروض الأزهر)) للقاري (ص: 476). قال الفِريهاريُّ: (وقد بالَغ بعضُ الحنفيَّةِ في المنعِ حتَّى قال الفَضْليُّ: لا يجوزُ نِكاحُ المرأةِ الشَّافعيَّةِ؛ لأنَّهم كفَروا بالاستثناءِ! وهذه جرأةٌ عظيمةٌ، وتعصُّبٌ لا يرضاه الحقُّ سُبحانَه) يُنظر: ((الفتاوى البزازية على هامش الفتاوى الهندية)) (4/112) و ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/46) و (3/103). .
وقال أيضًا: (مَن قال: أنا مُؤمِنٌ إن شاء اللهُ، فهو كافِرٌ، لا تجوزُ المُناكَحةُ معَه!) [461] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 49). .
5- قال الغَزنَويُّ: (اعلَمْ أنَّ قولَه: أنا مُؤمِنٌ إن شاء اللهُ تعالى استِثناءٌ، والاستِثناءُ شكٌّ، والشَّكُّ في أصلِ الإيمانِ كُفرٌ وضلالٌ، دلَّ عليه أنَّ الكافِرَ لو قال ابتِداءً: أنا مُؤمِنٌ إن شاء اللهُ، لا يصيرُ مُؤمِنًا لوَقتِ الإيمانِ، أو قال: آمَنْتُ باللهِ ورُسلِه إلى ألفِ سَنةٍ، لم يصِرْ مُؤمِنًا...، والاستِثناءُ شُرِعَ في الأعمالِ المُؤقَّتةِ لا المُؤبَّدةِ، والإيمانُ معقودٌ إلى الأبدِ) [462] ((أصول الدين)) (ص: 263). .
6- قال ابنُ تيميَّةَ: (أنكَر حمَّادُ بنُ أبي سُلَيمانَ ومَن اتَّبَعه تفاضُلَ الإيمانِ، ودُخولَ الأعمالِ فيه، والاستِثناءَ فيه، وهؤلاء مِن مُرجِئةِ الفُقَهاءِ) [463] ((مجموع الفتاوى)) (7/ 507). .
وقال ابنُ تيميَّةَ أيضًا: (أبو حَنيفةَ وأصحابُه لا يُجوِّزونَ الاستِثناءَ في الإيمانِ) [464] ((مجموع الفتاوى)) (13/ 41). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (أمَّا مَن يُحرِّمُه؛ فكُلُّ مَن جعَل الإيمانَ شيئًا واحِدًا، فيقولُ: أنا أعلَمُ أنِّي مُؤمِنٌ، كما أعلَمُ أنِّي تكلَّمْتُ بالشَّهادتَينِ، فقولي: أنا مُؤمِنٌ كقولي: أنا مُسلِمٌ، فمَن استَثنى في إيمانِه فهو شاكٌّ فيه، وسمَّوا الذين يستَثنونَ في إيمانِهم الشَّكَّاكةَ) [465] ((شرح الطحاوية)) (2/ 496). .

انظر أيضا: