موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: أقوالُ السَّلفِ في أنَّ الإيمانَ يتبعَّضُ ويزيدُ ويَنقُصُ


مِن مسائِلِ الإيمانِ المُقرَّرةِ التي أجمَع عليها أهلُ السُّنَّةِ والحديثِ القولُ بأنَّ الإيمانَ يزيدُ ويَنقُصُ، والنَّاسُ يتفاضَلونَ فيه، وقد تضافَرَت الأدلَّةُ في ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ، وهذه بعضُ أقوالِ السَّلفِ في كونِ الإيمانِ يتبعَّضُ ويَزيدُ ويَنقُصُ:
1- عن جُندُبِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَليِّ رضِي اللهُ عنه، قال: (كنَّا معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن فِتيانٌ حَزاوِرةٌ، فتعلَّمْنا الإيمانَ قَبلَ أن نتعلَّمَ القرآنَ، ثُمَّ تعلَّمْنا القرآنَ فازدَدْنا به إيمانًا) [432] أخرجه ابن ماجه (61) واللَّفظُ له، والطبراني (2/165) (1678)، والبيهقي (5498) صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (61)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (285)، وصحَّح إسناده البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (1/50)، ووثَّق رجاله شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سير أعلام النبلاء)) (3/175). .
2- عن عَلقَمةَ بنِ قَيسٍ النَّخَعيِّ أنَّه كان يقولُ لأصحابِه: (امشوا بنا نزدَدْ إيمانًا) [433] يُنظر: ((الإيمان)) لابن أبي شيبة (ص: 41). .
3- عن هِشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه، قال: (ما نقصَت أمانةُ عبدٍ إلَّا نقَص مِن إيمانِه) [434] يُنظر: ((السنة)) للخلال (3/ 588). .
4- قال الأوزاعيُّ: (الإيمانُ قولٌ وعَملٌ، يَزيدُ ويَنقُصُ، فمَن زعَم أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ولا ينقُصُ فاحذَروه؛ فإنَّه مُبتدِعٌ) [435] يُنظر: ((الشريعة)) للآجري (2/ 607). .
5- قال مالِكٌ: (الإيمانُ قولٌ وعَملٌ، يَزيدُ ويَنقُصُ) [436] يُنظر: ((السنة)) للخلال (3/ 582). .
6- كتَب حمَّادُ بنُ زيدٍ إلى جَريرِ بنِ عبدِ الحَميدِ: (بلَغني أنَّك تقولُ في الإيمانِ بالزِّيادةِ، وأهلُ الكوفةِ يقولونَ بغَيرِ ذلك، اثبُتْ على ذلك، ثبَّتك اللهُ) [437] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (5/ 1032). .
7- قال وَكيعٌ: (الإيمانُ يَزيدُ ويَنقُصُ) [438] يُنظر: ((السنة)) للخلال (3/ 583). .
8- عن إسحاقَ بنِ بُهلولٍ قال: سألْتُ ابنَ عُيَينةَ عن الإيمانِ، فقال: (قولٌ وعَملٌ، يَزيدُ ويَنقُصُ، أما تقرَأُ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح: 4] ؟) [439] يُنظر: ((السنة)) للخلال (3/ 591). .
9- قال عبدُ الرَّزَّاقِ الصَّنعانيُّ: (لقيتُ اثنَينِ وستِّينَ شَيخًا؛ منهم: مَعمَرٌ، والأوزاعيُّ، والثَّوريُّ، والوليدُ بنُ مُحمَّدٍ القُرَشيُّ، ويَزيدُ بنُ السَّائِبِ، وحمَّادُ بنُ سَلَمةَ، وحمَّادُ بنُ زيدٍ، وسُفيانُ بنُ عُيَينةَ، وشُعَيبُ بنُ حَربٍ، ووَكيعُ بنُ الجرَّاحِ، ومالِكُ بنُ أنسٍ، وابنُ أبي ليلى، وإسماعيلُ بنُ عيَّاشٍ، والوليدُ بنُ مُسلِمٍ، ومَن لم نُسمِّ، كُلُّهم يقولونَ: الإيمانُ قولٌ وعَملٌ، يَزيدُ ويَنقُصُ) [440] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (5/ 1029). .
10- عن إسحاقَ بنِ راهَوَيهِ قال: (الإيمانُ يَزيدُ ويَنقُصُ، ينقُصُ حتَّى لا يبقى منه شيءٌ) [441] يُنظر: ((السنة)) للخلال (3/ 593). .
11- قال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: (أجمَع سَبعونَ رجُلًا مِن التَّابِعينَ وأئمَّةِ المُسلِمينَ وفُقَهاءِ الأمصارِ على أنَّ السَّنةَ التي تُوفِّي عليها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... فذكر أمورًا منها: الإيمانُ قولٌ وعَملٌ، يزيدُ بالطَّاعةِ، ويَنقُصُ بالمعصيةِ) [442] يُنظر: ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 230). .
12- قال البُخاريُّ: (لَقِيتُ أكثَرَ مِن ألفِ رجُلٍ مِن العُلَماءِ بالأمصارِ، فما رأَيتُ أحدًا منهم يختلِفُ في أنَّ الإيمانَ قولٌ وعَملٌ، ويزيدُ ويَنقُصُ) [443] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 47). .
13- قال يعقوبُ بنُ سُفيانَ الفَسَويُّ: (الإيمانُ عندَنا -أهلَ السُّنةِ- الإخلاصُ للهِ بالقُلوبِ والألسِنةِ والجوارِحِ، وهو قولٌ وعَملٌ، يَزيدُ ويَنقُصُ، على ذلك وجَدْنا كُلَّ مَن أدرَكْنا مِن عَصرِنا بمكَّةَ والمدينةِ والشَّامِ والبَصرةِ والكوفةِ) [444] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (5/ 1035). .
14- قال ابنُ جَريرٍ الطَّبريُّ: (أمَّا القولُ في الإيمانِ: هل قولٌ وعَملٌ يَزيدُ ويَنقُصُ؟ أم لا زيادةَ فيه ولا نُقصانَ؟ فإنَّ الصَّوابَ فيه قولُ مَن قال: هو قولٌ وعَملٌ، يَزيدُ ويَنقُصُ، وبه جاء الخبرُ عن جماعةٍ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعليه مضى أهلُ الدِّينِ والفَضلِ) [445] ((صريح السنة)) (ص: 25). .
15- قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (أجمَع أهلُ الفِقهِ والحديثِ على أنَّ الإيمانَ قولٌ وعَملٌ، ولا عَملَ إلَّا بنيَّةٍ، والإيمانُ عندَهم يَزيدُ بالطَّاعةِ، ويَنقُصُ بالمعصيةِ) [446] ((التمهيد)) (9/ 238). .
16- قال القصَّابُ في قولِ اللهِ تعالى: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة: 124] : (حُجَّةٌ على المُرجِئةِ فيما يُنكِرونَه مِن زيادةِ الإيمانِ ونَقصِه، وهذا نصُّ القرآنِ ينطِقُ بزيادتِه كما ترى) [447] ((نكت القرآن)) (ص: 582). .
وقال القصَّابُ أيضًا: (قولُه تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد: 16] ردٌّ على المُرجِئةِ؛ إذ المُخاطَبونَ المُوبَّخونَ بهذا قد كان لهم -لا محالةَ- حظٌّ في الخُشوعِ قَبلَ استِبطائِهم وتقريعِهم؛ إذ لو لم يكنْ لهم حظٌّ فيه -وإن قلَّ- ما كانوا مُؤمِنينَ، فهل ما التُمِس منهم إلَّا زيادةٌ في خُشوعِهم الذي بقليلِه استحَقُّوا اسمَ الإيمانِ قَبلَ أن يُطالَبوا بكثيرِه؟) [448] ((نكت القرآن)) (4/223). .
17- ذكَر ابنُ تيميَّةَ أنَّ التَّفاضُلَ في الإيمانِ يكونُ مِن وُجوهٍ مُتعدِّدةٍ، ذكَر منها ثمانيةَ وُجوهٍ، وهذا تلخيصٌ لها:
أوَّلًا: زيادةُ الأعمالِ الظَّاهِرةِ ونُقصانُها
فإنَّ النَّاسَ يتفاضَلونَ فيها، وتزيدُ وتَنقُصُ، وهذا ممَّا اتَّفَق النَّاسُ على دُخولِ الزِّيادةِ فيه والنُّقصانِ، لكنَّ نِزاعَهم في دُخولِ ذلك في مُسمَّى الإيمانِ.
ثانيًا: زيادةُ أعمالِ القُلوبِ ونَقصُها
فأعمالُ القُلوبِ مِثلُ محبَّةِ اللهِ ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وخَشيةِ اللهِ تعالى، وخَوفِه، ورجائِه، وإخلاصِ الدِّينِ له، والتَّصديقِ بأخبارِه، والإنابةِ إليه، والتَّوكُّلِ عليه، وسلامةِ القُلوبِ مِن الرِّياءِ، والكِبرِ، والعُجبِ، ونَحوِ ذلك، والرَّحمةِ للخَلقِ، والنُّصحِ لهم، ونَحوِ ذلك مِن الأخلاقِ الإيمانيَّةِ؛ كُلُّها مِن الإيمانِ، وهي ممَّا يتبايَنُ النَّاسُ فيه، ويتفاضَلونَ تفاضُلًا عظيمًا.
ثالثًا: أنَّ نَفسَ التَّصديقِ والعِلمِ الذي في القلبِ يتفاضَلُ باعتِبارِ الإجمالِ والتَّفصيلِ
فليس تصديقُ مَن صدَّق الرَّسولَ مُجمَلًا مِن غَيرِ معرفةٍ منه بتفاصيلِ أخبارِه، كمَن عرَف ما أخبَر به عن اللهِ وأسمائِه وصِفاتِه، والجنَّةِ والنَّارِ، والأمَمِ، وصدَّقه في ذلك كُلِّه. وليس مَن التزَم طاعتَه مُجمَلًا، ومات قَبلَ أن يعرِفَ تفصيلَ ما أمَره به، كمَن عاش حتَّى عرَف ذلك مُفصَّلًا، وأطاعه فيه.
رابعًا: أنَّ نَفسَ العِلمِ والتَّصديقِ يتفاضَلُ ويتفاوَتُ كما يتفاضَلُ سائِرُ صِفاتِ الحيِّ؛ مِن القُدرةِ والإرادةِ، والسَّمعِ والبَصرِ والكلامِ، بل سائِرُ الأعراضِ مِن الحركةِ، والسَّوادِ، والبَياضِ، ونَحوِ ذلك
وعامَّةُ الصِّفاتِ التي يتَّصِفُ بها الموصوفونَ تقبَلُ التَّفاضُلَ؛ فالعِلمُ والتَّصديقُ يكونُ بعضُه أقوى مِن بعضٍ، وأثبَتَ وأبعَدَ عن الشَّكِّ، وهذا أمرٌ يشهَدُه كُلُّ أحدٍ مِن نَفسِه.
خامسًا: أنَّ التَّفاضُلَ يحصُلُ مِن هذه الأمورِ مِن جِهةِ الأسبابِ المُقتضيةِ لها
فمَن كان مُستنَدُ تصديقِه ومحبَّتِه أدلَّةً توجِبُ اليَقينَ، وتُبيِّنُ فسادَ الشُّبهةِ العارِضةِ؛ لم يكنْ بمنزِلةِ مَن كان تصديقُه لأسبابٍ دونَ ذلك، بل مَن حصَل له عُلومٌ ضروريَّةٌ لا يُمكِنُه دَفعُها عن نَفسِه لم يكنْ بمنزِلةِ مَن تُعارِضُه الشُّبَهُ، ويُريدُ إزالتَها بالنَّظَرِ والبَحثِ.
سادسًا: أنَّ التَّفاضُلَ يحصُلُ في هذه الأمورِ مِن جِهةِ دَوامِ ذلك وثباتِه، وذِكرِه واستِحضارِه، كما يحصُلُ النَّقصُ مِن جِهةِ الغَفلةِ عنه والإعراضِ
والعِلمُ والتَّصديقُ والحُبُّ والتَّعظيمُ وغَيرُ ذلك ممَّا في القلبِ هي صِفاتٌ وأحوالٌ تدومُ وتحصُلُ بدوامِ أسبابِها وحُصولِ أسبابِها، والعِلمُ وإن كان في القلبِ فالغَفلةُ تُنافي تحقيقَه، والعالِمُ بالشَّيءِ في حالِ غَفلتِه عنه دونَ حالِ العالِمِ بالشَّيءِ في ذِكرِه له.
سابعًا: أن يُقالَ: ليس فيما يقومُ بالإنسانِ مِن جميعِ الأمورِ أعظَمُ تفاضُلًا وتفاوُتًا مِن الإيمانِ
فكُلُّ ما تقرَّر إثباتُه مِن الصِّفاتِ والأفعالِ معَ تفاضُلِه، فالإيمانُ أعظَمُ تفاضُلًا مِن ذلك.
ثامنًا: زيادةُ الإيمانِ بسببِ تصديقِ العبدِ بما كان جاهِلًا به أو غَيرَ مُدرِكٍ لمعناه
فالإنسانُ قد يكونُ مُكذِّبًا ومُنكِرًا لأمورٍ لا يعلَمُ أنَّ الرَّسولَ أخبَر بها وأمَر بها، ولو عَلِم ذلك لم يُكَذِّبْ ولم يُنكِرْ، بل قلبُه جازِمٌ بأنَّه لا يُخبِرُ إلَّا بصدقٍ، ولا يأمُرُ إلَّا بحقٍّ، ثُمَّ يسمَعُ الآيةَ أو الحديثَ، أو يتدبَّرُ ذلك، أو يُفسَّر له معناه، أو يظهَرُ له ذلك بوَجهٍ مِن الوُجوهِ، فيُصدِّقُ بما كان مُكذِّبًا به، ويَعرِفُ ما كان مُنكِرًا، وهذا تصديقٌ جديدٌ، وإيمانٌ جديدٌ ازداد به إيمانُه [449] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/562-574، 7/232-237). .
ونقَل ابنُ تيميَّةَ ما أورَده أحمَدُ على مَن أنكَر زيادةَ الإيمانِ؛ حيثُ قال: (قال الإمامُ أحمَدُ: فإن زعَموا أنَّهم لا يقبَلونَ زيادةَ الإيمانِ مِن أجْلِ أنَّهم لا يدرونَ ما زيادتُه، وأنَّها غَيرُ محدودةٍ، فما يقولونَ في أنبِياءِ اللهِ وكُتبِه ورُسلِه؟ هل يُقِرُّونَ بهم في الجُملةِ؟ ويزعُمونَ أنَّه مِن الإيمانِ؟
فإذا قالوا: نعَم، قيل لهم: هل تجِدونَهم، وتعرِفونَ عَددَهم؟ أليس إنَّما يصيرونَ في ذلك إلى الإقرارِ بهم في الجُملةِ، ثُمَّ يكُفُّونَ عن عَددِهم؟ فكذلك زيادةُ الإيمانِ، وبيَّن أحمَدُ أنَّ كونَهم لم يعرِفوا مُنتهى زيادتِه -يعني الإيمانَ- لا يمنَعُهم مِن الإقرارِ به في الجُملةِ، كما أنَّهم يُؤمِنونَ بالأنبِياءِ والكُتبِ، وهُم لا يَعرِفونَ عَددَ الكُتبِ والرُّسلِ) [450] ((مجموع الفتاوى)) (7/409). .
والذي فهِمه فُقَهاءُ المُرجِئةِ مِن زيادةِ الإيمانِ حالَ نُزولِ الوَحيِ، وأنَّه لمَّا اكتمَل الدِّينُ لم تعُدْ هناك زيادةٌ: مردودٌ بأنَّ هذه الزِّيادةَ أثبَتها الصَّحابةُ بَعدَ موتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونُزولِ القرآنِ كُلِّه، فقال جُندُبُ بنُ عبدِ اللهِ: (تعلَّمْنا الإيمانَ، ثُمَّ تعلَّمْنا القرآنَ؛ فازدَدْنا إيمانًا) [451] أخرجه ابن ماجه (61)، والطبراني (2/165) (1678)، والبيهقي (5498) باختلافٍ يسيرٍ؛ ولفظ ابن ماجه: (كنَّا معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن فِتيانٌ حَزاوِرةٌ، فتعلَّمْنا الإيمانَ قَبلَ أن نتعلَّمَ القرآنَ، ثُمَّ تعلَّمْنا القرآنَ فازدَدْنا به إيمانًا). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (61)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (285)، وصحَّح إسناده البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (1/50)، ووثَّق رجالَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سير أعلام النبلاء)) (3/175). ، والآثارُ في هذا كثيرةٌ، رواها المُصنِّفونَ في هذا البابِ عن الصَّحابةِ والتَّابِعينَ في كُتبٍ كثيرةٍ معروفةٍ [452] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/225). .
وكمالُ الدِّينِ في قولِ اللهِ تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3] لا يعني أنَّ الإيمانَ لا يتفاضَلُ، بل المُرادُ بالإكمالِ هنا: (في التَّشريعِ بالأمرِ والنَّهيِ، ليس المُرادُ أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِن الأمَّةِ وجَب عليه ما يجِبُ على سائِرِ الأمَّةِ، وأنَّه فعَل ذلك، بل في الصَّحيحَينِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه وصَف النِّساءَ بأنَّهنَّ ناقِصاتُ عَقلٍ ودينٍ، وجعَل نُقصانَ عَقلِها أنَّ شَهادةَ امرأتَينِ شهادةُ رجُلٍ واحِدٍ، ونُقصانَ دينِها إذا حاضَت لا تصومُ ولا تُصلِّي [453] لفظه: عن أبي سعيد الخدري قال: (خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أضحى -أو فِطرٍ- إلى المصلَّى، فمرَّ على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدَّقْنَ، فإني أريتكنَّ أكثَرَ أهل النار. فقلْنَ: وبمَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: تُكثِرْنَ اللَّعنَ، وتَكفُرْنَ العشيرَ، ما رأيتُ من ناقصاتِ عَقلٍ ودينٍ أذهَبَ للُبِّ الرجُلِ الحازمِ مِن إحداكُنَّ. قُلنَ: وما نقصانُ دينِنا وعقلِنا يا رسولَ اللهِ؟ قال: أليس شهادةُ المرأةِ مِثلَ نِصفِ شهادةِ الرَّجُلِ؟ قُلنَ: بلى. قال: فذلك من نقصانِ عَقلِها، أليس إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟ قُلنَ: بلى. قال: فذلك من نقصانِ دينِها). أخرجه البخاري (304) واللَّفظُ له، ومسلم (80). ، وهذا النُّقصانُ ليس هو نَقصًا ممَّا أُمِرَت به، فلا تُعاقَبُ على هذا النُّقصانِ، لكنَّ مَن أُمِر بالصَّلاةِ والصَّومِ ففَعَلَه كان دينَه كامِلًا بالنِّسبةِ إلى هذه النَّاقِصةِ الدِّينِ) [454] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/ 232). .
وبمعرفةِ وُقوعِ التَّفاضُلِ مِن جِهةِ أمرِ الرَّبِّ ومِن جِهةِ فِعلِ العبدِ مِن خلالِ الوُجوهِ السَّابِقةِ، يَبطُلُ -بحَمدِ اللهِ- أصلُ المُرجِئةِ أنَّ الإيمانَ لا يتفاضَلُ. واللهُ تعالى أعلَمُ [455] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (13/ 51-53)، ((آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية)) لعبدِ اللهِ السند (ص: 425-439)، ((زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه)) لعبد الرزاق البدر (ص: 401). .

انظر أيضا: