موسوعة الفرق

المبحَثُ الثَّاني عَشَرَ: عقيدةُ الإباضيَّةِ في مسألةِ الإمامةِ والخلافةِ


ذَكَر بعضُ العُلَماءِ أنَّ الإباضيَّةَ يَزعُمون أنَّه قد يُستَغنى عن نصبِ الخليفةِ، ولا تعودُ إليه حاجةٌ إذا عَرَف كُلُّ واحدٍ الحَقَّ الذي عليه للآخَرِ، وهذا القولُ أكثَرُ ما اشتَهَر عن المُحَكِّمةِ والنَّجَداتِ.
وأمَّا الإباضيَّةُ فقد ذَكَر هذا القولَ عنهم المُؤَرِّخُ البِريطانيُّ لُورِيمَرُ [1070] يُنظر: ((دليل الخليج)) (6/3303). ويُنظر: ((الفصل)) لابن حزم (4/87). ، ولكِنَّ كُتُبَ الإباضيَّةِ تنفي هذا القَولَ عنهم ويَعتَبِرون ذلك من مزاعِمِ خُصومِهم عنهم، ويقولون: إنَّ مَذهَبَهم هو القولُ بوجوبِ نَصبِ حاكِمٍ للنَّاسِ، ومن قال غيرَ هذا عنهم فهو جاهِلٌ بمَذهَبِهم، على حَدِّ ما يقولُه عُلَماؤهم؛ كالسَّالِميِّ، وعلي يحيى مَعمَر، وغيرِهما.
وذكَر السَّالِميُّ أنَّ (الإمامةَ فَرضٌ) [1071] يُنظر: ((غايَة المراد)) (ص: 18). ويُنظر: ((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) لمعمر (ص: 289). .
قال أحمدُ الخليليُّ: (وهي ضروريَّةٌ من أجلِ جَمعِ شَملِ الأمَّةِ، وتأليفِ قُلوبِها، والنُّهوضِ بمَسؤوليَّاتِها... ولا يمكِنُ أن يقومَ بذلك أفرادٌ مُشَتَّتون) [1072] ((شرح غايَة المراد)) (ص: 298). .
ومَوقِفُهم بالقولِ بالوجوبِ يتَّفِقُ مع مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ؛ فإنَّهم يَرَون وجوبَ نَصبِ الحاكِمِ حتَّى وإن كانوا جماعةً قليلةً، فلو كانوا ثلاثةً في سَفَرٍ لوجب تأميرُ أحَدِهم، كما دلَّت على ذلك النُّصوصُ الثَّابتةُ [1073] ولفظُه: قال عُمَرُ: (إذا كان في سَفَرٍ ثلاثةٌ فلْيُؤَمِّروا أحَدَهم، فذلك أميرٌ أمَّره رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). أخرجه ابن خزيمة (2541)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (4619) واللَّفظُ له، والحاكم (1623). صَحَّحه ابنُ خزيمة، والحاكم على شرط الشيخين، وصحَّح إسنادَه الألباني في ((صحيح ابن خزيمة)) (2541)، وحَسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (4619)، وجوَّده ابن كثير في ((مسند الفاروق)) (2/651). ، وأنَّ من قال بالاستغناءِ عن نَصبِ الحاكِمِ فقد كابَرَ عَقْلَه، وكَذَّب نفسَه، وأدِلَّتُه على الاستغناءِ مردودةٌ واهيةٌ.
والخَوارِجُ كافَّةً يَنظُرون إلى الإمامِ نَظرةً صارِمةً هي إلى الرِّيبةِ منه أقرَبُ، ولهم شروطٌ قاسيةٌ جِدًّا قد لا تتوفَّرُ إلَّا في القليلِ النَّادِرِ من الرِّجالِ، وإذا صدَر منه أقلُّ ذنبٍ فإمَّا أن يعتَدِلَ ويُعلِنَ توبتَه، وإلَّا فالسَّيفُ جزاؤُه العاجِلُ!
وقد جوَّز الإباضيَّةُ -كأهلِ السُّنَّةِ- صِحَّةَ إمامةِ المفضولِ مع وجودِ الفاضلِ إذا تمَّت للمفضولِ، خِلافًا لسائِرِ الخَوارِجِ [1074] ((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) لمعمر (ص: 462). .

انظر أيضا: