موسوعة الفرق

المبحَثُ الثَّالِثُ: أبرَزُ كُتُبِ الإباضيَّةِ


من أبرَزِ الكُتُبِ المعتَمَدةِ لدى الإباضيَّةِ:
1- (الاستقامةُ) لأبي سعيدٍ محمَّدِ بنِ سعيدٍ النَّاعبيِّ الكدميِّ (ت 361هـ).
هذا الكتابُ من أوسعِ الكتُبِ العَقَديَّةِ الإباضيَّةِ التي تحدَّثت عن مسألةِ الوَلايةِ والبراءةِ من حيثُ الأُسُسُ والقواعدُ، والأحكامُ والتَّطبيقاتُ.
ومؤلِّفُه يُعتَبَرُ أحدَ كِبارِ عُلَماءِ الإباضيَّةِ المحقِّقين، ومن الذين أثَّروا تأثيرًا ظاهرًا في مختَلِفِ العلومِ الشَّرعيَّةِ، وكان هو المرجِعَ في زمانِه إلى درجةِ أن أَطلَق عليه العلَّامةُ السَّالميُّ وغيرُه من عُلَماءِ الإباضيَّةِ لَقَبَ (إمامِ المذهَبِ) يُنظر: ((الاستقامة)) لأبي سعيد الكدمي (ص: 5-6). .
قال السَّالِميُّ عن كتابِ الاستقامةِ: (ألَّفه في الرَّدِّ على مَن خالف سيرةَ السَّلَفِ في الحُكمِ على الخارجينَ في زمانِ الإمامِ الصَّلتِ بنِ مالكٍ، وأوسَعَ فيه القولَ حتى خرج عن المقصودِ، وصار كتابًا مستقِلًّا في أصولِ الدِّينِ، تحتارُ فيه الأفكارُ، وتقتَصِرُ عن دَرَكِ كُنهِه الأنظارُ؛ فصار برَكةً عامَّةً ونِعمةً خاصَّةً بأهلِ الاستقامةِ، وقد أطبق المشايخُ قديمًا وحديثًا على الثَّناءِ عليه مع ما فيه من طولٍ غيرِ أنَّه تحتَ هذا الطُّولِ فوائِدُ، وتحتَ كُلِّ حرفٍ فرائدُ، فأبقَوه على حالِه، كلَّما تحرَّك متحرِّكٌ للاختصارِ قعَدت به همَّتُه بعدَ النَّظَرِ) ((اللمعة الرضية من أشعة الإباضية)) (ص: 22- 23). ويُنظر أيضًا: ((معجم مصادر الإباضية)) لضيائي (ص: 137). .
وهو من أصعَبِ كُتُبِ أبي سعيدٍ الكَدميِّ وأعمَقِها، ولعَلَّ سلامةَ الكتابِ من إضافاتِ النُّسَّاخِ يرجِعُ إلى عُلُوِّ مستوى الكتابِ عن أفهامِ الكثيرِ منهم.
ونظرًا لِما له من أهميَّةٍ وقيمةٍ عِلميَّةٍ، فقد قرَّظه طائفةٌ من علمائِهم منهم جاعِدُ بنُ خميسٍ الخَروصيِّ يُنظر: ((كتاب الاستقامة لأبي سعيد الكدمي)) للوائلي، مقالة علمية منشورة بصحيفة عُمَان (10 مايو 2019م). .
2- (الموجَزُ في تحصيلِ السُّؤالِ وتلخيصِ المقالِ في الرَّدِّ على أهلِ الخلافِ) لأبي عمَّارٍ عبدِ الكافي الوَرْجَلانيِّ الإباضيِّ (توفي قبل: 570هـ).
ومؤلِّفُ هذا الكتابِ من عُلَماءِ الإباضيَّةِ المشاهيرِ بشَمالِ إفريقيا، وهو تحديدًا من وَرْجَلانَ بالجزائرِ.
ويرى بعضُ المُستَشرِقين أنَّ أبا عمَّارٍ أكثَرُ مُؤَلِّفي الإباضيَّةِ عِلمًا، ويُعتبرُ من الذين أحيَوا المذهَبَ الإباضيَّ تأليفًا وتعليمًا يُنظر: ((آراء الخوارج الكلامية)) (1/215، 219). .
وكتابُه مشهورٌ بموجَزِ أبي عمَّارٍ، ومحَقِّقُه عمَّارٌ الطَّالبيُّ وضع له عنوانًا جديدًا هو (آراءُ الخوارجِ الكلاميَّةُ).
قال علي ضيائي في سياقِ سَردِ المصادِرِ الإباضيَّةِ: (يقعُ الكتابُ في جزأَينِ، ويتميَّزُ بأسلوبٍ أدبيٍّ عالٍ، وكتابُ الموجَزِ يضاهي مؤلَّفاتِ الباقِلَّانيِّ والغَزاليِّ) ((معجم مصادر الإباضية)) (ص: 529). .
وقد تناوَل الكتابُ الرَّدَّ على المخالِفين، كالدَّهريِّين، ‎والمُنَجِّمين والسُّفِسْطائيَّةِ، والثَّنَويَّةِ، وتعرَّض لنقضِ أصولِ المُلحِدين، والبراهمةِ، مع الرَّدِّ على أهلِ الكتابِ، والرَّدِّ على من سمَّاهم مُشَبِّهةً، وتطَرَّق إلى موضوعاتٍ متعدِّدةٍ في أبوابِ الاعتقادِ؛ منها الكلامُ في صفاتِ اللهِ تعالى، والقَدَرِ، ومسألةِ الجِهاتِ، والإرادةِ، والعَدلِ وإثباتِه، والإيمانِ والوعدِ والوعيدِ، وأهلِ الكبائرِ، والإمامةِ‎‏، وغيرِ ذلك.
3- (أصولُ الدِّينِ أو الأصولُ العَشَرةُ) لتَبغورينَ بنِ عيسى بنِ داودَ الملشوطيِّ (توفِّيَ في القرنِ 6هـ).
رسالةُ تَبغورينَ (في أصولِ الدِّينِ) تُعتبَرُ حَلقةً من حَلَقاتِ تطوُّرِ عِلمِ الكلامِ الإباضيِّ بشَمالِ إفريقيا؛ إذ سبقه متكلِّمون كثيرون أمثالُ: أبي خزر يغلا بن زلتاف الوسياني (ت380 هـ)، وأبي الرَّبيعِ سُليمانَ بنِ يخلف المزاتيِّ (471هـ) وغيرُهما كثيرٌ.

وممَّا قيل عنه: إنَّه كان (من أعظَمِ النَّاسِ قَدْرًا، وأكثَرِهم عِلمًا، وأشَدِّهم عَمَلًا، تعلَّم العلومَ وعلَّمَها، واستفاد وأفاد، وطلَب العُلا فساد) يُنظر: ((الأصول العشرة عند الإباضية)) لتبغورين (ص: 11). .
وكتُبُه تُعَدُّ (مَرجِعًا عندَ الإباضيَّةِ في علمِ الكلامِ والفِقهِ وغيرِ ذلك) يُنظر: ((الأصول العشرة عند الإباضية)) لتبغورين (ص: 14). .
وهذه الرِّسالةُ تُعَدُّ من جملةِ اهتماماتِ مُتكَلِّمي الإباضيَّةِ بالرَّدِّ على مخالِفي مَذهَبِهم؛ ففيها الرَّدُّ على فِرَقٍ كثيرةٍ، مِثلُ: المُعتَزِلةِ والمُشَبِّهةِ، والرَّدُّ على فِرَقِ الخوارجِ من الأزارقةِ والبَيهَسيَّةِ والنَّجَداتِ والصُّفْريَّةِ، وكذلك المُرجِئةُ والقدَريَّةُ والجَبريَّةُ وغَيرُهم.
وتناول أيضًا الأصولَ الإباضيَّةَ؛ في التَّوحيدِ، والقَدَرِ، والعَدلِ، والوَعدِ والوعيدِ، والمنزلةِ بَينَ المنزلتينِ، والأسماءِ والصِّفاتِ، والأمرِ والنَّهيِ، والوَلايةِ والبراءةِ، والأسماءِ والأحكامِ، إضافةً إلى بعضِ المسائِلِ العَقَديَّةِ الأُخرى يُنظر: ((أصول الدين)) لتبغورين (ص: 259). .
وقال محقِّقُ الكتابِ ونيس عامر: (تناوَلْتُ أصولَ المذهَبِ الإباضيِّ -حسَبَ عِلمي واطِّلاعي- عِلمًا بأنَّ أصولَ المعتزلةِ خمسةٌ، أمَّا الإباضيَّةُ فلهم أصولٌ عَشَرةٌ تجِدُها ضِمنَ هذه الرِّسالةِ) يُنظر: ((الأصول العشرة عند الإباضية)) لتبغورين (ص: 9). .
4- (مشارِقُ أنوارِ العُقولِ) لنور الدِّينِ عبدِ اللهِ بنِ حُمَيدِ بنِ سلومٍ السَّالميِّ (ت 1332هـ).
وهو عالمُ الإباضيَّةِ في القَرنِ الرَّابعَ عَشَرَ الهِجريِّ يُنظر: ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) للألباني (13/ 106). ، وتخرَّج على يديه مجموعةٌ كبيرةٌ من أهلِ العِلمِ في عُمانَ، فحَمَلوا عِلمَه وتصانيفَه وأشاعوها يُنظر: ((مشارق أنوار العقول)) (ص: 27). .
وعن قيمةِ مُؤَلَّفاتِه: قال أحمد الخليليُّ: (اتَّسمت تآليفُه بالتَّحقيقِ والتَّأصيلِ العِلميِّ، تَرَك أثرًا عظيمًا في التَّاريخِ العُمَانيِّ بما قام به من جهودٍ إصلاحيَّةٍ باهرةٍ، من أشهَرِ مؤَلَّفاتِه: ‌مشارِقُ ‌أنوارِ ‌العُقولِ) ‌‌((الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة)) منشور بمجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر - النسخة الإلكترونية (ص: 158). .
فكتابُ "مشارقُ أنوارِ العُقولِ" أحدُ المراجِعِ العقَديَّةِ الإباضيَّةِ، وقد ذكره علي أكبر ضيائي في مُعجَمِ مصادِرِ الإباضيَّةِ، وذكَر عدَّةَ طَبَعاتٍ للكِتابِ ((معجم مصادر الإباضية)) (ص: 504). ، وقد صحَّحه وعَلَّق عليه أحمدُ بنُ حمَدٍ الخليليُّ.
وهو شرحٌ مُطَوَّلٌ وافٍ على أرجوزةِ السَّالميِّ المُسَمَّاةِ "أنوارُ العقولِ" ذاتِ الثَّلاثمائةِ بيتٍ، ألَّفه بعدَ الشَّرحِ المُختَصَرِ لها يُنظر: ((مشارق أنوار العقول)) (ص: 38). .
قال محَقِّقُ الكتابِ عبدُ الرَّحمنِ عميرة: (هذا الكتابُ جديرٌ بالدِّراسةِ وحقيقٌ أن يوضَعَ في صَفٍّ واحدٍ مع أمَّهاتِ كُتُبِ العقيدةِ وأصولِ الدِّينِ؛ لأنَّه -والحَقُّ يقالُ- عَرَض آراءَ وأفكارَ المدارِسِ الفِكريَّةِ بأوضَحَ ممَّا عرض أصحابُها، وناقش المعتزلةَ في آرائِهم، وفنَّد بعضَ تصَوُّراتِ مدرسةِ الأشاعرةِ وجَلَّى الكثيرَ من آرائِهم، ولم يمنَعْه اختلافُه معهم أن يقولَ في بعضِ آرائِهم ما يعتَقِدُ أنَّه حَقٌّ وصِدقٌ) مقدمة ((مشارق أنوار العقول)) (ص: 12- 13). .
5- نَظْمُ (غايةُ المرادِ في نَظمِ الاعتقادِ) لنورِ الدِّينِ عبدِ اللهِ بنِ حُمَيدِ بنِ سلومٍ السَّالميِّ (ت 1332هـ)، وشرحُه لأحمدَ الخليليِّ.
ناظِمُ مَتنِ (غايةُ المرادِ) هو نورُ الدِّينِ عبدُ اللهِ بنُ حُمَيدِ بنِ سلومٍ السَّالميُّ، من كبارِ عُلَماءِ الإباضيَّةِ في عَصرِه.
وهذا النَّظْمُ جاء في 77 بيتًا، نظَمَه لتقريبِ العقيدةِ الإباضيَّةِ، وقد رتَّبه على ترتيبِ مباحِثِ العقيدةِ المشهورةِ في الجُملةِ، وتضمَّن ذلك مباحِثَ الأسماءِ والصِّفاتِ، واليومِ الآخِرِ، والإيمانِ والكُفرِ، والكلامِ على المِلَلِ، مع التَّركيزِ على مسائِلِ الإمامةِ، وغيرِ ذلك.
وأمَّا عن الشَّرحِ فمُؤَلِّفُه هو أحمدُ بنُ حَمدٍ الخليليُّ، وشرحُه ميسَّرٌ وبأسلوبٍ سَهلٍ مُقَرِّبٍ للمعنى، ولا يُعنى بكثيرٍ من التَّفاصيلِ.
وقد قال الخليليُّ في مقدِّمةِ شَرحِ هذا المتنِ مُبَيِّنًا قيمةَ المتنِ وناظِمِه: (تبارت هِمَمُ الرَّاسِخين في العِلمِ في هذا المِضمارِ، فكان منهم المُصَلِّي ومنهم المُجَلِّي. قد كان من بينِ هؤلاءِ العلَّامةُ المحَقِّقُ الإمامُ نور الدِّينِ عبدُ اللهِ بنُ حميدٍ السَّالميُّ رحمه اللهُ تعالى ورَضِيَ عنه؛ فإنَّ مؤلَّفاتِه في علمِ الاعتقادِ منثورِها ومنظومِها ينابيعُ للفوائدِ المتدَفِّقةِ، ومَطالِعُ لشَمسِ الحقائقِ السَّاطعةِ، بما فيها من تبيانٍ للحقِّ وإبرازٍ لأدلَّتِه، مع درءِ شُبَهِ الباطِلِ عنه، وإنَّ مِن بينِ ما جادت به قريحتُه في هذا المجالِ قصيدتُه العَصماءُ التي سمَّاها "غايةُ المرادِ في نظْمِ الاعتقادِ"؛ فإنَّها مع اختصارِها وسهولةِ حِفظِها جمَّةُ الفوائدِ عظيمةُ العوائدِ بما انطوت عليه من خزائِنِ العلمِ، وهي مُيَسَّرةٌ لطَلَبةِ العِلمِ المبتَدِئين) ((شرح غاية المراد)) (ص: 23). .
6- (الإباضيَّةُ بَينَ الفِرَقِ الإسلاميَّةِ عِندَ كُتَّابِ المقالاتِ في القديمِ والحديثِ) لعلي يحيى مَعمَر الإباضيِّ (ت 1400هـ).
علي يحيى مَعمَر من إباضيَّةِ شَمالِ إفريقيا من منطقةِ جَبَلِ نَفُوسةَ في ليبيا، وكان حريصًا على الدِّفاعِ عن الإباضيَّةِ وبيانِ مفاهيمها، في كتابِه "الإباضيَّةُ بَينَ الفِرَقِ الإسلاميَّةِ" يُنظر: ((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) (ص: 21). ، وفي غيرِه مِن مُؤَلَّفاتِه، مع تفانيه في رَدِّ كُلِّ قولٍ يجعَلُ الإباضيَّةَ مِن الخوارِجِ، فهاجَم جميعَ عُلَماءِ الفِرَقِ المتقَدِّمين منهم والمتأخِّرين على حدٍّ سواءٍ، واعتبر عدَّهم للإباضيَّةِ من الخوارجِ ظُلمًا وخطأً تاريخيًّا كبيرًا ((فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها)) لعواجي (1/ 247). .
ويُعتَبَرُ كتابُه "الإباضيَّةُ بَينَ الفِرَقِ الإسلاميَّةِ" من الكتُبِ المُهِمَّةِ في الفكرِ الإباضيِّ.
قال علي أكبر ضيائي في سياقِ سَردِه لمصادِرِ الإباضيَّةِ: (عالَجَ -أي: علي يحيى مَعمَر- فيه رواياتِ أصحابِ المقالاتِ مِن قُدامى ومُحْدَثين، وكذلك أقوالُ بعضِ المُستَشرِقين، وحاوَل تفنيدَها) ((معجم مصادر الإباضية)) (ص: 101). .

انظر أيضا: