موسوعة الفرق

الفَصلُ الخامِسُ: تحذيرُ النَّاسِ مِن مَسلَكِهم ببيانِ سُوءِ فَعلتِهم، وإنزالِ نُصوصٍ قُرآنيَّةٍ فيهم حتَّى لا يُغتَرَّ بهم


ومن ذلك قولُ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما محَذِّرًا من الخَوارِجِ: (كلامُ الحَروريَّةِ ضَلالةٌ) [911] أخرجه ابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (1308)، واللَّالَكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (1165)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2312). .
ولقد أنزل الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم نصوصًا من القرآنِ الكريمِ على الخَوارِجِ، وتنوَّعَت أقوالُهم في ذلك، ولا تَعارُضَ إن تعَدَّدَت صفاتُ الخَوارِجِ، فذَكَر كُلُّ صحابيٍّ صِفةً من الصِّفاتِ، كُلُّ هذا تحذيرًا من مَسلَكِهم؛ فالخَوارِجُ هم:
1- الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة: 27] [912] أخرجه البخاري (4728) عن مُصعَبٍ قال: سألتُ أبي قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا [الكهف: 103] هم الحَروريَّةُ؟ قال: لا، هم اليهودُ والنَّصارى؛ أمَّا اليهودُ فكَذَّبوا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَّا النَّصارى كفَروا بالجنَّةِ وقالوا: لا طعامَ فيها ولا شرابَ، والحَروريَّةُ الذين يَنقُضون عهدَ اللهِ مِن بعدِ ميثاقِه، وكان سعدٌ يُسَمِّيهم الفاسِقين. .
2- الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا [الأنعام: 159] [913] أخرجه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (8151)، والنَّحَّاس في ((الناسخ والمنسوخ)) (ص443) ولفظُ ابنِ أبي حاتم: عن حُميدِ بنِ مِهرانَ المالكيِّ الخرَّاطِ، قال: سألتُ أبا غالبٍ عن هذه الآيةِ: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا إلى آخرِ الآيةِ. حدَّثني أبو أمامةَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم الخوارجُ. .
3- هم الأخسَرونَ أعمالًا، كما قال اللهُ تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103-104] [914] أخرجه ابنُ أبي حاتم في ((التفسير)) (14021) عن عليٍّ أنَّه سُئِل عن هذه الآيةِ: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، قال: لا أظُنُّ إلَّا أنَّ الخوارجَ منهم. ذكر الشوكاني في ((فتح القدير)) (3/447) أنَّه رُوِيَ من طريقينِ. .
4- هم من زاغت قلوبُهم ومالت عن اتِّباعِ الحَقِّ، كما قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: 5] [915] أخرجه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (1535)، والطبري في ((التفسير)) (23/358)، والخلال في ((السنة)) (138) عن أبي أمامة: "فَلَمَّا زَاغُوا أَزْاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5] قال: هم الخوارجُ". .
وهذه الآياتُ لا تخُصُّ الخَوارِجَ، بل تَعُمُّ كُلَّ من اتَّصَف بتلك الأوصافِ، والصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم أنزلوها على الحَروريَّةِ؛ إمَّا لأنَّهم سُئِلوا عنها على الخُصوصِ، وهل الآيةُ تَشمَلُهم فأجابوا عن السُّؤالِ أو لأنَّ الخَوارِجَ هم أوَّلُ من ابتَدَع في دينِ اللهِ وخرج على جماعةِ المُسلِمين بالسَّيفِ، وكان المقصودُ التَّحذيرَ منهم [916] يُنظر: ((الاعتصام)) للشاطبي (ص: 48). .
ولقد حَرَص عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه على تحذيرِ النَّاسِ من مَسلَكِ الخَوارِجِ، حتَّى إنَّه لمَّا انتهى من النَّهْرَوانِ جعل يمشي بَينَ القتلى ويقولُ: (بُؤسًا لكم! لقد ضَرَّكم من غَرَّكم! فقال أصحابُه: يا أميرَ المُؤمِنين من غَرَّهم؟ قال: الشَّيطانُ، وأنفُسٌ بالسُّوءِ أمَّارةٌ غَرَّتْهم بالأمانِّي، وزَيَّنَت لهم المعاصيَ، ونبَّأَتْهم أنَّهم ظاهِرون) [917] أخرجه الطبري في ((التاريخ)) (3/123). .
وقد ذُكِر لعبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما الخَوارِجُ وما يصيبُهم عِندَ قراءةِ القرآنِ، قال: (يُؤمِنون بمُحكَمِه ويَضِلُّون عن مُتشابِهِه)، وقرأ: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7] [918] أخرجه عبد الرزاق (20895)، وابن أبي شيبة (39057)، والآجُرِّي في ((الشريعة)) (45). صحَّح إسنادَه ابن رجب في ((فتح الباري)) (5/99)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (12/313)، والألباني في تخريج ((كتاب السنة)) (485)، وقال ابن باز في ((شرح كتاب التوحيد)) (270): سندُه عظيمٌ. .
وفي مرةٍ أُخرى ذُكِر له الخَوارِجُ واجتهادُهم وصلاتُهم، فقال: (ليس هم بأشَدَّ اجتِهادًا من اليهودِ والنَّصارى وهم على ضَلالةٍ) [919] أخرجه الآجُرِّي في ((الشريعة)) (46). .

انظر أيضا: