موسوعة الفرق

الفَصلُ الثَّالثُ: التَّرغيبُ والتَّرهيبُ


ممَّا سلَكَه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم مع الخَوارِجِ أُسلوبُ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ؛ لاقتلاعِ هذا الفِكرِ الخبيثِ من قُلوبِهم؛ فقد يكونُ من بَينِ صُفوفِ الخَوارِجِ مَن لديه تطلُّعاتٌ للسُّلطةِ، وحُبٌّ للرِّئاسةِ، فينفَعُ مع هذا الصِّنفِ استمالتُه وترغيبُه.
ولقد حاول عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه أن يستميلَ رُؤوسَ الخَوارِجِ بالمنصِبِ، وأن يستصلِحَهم بالمالِ وتتألَّفَ قُلوبُهم بذلك؛ لأنَّه إذا تابع الرَّأسُ تابَعَ مَن معه، وإذا رجَع وكَفَّ رجَعوا وكَفُّوا، أو أحدَثَ خَلَلًا في صفوفِهم.
فرُوِيَ أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه قَبلَ أن يَفِدَ على الخَوارِجِ بحَروراءَ ليحاوِرَهم سأل عن أيِّ رُؤوسِ الخَوارِجِ هم أشَدُّ طاعةً، فقيل له: يزيدُ بنُ قَيسٍ، فجاء رَضيَ اللهُ عنه إلى يزيدَ بنِ قَيسٍ، ودخل فُسطاطَه، وأمَّرَه على أصبهانَ والرَّيِّ [906] يُنظر: ((تاريخ الرسل والملوك)) للطبري (3/110). .
وسَلَك الصَّحابةُ أيضًا مَسلَكَ التَّرهيبِ والتَّخويفِ لعَلَّه يُجدي معهم ويكونُ رادِعًا لهم، وقد تقدَّم أنَّ عَليًّا لَمَّا اصطفُّوا للقتالِ في النَّهْرَوانِ جاءهم وهدَّدهم وحَذَّرهم وسَفَّه رأيَهم [907] يُنظر: ((تاريخ ابن خلدون)) (2/180). .
وكذلك لَمَّا كان في الكوفةِ في بدايةِ الأمرِ كانوا يقاطِعونه في خُطَبِه، ويقولون: لا حُكمَ إلَّا للهِ. وفي مرَّةٍ قالوها، فقال عَليٌّ رَضيَ اللهُ عنه: (اللهُ أكبَرُ! كَلِمةُ حَقٍّ يرادُ بها باطِلٌ، إن سَكَتوا غَمَمْناهم، وإن تكَلَّموا حجَجْناهم، وإن خَرَجوا علينا قاتَلْناهم. فوثب يزيدُ بنُ عاصِمٍ من الخَوارِجِ فقال:... يا عليُّ، أبالقَتلِ تخَوِّفُنا؟) [908] أخرجه الطبري في ((التاريخ)) (3/114). .
وكان المُغيرةُ بنُ شُعبةَ قد وَلِيَ أمرَ قتالِ الخَوارِجِ لمعاويةَ، فكان رَضيَ اللهُ عنه يخطُبُ في النَّاسِ، ويتهَدَّدُ الخَوارِجَ [909] أخرجه الطبري في ((التاريخ)) (3/178). .
والملاحَظُ أنَّ فئةَ الخَوارِجِ هذه لا يُجدي معها كثيرًا التَّهديدُ بالقَتلِ؛ إذ هو شهادةٌ في نَظَرِهم وهو غايتُهم!

انظر أيضا: