موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: حقيقةُ التَّأويلِ


التَّأويلُ عِندَ السَّلَفِ له معنيانِ:
1- يُطلَقُ بمعنى التَّفسيرِ والبيانِ وإيضاحِ المعاني المقصودةِ من الكلامِ، فيقالُ: تأويلُ الآيةِ كذا، أي: معناها.
2- يُطلَقُ بمعنى المآلِ والمرجِعِ والعاقِبةِ، فيقالُ: آلَ يَؤُولُ مآلًا: رجَع، وتأويلُ الكلامِ: عاقِبَتُه، والمَوئِلُ: المَرجِعُ.
والفَرْقُ بَينَهما: أنَّه لا يلزَمُ من معرفةِ التَّأويلِ بمعنى التَّفسيرِ مَعرفةُ التَّأويلِ الذي هو بمعنى المصيرِ والعاقبةِ؛ فقد يُعرَفُ معنى النَّصِّ، ولكِنْ لا تُعرَفُ حَقيقتُه، كأسماءِ اللهِ وصِفاتِه؛ فحقيقتُها وكيفيَّتُها كما هي غيرُ معلومةٍ لأحَدٍ بخِلافِ معانيها.
أمَّا عِندَ الخَلَفِ من عُلَماءِ الكلامِ والأُصولِ والفِقهِ، فالتَّأويلُ هو: صَرفُ اللَّفظِ عن معناه الظَّاهِرِ إلى معنًى آخَرَ.
وهذا النَّوعُ ينقَسِمُ إلى محمودٍ ومذمومٍ؛ فإن دَلَّ عليه دليلٌ فهو محمودُ النَّوعِ، ويكونُ من القِسمِ الأوَّلِ، وهو التَّفسيرُ، وإن لم يدُلَّ عليه دليلٌ فهو مذمومٌ، ويكونُ من بابِ التَّحريفِ، وليس من بابِ التَّأويلِ.
وهذا الثَّاني هو الذي دَرَج عليه أهلُ التَّحريفِ في صِفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ.
مِثالُه قَولُ اللهِ تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] ، فظاهِرُ اللَّفظِ أنَّ اللهَ تعالى استوى على العَرشِ، أي: استقَرَّ عليه، وعلا عليه، فإذا قال قائلٌ: معنى اسْتَوَى: استولى على العَرشِ، فنقولُ: هذا تأويلٌ؛ لأنَّك صرَفْتَ اللَّفظَ عن ظاهِرِه، لكِنَّه في حقيقتِه تحريفٌ؛ لأنَّه ما دَلَّ على هذا التَّأويلِ دليلٌ، بل الدَّليلُ على خِلافِه.
فأمَّا قولُ اللهِ تعالى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل: 1] ، فمعنى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ، أي: سيأتي أمرُ اللهِ، فهذا مُخالِفٌ لظاهِرِ اللَّفظِ، لكِنْ عليه دليلٌ، وهو قولُه: فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ.
وكذلك قَولُ اللهِ تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل: 98] ، أي: إذا أردْتَ أن تقرَأَ، وليس المعنى: إذا أكمَلْتَ القراءةَ فقل: أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ، لأنَّنا عَلِمْنا من السُّنَّةِ أنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إذا أراد أن يقرَأَ استعاذ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ، لا إذا أكمَلَ القِراءةَ؛ فالتَّأويلُ هنا إذًا سائِغٌ وصحيحٌ [271] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/ 87). .

انظر أيضا: