موسوعة الفرق

الفَصلُ الأوَّلُ: حركاتُ الخَوارِجِ على عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه بَعدَ النَّهْرَوانِ


أخذ الخَوارِجُ الذين انتَشَروا في مختَلِفِ البِقاعِ الإسلاميَّةِ في الخروجِ على عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه، ودارت بَينَ الفريقَينِ معارِكُ صغيرةٌ متعَدِّدةٌ انتهت بالقضاءِ على هؤلاء الخَوارِجِ على عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه.
ومن هؤلاء الخَوارِجِ:
أشرَسُ بنُ عَوفٍ الشَّيبانيُّ الذي خرج مع جماعتِه في موضِعٍ يقالُ له الدَّسْكَرةُ، وكانوا مِئَتَين، ولمَّا وصل الأنبارَ أرسل له عليٌّ الأبرَشَ بنَ حَسَّانَ مع ثلاثِمائةِ رَجُلٍ، فلما التَقَوا انهزم الخَوارِجُ وقُتِل أشرَسُ بالأنبارِ في ربيعٍ الأوَّلِ [176] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) (1/222). أو ربيعٍ الآخِرِ من سَنةِ 38ه [177] يُنظر: ((الكامل)) (3/372). .
وخرج عليه أيضًا هلالُ بنُ عُلَّفةَ في ماسَبَذانَ [178] ‌ماسَبَذانَ: تَقَعُ في القِسمِ الجَنوبيِّ الغَربيِّ من إقليمِ الجبالِ بإيرانَ قُربَ الحُدودِ العِراقيَّةِ، وأهمُّ مُدُنِها السِّيروانُ. يُنظر: ((بلدان الخلافة الشرقية)) للسترانج (ص: 237). مع أكثَرَ من مائتينِ من أتباعِه، فوجَّه إليهم عَليٌّ رَضيَ اللهُ عنه مَعقِلَ بنَ قَيسٍ الرِّياحيَّ، ولما التَقَوا انهزم الخَوارِجُ وقُتِلوا في شهرِ جُمادى الأولى من سنةِ 38ه [179] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (1/222)، ((الكامل)) لابن الأثير (3/372). .
ثمَّ خَرَج الأشهَبُ بنُ بِشرٍ أو الأشعَثُ البَجليُّ في 180 رجلًا، فذهب إلى مكانِ المعركةِ التي أُصيبَ فيها سَلَفُه هلالُ بنُ عُلَّفةَ فصلَّى عليهم ودَفَن من قدَرَ عليه منهم، فأقام بجَرْجَرايا من أرض جَوْخَى [180] موضِعٌ بالعِراقِ. يُنظر: ((معجم البلدان)) للحموي (2/179). ، فأرسل إليه عليٌّ جيشًا عليه جاريةُ بنُ قُدامةَ أو حُجْرُ بنُ عَدِيٍّ، وذلك في جُمادى الآخرةِ سَنةَ 38ه، فقُتِل الأشهَبُ وأصحابُه [181] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (1/222)، ((الكامل)) لابن الأثير (3/372). .
ثمَّ خرَج سعيدٌ أو سعدُ بنُ قُفلٍ التَّيميُّ في رَجَبٍ بالبَنْدَنِيجَينِ [182] اسم بلدة تقع قرب النهروان، وهي من أعمال بغداد. يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (2/ 288). مع مائتَينِ من الخَوارِجِ، ثُمَّ ذهب إلى دَرْزَنْجانَ، وهي على فرسخَينِ من المدائِنِ، فكتب عليٌّ إلى عاملِه على المدائِنِ سعدِ بنِ مسعودٍ الثَّقَفيِّ، فخرج إليهم فقَتَل الخَوارِجَ في رجَبٍ سَنةَ 38هـ [183] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (1/222)، ((الكامل)) لابن الأثير (3/372). .
وأخيرًا خرج عليه رجلٌ من أعتى الخَوارِجِ مع جيشٍ كُلُّه من الموالي ليس فيه من العَرَبِ إلَّا رئيسُهم، وهو هذا الخارِجيُّ، ويُسَمَّى أبا مريمَ السَّعديَّ، وخمسةٌ آخَرون؛ خرج بشَهْرَزُورَ، وكان معه مائتا رجلٍ أو أربعُمائةٍ كما قيلَ، وقد اقترب من الكوفةِ لشجاعتِه حتَّى لم يَبْقَ بينَه وبينَها إلَّا مسافةٌ قريبةٌ، وقد أرسل إليه عليٌّ من يطلُبُ إليه الرُّجوعَ إلى الطَّاعةِ ودخولَ الكوفةِ، فقال: ليس بينَنا غيرُ الحربِ، فأرسل لهم عَليُّ بنُ أبي طالبٍ شُرَيحَ بنَ هانئٍ في سَبعِمائةِ رَجُلٍ، فشَدَّ عليهم الخَوارِجُ حتَّى هربوا ولم يَبْقَ إلَّا شُرَيحٌ مع مائتَينِ.
فرأى عليٌّ أن يخرُجَ بنفسِه إليهم وقَبلَ وصولِه قد أرسلَ جاريةَ بنَ قُدامةَ السَّعديَّ يحَذِّرُهم العِصيانَ والحربَ، فلم يسمَعوا منه، ولمَّا وصل إليهم عليٌّ دعاهم أيضًا إلى الطَّاعةِ والجماعةِ فأبَوا، فحَمَل عليهم عليٌّ بجيشِه فقَتَلوهم ولم يَسلَمْ منهم غيرُ خمسين رجلًا طلبوا الأمانَ، وذلك في شهرِ رَمَضانَ. وأدخل معه إلى الكوفةِ أربعين رجلًا منهم لمداواتِهم حتَّى بَرِئوا [184] يُنظر: ((الكامل)) لابن الأثير (3/373). ويُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (1/212)، ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (ص: 81). .
والملاحَظُ هنا أنَّ أولئك الخَوارِجَ الذين خرَجوا على عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه قد قضى عليهم جميعًا في سَنةِ 38هـ.

انظر أيضا: