موسوعة الفرق

المَبحَثُ الأوَّلُ: من فِرَق الخَوارِجِ: المُحَكِّمةُ


إنَّ فِرقةَ المُحَكِّمةِ هي في الواقِعِ أوَّلُ فِرَقِ الخَوارِجِ، وأساسُ الفِرَقِ التي أتت بَعدَها، كانت هذه الفِرقةُ قد انفصلت عن جيشِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه حينَ تمَّت الموافقةُ على التَّحكيمِ بَينَ عليٍّ ومعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنهما، ثُمَّ اشتدَّ انفصالُها بَعدَ أن ظهرت النَّتيجةُ في غيرِ ما كانوا يؤَمِّلون.
وحينما خرجوا إلى حَروراءَ كانوا يعامِلون المُسلِمين الذين يخالفونَهم في الرَّأيِ أبشَعَ المعاملاتِ وأقساها، فقد وصفَهم المَلَطيُّ بقولِه: (فأمَّا الفِرقةُ الأولى من الخَوارِجِ فهي المُحَكِّمةُ الذين كانوا يخرُجون بسُيوفِهم فيمن يَلحَقون من النَّاسِ، فلا يزالون يَقتُلون حتَّى يُقتَلوا، وكان الواحِدُ منهم إذا خرج للتَّحكيمِ لا يرجِعُ أو يُقتَلُ، فكان النَّاسُ منهم على وَجَلٍ وفِتنةٍ) ([93]( ((التنبيه والرد)) (ص: 51). .
وهو يقصِدُ بخُروجِ الخارِجيِّ للتَّحكيمِ أن يحمِلَ سيفَه، ثُمَّ يخرُجَ مناديًا في النَّاسِ: لا حُكمَ إلَّا للهِ. وكان أوَّلُ رئيسٍ لهم هو عبدَ اللهِ بنَ وَهبٍ الرَّاسِبيَّ الذي قاد المعركةَ ضِدَّ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه في النَّهْرَوانِ، فقُتِلوا هناك شَرَّ قِتلةٍ.
ومن أبشَعِ جرائمِهم قَتلُهم عبدَ اللهِ بنَ خبَّابٍ ابنَ صاحِبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدَ أن حَدَّثهم بحديثٍ يُوجِبُ القُعودَ عن الفِتَنِ، فذبحوه على حافَةِ النَّهرِ وبَقَروا بَطْنَ امرأتِه وكانت حُبلى! وكان الذي تولَّى قَتْلَه -فيما ذَكَر الأشعَريُّ- مِسعَرُ بنُ فَدَكيٍّ [94] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) (1/210). ، وذكر البغداديُّ أنَّه رجلٌ يُسَمَّى مِسْمَعًا [95] يُنظر: ((الفرق بين الفرق)) (ص: 77). ، ويمكِنُ الجمعُ بَينَهما بأن يقالَ: إنَّ مِسعرَ بنَ فَدَكيٍّ الذي تولى رئاسةَ الوَفدِ الذَّاهِبِ إلى البَصرةِ أمَرَ مِسمَعًا بقَتلِ عبدِ اللهِ بنِ خَبَّابٍ، فقتَلَه [96] يُنظر: ((الكامل)) لابن الأثير (3/341)، ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/390)، ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص: 93)، ((أيام العرب في الإسلام)) لإبراهيم والبجاوي (ص: 385). ، ويحتَمَلُ أنَّهما شخصٌ واحِدٌ حصل التَّصحيفُ في اسمِهما لتقارُبِهما.

انظر أيضا: