موسوعة الفرق

البابُ الثَّالثُ: أسماءُ الخَوارِجِ


حَظِيت فِرقةُ الخَوارِجِ بأسماءٍ عديدةٍ لا تكادُ تُوازيها فِرقةٌ في هذا، ومن هذه الأسماءِ ما يَقبَلونه، ومنه ما يَرفُضونه، ممَّا ألصَقه بهم خُصومُهم [51] يُنظر: ((فرق معاصرة)) (1/229)، ((الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية)) (ص: 26) كلاهما للعواجي، ((الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام)) للعقل (29- 30). بتصرُّفٍ يسيرٍ. وللاستزادة يُنظر: ((إجماع السلف في الاعتقاد كما حكاه حرب الكرماني)) لحرب (ص: 90- 94) مع تعليقات محققه الزعتري، ((منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين)) لعسيري (ص: 617- 618). .
أوَّلًا: الخَوارِجُ
يُعتَبَرُ اسمُ الخَوارِجِ أشهَرَ أسمائِهم التي لُقِّبوا بها، وهم يَقبَلون هذا الاسمَ باعتبارٍ، ويَنفونه باعتبارٍ آخَرَ؛ فيَقبَلونه على أساسِ أنَّه مأخوذٌ من قولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 100] ، وهذه تسميةُ مَدحٍ.
ويَنفونه إذا أُريدَ به أنَّهم خارِجون عن الدِّينِ، أو عن الجماعةِ، أو عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه؛ لأنَّهم يَزعُمون أنَّ خروجَهم على عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه كان أمرًا مشروعًا، بل هو الخارِجُ عليهم في نظَرِهم!
قال محمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ السَّالِميُّ الإباضيُّ: (كان اسمُ الخَوارِجِ في الزَّمانِ الأوَّلِ مَدحًا؛ لأنَّه جَمعُ خارِجةٍ، وهي الطَّائفةُ التي تخرُجُ للغَزوِ في سبيلِ اللهِ تعالى؛ قال عزَّ وجَلَّ: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة: 46] ، ثُمَّ صار ذمًّا لكثرةِ تأويلِ أحاديثِ الذَّمِّ فيمن اتَّصف بذِكرِ آخِرِ الزَّمانِ، ثُمَّ زاد استِقباحُه حينَ استبَدَّ به الأزارِقةُ والصُّفْريَّةُ؛ فهو من الأسماءِ التي اختفى سبَبُها وقَبُحت لغيرِها؛ فمِن ثُمَّ نرى الإباضيَّةَ لا يتَسَمَّون بذلك، وإنَّما يتسَمَّون بأهلِ الاستِقامةِ) [52] ((عمان تاريخ يتكلم)) (ص: 118). ويُنظر: ((الإباضية بين الفرق الإسلامية)) لمعمر (ص: 384). لكنَّ هذا المفهومَ يجعَلُ كُلَّ المجاهِدين في سبيلِ اللهِ من الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم فمَن بعدَهم خوارِجَ، وهو وصفٌ قبيحٌ لهم، إضافةً إلى ما فيه من خَلطٍ وسوءِ فَهمٍ إذا أطلَقْناها عليهم وطبَّقْنا عليهم الأحاديثَ الواردةَ في ذمِّ الخوارجِ. .
وقد أجمع مؤرِّخو الفِرَقِ على تِسميتِهم بهذا الاسمِ (الخَوارِجِ)، وإذا ذكَرهم أحدُ المُؤَلِّفين باسمٍ من أسمائِهم الأُخرى فإنَّه يُفَسِّرُه بالخَوارِجِ، أو يَذكُرُهم مرَّةً بهذا الاسمِ، ومَرَّةً أُخرى باسمِ الخَوارِجِ.
ثانيًا: الحَروريَّةُ
اسمُ الحَروريَّةِ يندَرِجُ تحتَ أسماءِ الخَوارِجِ، ويأتي بَعْدَه في المرتبةِ الثَّانيةِ، وقد ورد ذِكرُه في العديدِ من المواطِنِ والمناسَباتِ [53] يُنظر: ((فرق معاصرة)) لعواجي (1/230). .
وأصلُ الحَروريَّةِ نِسبةٌ إلى المكانِ الذي خرج فيه أسلافُهم على عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، وهو حَروراءُ قُربَ الكوفةِ. قال شاعِرُهم مقارِنًا بَينَ جَحْفِ الثَّريدِ -أي: أكْلِه- وبَينَ جَحْفِ الحَروريِّ بالسَّيفِ، أي: ضَربِه به:
ولا يستوي الجَحْفانِ جَحفُ ثَريدةٍ
وجَحفُ حَروريٍّ بأبيَضَ صارِمِ [54] ((شعراء الخوارج)) لعباس (ص: 232). .
وقد وردت هذه التَّسميةُ في قولِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها للمرأةِ التي استَشكَلَت قضاءَ الحائِضِ الصَّومَ دونَ الصَّلاةِ، فقالت لها مُستَنكِرةً عليها سُؤالَها: (أحَروريَّةٌ أنت؟!) [55] أخرجه البخاري (321)، ومُسلِم (335). .
وقد وردت هذه التَّسميةُ عن مُصعَبِ بنِ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، قال: (سألتُ أبي: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا [الكهف: 103] هم الحَروريَّةُ؟ قال: لا، هم اليهودُ والنَّصارى، أمَّا اليهودُ فكَذَّبوا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَّا النَّصارى كفَروا بالجنَّةِ، وقالوا: لا طعامَ فيها ولا شَرابَ، والحَروريَّةُ الذين يَنقُضون عهدَ اللهِ مِن بَعدِ ميثاقِه، وكان سعدٌ يُسَمِّيهم الفاسِقينَ) [56] أخرجه البخاري (4728).
وسُئِل نافعٌ: كيف كان رأيُ ابنِ عُمَرَ في الحَروريَّةِ؟ قال: (يراهم شِرارَ خَلقِ اللهِ، قال: إنَّهم انطَلَقوا إلى آياتٍ في الكُفَّارِ، فجَعَلوها على المُؤمِنين!) [57] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (6930)، وأخرجه موصولًا الطبري في ((مسند علي)) كما في ((فتح الباري)) لابن حجر (12/298)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (23/335) واللَّفظُ له. صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (12/298)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (10/233).
ثالثًا: الشُّراةُ
من ضِمنِ الأسماءِ التي لُقِّب بها الخَوارِجُ: (الشُّراةُ) [58] يُنظر: ((فرق معاصرة)) (1/230)، ((الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية)) (ص: 33) كلاهما لعواجي. .
وترجِعُ أصلُ نِسبةِ الشُّراةِ إلى الشِّراءِ الذي ذكَره اللهُ تعالى بقَولِه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: 111] .
وهم يفتَخِرون بهذه التَّسميةِ ويَسُمُّون من عداهم بذوي الجَعائِلِ، أي: يُقاتِلون من أجْلِ الجُعلِ الذي بُذِل لهم، أما هم الشُّراةُ، فقد باعوا أنفُسَهم للهِ تعالى!
قال الأشعَريُّ: (الذي له سُمُّوا شُراةً: قَولُهم: شَرَينا أنفُسَنا في طاعةِ اللهِ، أي: بِعْناها بالجنَّةِ!) [59] ((مقالات الإسلاميين)) (1/207). .
رابعًا: المارِقةُ
سُمِّي الخَوارِجُ بالمارِقةِ لانطباقِ أحاديثِ المُروقِ الواردةِ في (الصَّحيحَينِ) في مُروقِهم من الدِّينِ كمُروقِ السَّهمِ من الرَّميَّةِ، عليهم.
وعن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((سيَخرجُ قومٌ في آخِرِ الزَّمانِ، حِداثُ الأسنانِ، سُفَهاءُ الأحلامِ، يقولونَ من خيرِ قَولِ البَريَّةِ، لا يجاوِزُ إيمانُهم حناجِرَهم، يَمرُقون من الدِّينِ كما يَمرُقُ السَّهمُ من الرَّميَّةِ، فأينما لَقِيتُموهم فاقتُلوهم؛ فإنَّ في قَتْلِهم أجرًا لِمن قتلَهم يومَ القيامةِ )) [60] أخرجه البخاري (6930) واللَّفظُ له، ومُسلِم (1066). .
قال الأشعَريُّ: (هم يَرضَون بهذه الألقابِ كُلِّها إلَّا بالمارقةِ؛ فإنَّهم يُنكِرون أن يكونوا مارِقةً من الدِّينِ كما يَمرُقُ السَّهمُ من الرَّميَّةِ) [61] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) (1/111). ويُنظر: ((الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية)) لعواجي (ص: 35). .
وروى أبو الحُسَينِ المَلَطيُّ إجماعَ الأمَّةٍ إجماعًا لا يختَلِفُ فيه ناقِلٌ ولا راوٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سمَّاهم مارِقةً، وفَسَّر المارِقةَ بأنَّهم يَمرُقون من الدِّينِ كما يَمرُقُ السَّهمُ من الرَّميَّةِ [62] يُنظر: ((التنبيه والرد)) (ص: 54). ، وربَّما كان مُستَنَدُه في حكايةِ هذا الإجماعِ وَصْفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للخارِجين بالمُروقِ، وانطباقَ أوصافِهم على هؤلاء الخَوارِجِ، كما ظهر ذلك لعليٍّ والمُسلِمين معه رَضِيَ اللهُ عنهم.
قال صَعْصَعةُ بنُ صُوحانَ مِن خُطبتِه أمامَ جَمعٍ من قومِه يَذُمُّ الخَوارِجَ في كلامٍ طويلٍ: (ولا قومَ أعدى لله ولكم ولأهلِ بَيتِ نَبيِّكم ولجماعةِ المُسلِمين من هذه المارقةِ) [63] ((تاريخ الرسل والملوك)) للطبري (5/186). .
وقال الشَّهْرَسْتانيُّ: (هم المارِقةُ الذين اجتَمَعوا بالنَّهْرَوانِ) [64] ((الملل والنحل)) (1/115). .
خامسًا: الـمُحَكِّمةُ
سُمِّي الخَوارِجُ بالمُحَكِّمةِ، ولعَلَّها من أوائِلِ الأسماءِ التي أُطلِقَت عليهم [65] يُنظر: ((الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية)) (ص: 35)، ((فرق معاصرة)) (1/231) كلاهما لعواجي. .
وقد قيل: إنَّ السَّببَ في إطلاقِه عليهم إمَّا لرَفضِهم تحكيمَ الحَكَمينِ، وإمَّا لتَردادِهم كَلِمةَ (لا حُكمَ إلَّا للهِ) [66] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (1/217). ، وهو الرَّاجِحُ، وهي كَلِمةُ حَقٍّ أريدَ بها باطِلٌ، ولا مانِعَ أن يُطلَقَ عليهم هذا الاسمُ لكِلا الأمرَينِ، غيرَ أنَّ السَّبَبَ الأوَّلَ ينبغي فيه مَعرِفةُ أنَّ الخَوارِجَ هم الذين فرَضوه أوَّلًا، وهم يَفتَخِرون بهذه التَّسميةِ، كما قال شاعِرُهم شُبَيلُ بنُ عَزْرةَ:
حَمَدْنا اللهَ ذا النَّعماءِ أَنَّا
نُحَكِّمُ ظاهِرين ولا نُبالي [67] ((شعراء الخوارج)) لعباس (ص: 209).
وقد صارت هذه الكَلِمةُ (لا حُكمَ إلَّا للهِ) شِعارًا لهم عِندَما يريدونَ الخروجَ عن طاعةِ الوُلاةِ، أو الهُجومَ على خُصومِهم في المعركةِ، فكانت إنذارًا شديدَ الخطورةِ لِمن تقالُ له، وهم يَفخَرون بهذا الاسمِ على خُصومِهم، كما قال سُمَيرةُ بنُ الجَعدِ الخارِجيُّ في وَصفِ الخَوارِجِ [68] ((شعراء الخوارج)) لعباس (ص: 123). :
ينادونَ بالتَّحكيمِ للهِ إنَّهم
رأوا حُكمَ عَمرٍو كالرِّياحِ الهوائِجِ
وحُكْمُ ابنِ قَيسٍ مِثلُ ذاك فأعصَموا
بحَبلٍ شديدِ المتنِ ليس بناهِجِ
سادِسًا: النَّواصِبُ
تسميتُهم بالنَّواصِبِ لمبالغتِهم في نَصبِ العداءِ لعَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه [69] يُنظر: ((فرق معاصرة)) لعواجي (1/231). .
سابعًا: أهلُ النَّهْرَوانِ
وهذه التَّسميةُ جاءت نِسبةً إلى المكانِ الذي قاتلَهم فيه عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه [70] يُنظر: ((الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام)) للعقل (ص: 29). .
ثامنًا: المُكَفِّرةُ
وذلك لأنَّهم يُكَفِّرون بالكبائِرِ ويُكَفِّرون مَن خالفهم من المُسلِمين، وهذا وصفٌ لكُلِّ مَن نهَج هذا النَّهجَ في كُلِّ زمانٍ [71] يُنظر: ((الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام)) للعقل (ص: 30). .
تاسعًا: السَّبئيَّةُ
وذلك لأنَّ مَنشَأَهم من الفتنةِ التي أوقدَها ابنُ سَبَأٍ اليَهوديُّ، وهذا وصفٌ لأصولِ الخَوارِجِ الأوَّلين ورُؤوسِهم [72] يُنظر: ((الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام)) للعقل (ص: 30). .
عاشِرًا: الشَّكَّاكيَّةُ
وذلك أنَّهم لَمَّا رفضوا التَّحكيمَ قالوا لعَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: (شكَكْتَ في أمرِك وحَكَّمْتَ عَدُوَّك من نَفْسِك)، فسُمُّوا بذلك الشَّكَّاكيَّةَ [73] يُنظر: ((البرهان)) للسكسكي (ص: 17). ويُنظر أيضًا: ((الصحابة بين الفرقة والفرق)) للسويلم (ص: 402). .

انظر أيضا: