موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: قَولُ الجَهْميَّةِ بإنكارِ رُؤيةِ اللهِ تعالى في الآخرةِ


يرى الجَهْميَّة أنَّ اللهَ تعالى لا يُرى في الدُّنيا ولا في الآخرةِ، وقد نُقِل ذلك عنهم، ودَفَع العُلَماءُ مقالتَهم الباطلةَ.
قال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: (فقُلْنا لهم: لمَ أنكَرْتُم أنَّ أهلَ الجنَّةِ يَنظُرونَ إلى ربِّهم؟ فقالوا: لا ينبغي لأحَدٍ أن ينظُرَ إلى ربِّه؛ لأنَّ المنظورَ إليه معلومٌ موصوفٌ، لا يُرى إلَّا شيءٌ يفعَلُه) [244] ((الرد على الجهمية والزنادقة)) (ص: 129). .
وقال أيضًا: (فقالوا: إنَّ اللهَ لا يُرى في الدُّنيا ولا في الآخرةِ... فأيُّهما أَولى أن نتَّبعَ: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ قال: ((إنَّكم ستَرَونَ ربَّكم )) [245] أخرجه البخاري (554)، ومسلم (633) من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه. أو قَولُ الجَهْميِّ حينَ قال: لا تَرَونَ رَبَّكم؟) [246] ((الرد على الجهمية والزنادقة)) (ص: 132). .
قال سُفيانُ بنُ عُيَينةَ: (مَن لم يَقُلْ: إنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، وإنَّ اللهَ ‌يُرى ‌في الجنَّةِ، فهو جَهْميٌّ) [247] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (3/ 558). .
وقال الآجُريُّ: (إن اعتَرَض جاهِلٌ ممَّن لا عِلمَ معه، أو بعضُ هؤلاء ‌الجَهْميَّةِ الذين لم يُوفَّقوا للرَّشادِ، ولَعِبَ بهم الشَّيطانُ، وحُرِموا التوفيقَ، فقال: المُؤمِنونَ يَرَونَ اللهَ يومَ القيامةِ؟ قيلَ له: نعَمْ، والحَمدُ للهِ تعالى على ذلك، فإن قال ‌الجَهْميُّ: أنا لا أؤمِنُ بهذا. قيل له: ‌كفَرتَ ‌باللهِ ‌العظيمِ) [248] ((الشريعة)) (2/ 976). .
وقال ابنُ تيميَّةَ وهو يَعرِضُ أقوالَ الفِرَقِ في رؤيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ: (قَولُ نُفاةِ الجَهْميَّةِ: إنَّه لا يُرى في الدُّنيا ولا في الآخِرةِ) [249] ((مجموع الفتاوى)) (2/ 337). .
وقال أيضًا: (قَولُ ‌الجَهْميَّةِ ومن وافقَهم من المُعتَزِلة والمُتفلسِفةِ وغَيرِهم: إنَّه لا يُرى بحالٍ، بل رؤيتُه ممتَنِعةٌ عِندَهم) [250] ((بُغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية)) (ص: 472). .
وقد روى عن الجَهْمِ أنَّه قال للسُّمَنِيَّةِ: (ألستُم تَزعُمونَ أنَّ في أجسادِكم أرواحًا؟ قالوا: نعم. قال: هل رأيتُم أرواحَكم؟ قالوا: لا. قال: أفسَمِعتُم كلامَها؟ قالوا: لا. قال: أفشَمِمْتُم لها رائحةً؟ قالوا: لا. قال جَهْمٌ: فكذلك اللهُ عزَّ وجلَّ، لا ‌يُرى ‌في ‌الدُّنيا ولا في الآخرةِ، وهو في كلِّ مكانٍ، لا يكونُ في مكانٍ دونَ مكانٍ!) [251] يُنظر: ((الإبانة الكبرى)) لابن بطة (6/ 88). .
وحلَّل ابنُ تيميَّةَ سبَبَ تقلُّدِ الجَهْميَّةِ ومن تابعَهم لهذه المقالةِ، فأرجعَها إلى شُبهتِهم الأصليَّةِ في نَفيِ الصِّفاتِ بشُبهةِ "التَّجسيمِ"، فقال: (الجَهْميَّةُ والمُعتَزِلةُ يقولونَ: من أثبَت للهِ الصِّفاتِ، وقال: إنَّ اللهَ ‌يُرى ‌في الآخرةِ، والقُرآنُ كلامُ اللهِ ليس بمخلوقٍ، فإنَّه مجسِّمٌ مُشبِّهٌ، والتجسيمُ باطِلٌ، وشُبهتُهم في ذلك أنَّ الصِّفاتِ أعراضٌ لا تقومُ إلَّا بجِسمٍ، وما قام به الكلامُ وغيرُه من الصِّفاتِ لا يكونُ إلَّا جِسمًا، ولا يُرى إلَّا ما هو جِسمٌ أو قائِمٌ بجسمٍ) [252] ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 107). .

انظر أيضا: