موسوعة الفرق

المَبحَثُ الأوَّلُ: تحديدُ الفِرَقِ المُنتسِبةِ للإسلامِ بالعَددِ والتَّعيينِ


عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ليأتيَنَّ على أمَّتي ما أتى على بني إسرائيلَ مِثلًا بمِثلٍ حَذوَ النَّعلِ بالنَّعلِ، حتَّى لو كان فيهم مَن نكَح أمَّه علانيَةً كان في أمَّتي مِثلُه، إنَّ بني إسرائيلَ افتَرقوا على إحدى وسبعينَ مِلَّةً، وتفترِقُ أمَّتي على ثلاثٍ وسبعينَ مِلَّةً كُلُّها في النَّارِ إلَّا مِلَّةً واحِدةً، فقيل له: ما الواحِدةُ؟ قال: ما أنا عليه اليومَ وأصحابي )) [3] أخرجه الترمذي (2641)، والطبراني (14/53) (14646)، والحاكم (444) واللَّفظُ له. حسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2641)، وجوَّد إسنادَه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/284)، وذكر ثبوتَه البَغَوي في ((شرح السنة)) (1/185). .
قال الشَّهْرَسْتانيُّ: (اعلَمْ أنَّ لأصحابِ المقالاتِ طُرقًا في تعديدِ الفِرَقِ الإسلاميَّةِ، لا على قانونٍ مُستنِدٍ إلى أصلٍ ونَصٍّ، ولا على قاعِدةٍ مُخبِرةٍ عن الوُجودِ، فما وجدْتُ مُصنِّفين منهم مُتَّفِقين على مِنهاجٍ واحِدٍ في تعديدِ الفِرَقِ، ومِن المعلومِ الذي لا مِراءَ فيه أنَّه ليس كُلُّ مَن تميَّز عن غَيرِه بمقالةٍ ما في مسألةٍ ما عُدَّ صاحِبَ مقالةٍ، وإلَّا فتكادُ تخرُجُ المقالاتُ عن حدِّ الحَصرِ والعَدِّ...، وما وجدْتُ لأحدٍ مِن أربابِ المقالاتِ عنايةً بتقريرِ هذا الضَّابِطِ، إلَّا أنَّهم استرسَلوا في إيرادِ مذاهِبِ الأمَّةِ كيفما اتَّفَق، وعلى الوَجهِ الذي وُجِد، لا على قانونٍ مُستقِرٍّ وأصلٍ مُستمِرٍّ) [4] ((المِلَل والنِّحَل)) (1/14). .
فقد اختلَفَت أقوالُ العُلَماءِ في عَدِّ تلك الفِرَقِ؛ فإنَّ فُروعَها تصِلُ إلى أكثَرَ مِن هذا العَددِ، فهل تُعَدُّ الأصولُ معَ الفُروعِ؟ أو الأصولُ فقط؟ أو الفُروعُ فقط؟
فذهَب بعضُ العُلَماءِ إلى أنَّ العددَ الوارِدَ في الحديثِ: ((ثلاثٍ وسبعينَ)) غَيرُ مُرادٍ لِذاتِه، بل المُرادُ منه التَّكثيرُ لا الحَصرُ، والمعنى: أنَّ هذه الأمَّةَ ستفترِقُ فِرَقًا كثيرةً، وتزيدُ في التَّفرُّقِ عن اليهودِ وعن النَّصارى [5] يُنظر: ((أصول الدين)) للبزدوي (ص: 262)، ((الفرق الإسلامية)) لمحمود مزروعة (ص: 31، 35)، ((مقدمة في دراسة الفرق الإسلامية)) للمسير (ص: 47). .
وكثيرٌ مِن العُلَماءِ رأى أنَّ العددَ مُرادٌ، ولكن اختلَفوا في مَوقِفِهم مِن العددِ الوارِدِ؛ فمنهم مَن حاوَل حَصرَ أقوالِ الفِرَقِ بهذا العددِ، وعمِل على تعيينِ الثَّلاثِ والسَّبعينَ فِرقةً بأسمائِها، بل إنَّه بنى تأليفَ كتابِه وتقسيمَه للفِرَقِ على العددِ الوارِدِ في الحديثِ [6] يُنظر مثلًا: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي، ((التبصير في الدين)) لأبي المظفر الأسْفَرايني، ((الملل والنحل)) للشَّهْرستاني، ((البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان)) للسَّكْسَكي. .
ومِن العُلَماءِ مَن عدَّد الفِرَقَ وعيَّنها، ولكنَّه لم يكتَفِ بالعددِ الوارِدِ في الحديثِ، بل زاد عليه، ومِن هؤلاء الرَّازيُّ في كتابِه "اعتِقاداتُ فِرَقِ المُسلِمينَ والمُشرِكينَ"؛ حيث زاد على 73 فِرقةً، واعتذَر عن ذلك بقولِه: (فإن قيل: إنَّ هذه الطَّوائِفَ التي عدَدْتَهم أكثَرُ مِن ثلاثٍ وسبعينَ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُخبِرْ بأكثَرَ، فكيف ينبغي أن يُعتقَدَ في ذلك؟ والجوابُ عن هذا: أنَّه يجوزُ أن يكونَ مُرادُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن ذِكرِ الفِرَقِ: الفِرقَ الكبارَ، وما عدَدْنا مِن الفِرَقِ ليست مِن الفِرَقِ العظيمةِ، وأيضًا: فإنَّه أخبَر أنَّهم يكونونَ على ثلاثٍ وسبعينَ فِرقةً، فلم يَجُزْ أن يكونوا أقَلَّ، وأمَّا إن كانت أكثَرَ فلا يَضُرُّ ذلك، كيف ولم نذكُرْ في هذا المُختصَرِ كثيرًا مِن الفِرَقِ المشهورةِ؟) [7] ((اعتقادات فرق المسلمين والمشركين)) (ص: 101). .
وممَّن ذكَر العددَ وزاد عليه -وإن كان لم يُعيِّنِ الفِرَقَ بأسمائِها- البَرْبَهاريُّ؛ حيثُ قال: (اعلَموا -رحمكم اللهُ- أنَّ أصولَ البِدَعِ أربعةُ أبوابٍ: انشعَب مِن هذه الأربعةِ اثنانِ وسبعونَ هوًى، ثُمَّ يصيرُ كُلُّ واحِدٍ مِن البِدَعِ يتشعَّبُ حتَّى تصيرَ كُلُّها إلى ألفينِ وثمانِمائةِ قالةٍ، وكُلُّها ضلالةٌ، وكُلُّها في النَّارِ إلَّا واحِدةً) [8] ((شرح السنة)) (ص: 99). .
وأمَّا أبو الحَسنِ الأشعَريُّ فقد أعرَض عن ذِكرِ حديثِ الافتِراقِ، فلم يُشِرْ إليه لا اعتِراضًا ولا تأييدًا، وإن كان قد ذهَب إلى أنَّ أمَّهاتِ الفِرَقِ عشَرةُ أصنافٍ، وعدَّد مَن تشعَّب منها، وعيَّنها بأسمائِها، حتَّى زاد عن الثَّمانينَ فِرقةً، فلم يُقيِّدْ نَفسَه ويحصُرْ تَعدادَه بالثَّلاثِ والسَّبعينَ فِرقةً كما ورَد؛ لأنَّه لم يُشِرْ إلى هذا الحديثِ، ولم يُبيِّنْ تأليفَه في المقالاتِ على أساسِه كسائِرِ المُؤلِّفينَ في الفِرَقِ [9] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) (1/65). .
ومِن العُلَماءِ مَن قَبِلَ حديثَ الافتِراقِ، وذكَر أنَّ العددَ مُرادٌ، ولكنَّه اعترَض على تعيينِ الفِرَقِ الثَّلاثِ والسَّبعينَ، وتعيينِها بأسمائِها، وإن كان أغلَبُهم عيَّن أصولَ هذه الفِرَقِ وأمَّهاتِها.
قال الطُّرْطُوشيُّ بَعدَ أن ذكَر حديثَ الافتِراقِ: (واعلَمْ أنَّ هذا الحديثَ قد طاشت فيه أحلامُ الخَلقِ، وفي معرفةِ هذه الفِرَقِ، وهل كمَلوا بَعدُ أم لا) [10] ((الحوادث والبدع)) (ص: 33). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (وأمَّا تعيينُ هذه الفِرَقِ فقد صنَّف النَّاسُ فيهم مُصنَّفاتٍ، وذكروهم في كُتبِ المقالاتِ، لكنَّ الجَزمَ بأنَّ هذه الفِرقةَ الموصوفةَ هي إحدى الثِّنتينِ والسَّبعينَ لا بُدَّ له مِن دليلٍ؛ فإنَّ اللهَ حرَّم القولَ بلا عِلمٍ) [11] ((مجموع الفتاوى)) (3/215). .
وقد بيَّن ابنُ الجَوزيِّ أنَّ معرفتَنا مقصورةٌ على معرفةِ الافتِراقِ وأصولِه فحسْبُ، دونَ الإحاطةِ بالأسماءِ، فقال: (إنَّا نعرِفُ الافتِراقَ وأصولَ الفِرَقِ، وأنَّ كُلَّ طائِفةٍ مِن الفِرَقِ قد انقسمَت إلى فِرَقٍ، وإن لم نُحِطْ بأسماءِ تلك الفِرَقِ ومذاهِبِها) [12] ((تلبيس إبليس)) (ص: 28). .
والاعتِراضُ على مَن عيَّن أسماءَ الفِرَقِ وحصَرها في العددِ مِن عدَّةِ وُجوهٍ؛ منها:
أوَّلًا: أنَّ في هذا التَّعيينِ تكلُّفًا لمُطابَقةِ العددِ الوارِدِ، معَ عَدمِ القطعِ بأنَّه المُرادُ؛ إذ ليس على ذلك دليلٌ شرعيٌّ [13] يُنظر: ((الاعتصام)) للشاطبي (ص: 481، 484). ، وهذا التَّكلُّفُ واقِعٌ مِن جميعِ مَن حصَر الفِرَقَ وعيَّنها؛ فبعضُهم يجعَلُ الفِرقةَ الواحِدةَ فِرَقًا؛ ليُوافِقَ العددَ، وبعضُهم يُعرِضُ عن بعضِ الفِرَقِ، أو يضُمُّها إلى أخرى تُخالِفُها مُتكلِّفًا ذلك؛ ليَتمَّ له العددُ الوارِدُ.
ثانيًا: أنَّ الحديثَ النَّبويَّ في الافتِراقَ لم يُحدِّدِ الزَّمنَ لظُهورِ تلك الفِرَقِ، وأخبَر أنَّها ستفترِقُ، فتحديدُها بعَصرِ المُؤلِّفِ وإغلاقُ بابِ حُدوثِ الافتِراقِ أمرٌ مُعترَضٌ؛ إذ ما تزالُ الفِرَقُ تحدُثُ معَ مُرورِ الأزمنةِ إلى قيامِ السَّاعةِ [14] يُنظر: ((الاعتصام)) للشاطبي (ص: 484، 489)، ((الحوادث والبدع)) للطُّرْطوشي (ص: 36). .
والشَّاطِبيُّ يرى أنَّ عدمَ التَّعيينِ أولى؛ لأسبابٍ:
1- أنَّ الشَّريعةَ لم تُعيِّنْ أسماءَهم، إنَّما أشارَت إلى أوصافِهم ليُحذَرَ منهم.
2- أنَّ عَدمَ التَّعيينِ فيه سَترٌ على الأمَّةِ، ونحن مأمورونَ بالسَّترِ على المُؤمِنينَ ما لم تَبدُ لنا صَفْحةُ الخلافِ؛ فالتَّعيينُ بالأسماءِ وعَدمُ السَّترِ يدعو إلى الفُرقةِ، ويورِثُ العداوةَ، وعليه يكونُ السُّكوتُ أَولى إلَّا في حالَينِ:
الحالُ الأولى: أن تكونَ البِدعةُ فاحِشةً جدًّا؛ كبِدعةِ الخوارِجِ، وقد نبَّه الشَّارِعُ إلى أوصافِهم.
الحالُ الثَّانيةُ: أن تكونَ الفِرقةُ داعِيةً إلى ضلالتِها وتزيينِها في قُلوبِ العامَّةِ؛ فهؤلاء لا بُدَّ مِن ذِكرِهم؛ إذ ضَررُهم على المُسلِمينَ كبيرٌ [15] يُنظر: ((الاعتصام)) (ص: 484، 489)، باختصارٍ وتصرُّفٍ. .
3- أنَّ الفِرَقَ المُخالِفةَ ذُكِرَت في الحديثِ عددًا على سبيلِ الإجمالِ، وعُيِّنَت الفِرقةُ النَّاجيةُ، وصُرِّح باسمِها ووَصفِها، وهذا هو ما فعَله الصَّحابةُ، وسألوا عنه رضِي اللهُ عنهم؛ إذ لم يستفصِلوا عن الفِرَقِ المُخالِفةِ؛ فالسُّبُلُ والضَّلالاتُ تتلوَّنُ في كُلِّ عَصرٍ ومِصرٍ، بل سألوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الفِرقةِ النَّاجيةِ؛ ليسيروا على نَهجِها، وينضمُّوا تحتَ لوائِها.
وذلك لا يعني عَدمَ الاهتِمامِ بالفِرَقِ المُبتدِعةِ المُخالِفةِ، وعَدمَ معرفتِها، بل أمرَنا باستبانةِ سبيلِ المُجرِمينَ، كما قال سبحانَه: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام: 55] ، وكان حُذَيفةُ رضِي اللهُ عنه يسألُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الشَّرِّ مخافةَ أن يُدرِكَه ويقعَ فيه [16] لفظُه: عن حذيفةَ بنِ اليمانِ رَضِي اللهُ عنه يقولُ: ((كان النَّاسُ يسألونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الخيرِ، وكنْتُ أسألُه عن الشَّرِّ مخافةَ أن يُدرِكَني، فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا في جاهليَّةٍ وشرٍّ، فجاءنا اللهُ بهذا الخيرِ، فهل بَعدَ هذا الخيرِ مِن شرٍّ؟ قال: نعَم، قلْتُ: وهل بَعدَ ذلك الشَّرِّ مِن خيرٍ؟ قال: نعَم، وفيه دَخَنٌ، قلْتُ: وما دَخَنُه؟ قال: قومٌ يهدونَ بغَيرِ هَدْيِي، تعرِفُ منهم وتُنكِرُ، قلْتُ: فهل بَعدَ ذلك الخيرِ مِن شرٍّ؟ قال نعَم، دُعاةٌ على أبوابِ جهنَّمَ، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها، قلْتُ: يا رسولَ اللهِ، صِفْهم لنا، قال: هم مِن جِلْدتِنا، ويتكلَّمونَ بألسِنتِنا. فما تأمُرُني إن أدرَكني ذلك؟ قال تلزَمُ جماعةَ المُسلِمينَ وإمامَهم، قلْتُ: فإن لم يكنْ لهم جماعةٌ ولا إمامٌ؟ قال: فاعتزِلْ تلك الفِرَقَ كُلَّها، ولو أن تَعَضَّ بأصلِ شجرةٍ حتَّى يُدرِكَك الموتُ وأنت على ذلك). أخرجه البخاري (3606) واللَّفظُ له، ومسلم (1847). ؛ فمعرفةُ الفِرَقِ الضَّالَّةِ والفِرَقِ المُبتدِعةِ الهالِكةِ مطلوبةٌ للحَذرِ منها، ولخَشيةِ الوُقوعِ فيها، ولكن ينبغي ألَّا يطغى ذلك على الأصلِ، أي: لا تطغى معرفةُ أقوالِ الفِرَقِ على معرفةِ الصِّراطِ المُستقيمِ، وقولِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ.
وأهمُّ ما ينبغي معرفتُه عن طرائِقِ أهلِ الضَّلالةِ أمورٌ:
أوَّلًا: العِلمُ بالأصولِ التي ينطلِقونَ منها، والمناهِجِ التي يَسلكونَها.
ثانيًا: معرفةُ أسبابِ زَيغِها وانحِرافِها.
ثالثًا: الرَّدُّ عليها، وبيانُ فسادِها.
رابعًا: تحذيرُ الأمَّةِ مِن غوائِلِها وأضرارِها.
وينبغي التَّنبُّهُ إلى أمرٍ مُهمٍّ، وهو: أنَّ غالِبَ مَن صنَّف في الفِرَقِ هم مِن أهلِ الكلامِ الذين لم يكونوا يعرِفونَ قولَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، ولم يذكُروه؛ فينبغي الحَذرُ وعَدمُ الاعتِمادِ على هذه الكُتبِ في معرفةِ قولِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، إلَّا مَن عُرِف أنَّه منهم، وعارِفٌ بقولِهم.
وقد قال ابنُ تيميَّةَ مُنتقِدًا كُتبَ الفِرَقِ المُصنَّفةِ مِن قِبَلِ أهلِ الكلامِ: (هذا موجودٌ في عامَّةِ الكُتبِ المُصنَّفةِ في المقالاتِ والمِلَلِ والنِّحَلِ، مِثلُ كتابِ أبي عيسى الورَّاقِ، والنُّوبَخْتيِّ، وأبي الحَسنِ الأشعَريِّ، والشَّهْرَسْتانيِّ؛ تجِدُهم يذكرونَ مِن أقوالِ اليهودِ والنَّصارى والفلاسفةِ وغَيرِهم مِن الكُفَّارِ، ومِن أقوالِ الخوارِجِ والشِّيعةِ والمُعتزِلةِ والمُرجِئةِ والكُلَّابيَّةِ والكَرَّاميَّةِ والمُجسِّمةِ والحَشَويَّةِ أنواعًا مِن المقالاتِ.
والقولُ الذي جاء به الرَّسولُ، وكان عليه الصَّحابةُ والتَّابِعونَ وأئمَّةُ المُسلِمينَ؛ لا يعرفونَه ولا يذكرونَه) [17] ((درء تعارض العقل والنقل)) (9/67). .
ثُمَّ بيَّن ماذا يُستفادُ مِن هذه الكُتبِ، فقال: (هؤلاء كلامُهم نافِعٌ في معرفةِ تناقُضِ المُعتزِلةِ وغَيرِهم، ومعرفةِ فسادِ أقوالِهم، وأمَّا معرفةُ ما جاء به الرَّسولُ، وما كان عليه الصَّحابةُ والتَّابِعونَ؛ فمعرفتُهم بذلك قاصِرةٌ) [18] ((درء تعارض العقل والنقل)) (7/36). .
وقيَّم ابنُ تيميَّةَ بعضًا مِن الكُتبِ المُصنَّفةِ في المقالاتِ، فقال: (كتابُ مقالاتِ الإسلاميِّينَ للأشعَريِّ أجمَعُ كتابٍ رأَيتُه في هذا الفَنِّ، وقد ذكَر ما ذكَر أنَّه مقالةُ أهلِ السُّنَّةِ والحديثِ، وأنَّه يختارُها، وهي أقرَبُ ما ذكَره مِن المقالاتِ إلى السُّنَّةِ والحديثِ، لكنَّ فيه أمورًا لم يَقُلْها أحدٌ مِن أهلِ السُّنَّةِ والحديثِ، ونَفسُ مقالتِهم لم يكنْ يعرِفُها ولا هو خبيرٌ بها، وهو أعلَمُ بمقالاتِ المُختلِفينَ وأوسَعُ عِلمًا، والشَّهْرَسْتانيُّ أعلَمُ باختِلافِ المُختلِفينَ ومقالاتِهم مِن الغزاليِّ) [19] ((النبوات)) (2/631/632) باختصارٍ وتصرُّف. ويُنظر: ((منهاج السنة)) له (5/275، 279). .
ولْيُعلَمْ أنَّ التَّأليفَ في شأنِ الفِرَقِ يحتاجُ إلى إثباتِ ما نُقِل عن الفِرقةِ إليها، والتَّأكُّدِ مِن نِسبتِه، وأخذِ ذلك مِن مصادِرِه الموثوقةِ، ثُمَّ فَهمِه على الوَجهِ الصَّحيحِ، ثُمَّ نَقدِ آراءِ تلك الفِرقةِ، معَ لُزومِ الإنصافِ والصِّدقِ، والتَّجرُّدِ عن الهوى والعَصبيَّةِ.

انظر أيضا: