موسوعة الفرق

المَطلَبُ الخامِسُ: من أوجُهِ الرَّدِّ على الجَهْميَّةِ في قَولِهم بَخلقِ القُرآنِ: ما أورَده عبدُ العزيزِ الكِنانيُّ على بِشرٍ المِرِّيسيِّ في هذه المسألةِ


قال الكِنانيُّ مُلزِمًا لبِشرٍ والجَهْميَّةِ، وعمومِ من قال بخَلقِ القُرآنِ: إمَّا (أن تقولَ: إنَّ اللهَ خلَق كلامَه في نفسِه، أو خَلَقه في غيرِه، أو خلَقَه قائمًا بذاتِه.
فإن قال: إنَّ اللهَ خلَق كلامَه في نفسِه، فهذا محالٌ لا يجِدُ السَّبيلَ إلى القَولِ به من قياسٍ ولا نظَرٍ معقولٍ؛ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يكونُ مكانًا للحوادثِ، ولا يكونُ فيه شيءٌ مخلوقٌ، ولا يكونُ ناقصًا فيزيدُ فيه شيءٌ مخلوقٌ، ولا يكونُ ناقصًا فيزيدُ فيه شيءٌ إذا خلَقَه، تعالى اللهُ عن ذلك وجَلَّ وتعاظَمَ.
وإن قال: خلَقَه في غيرِه، فيلزَمُه في النَّظَرِ والقياسِ أنَّ كُلَّ كلامٍ خلقه اللهُ في غيرِه هو كلامُ اللهِ لا يقدِرُ أن يُفرِّقَ بينهما، فيجعَلُ الشِّعرَ كلامًا للهِ تعالى، ويجعَلُ قَولَ الكُفرِ والفُحشِ وكُلَّ قَولٍ ذَمَّه اللهُ وذَمَّ قائلَه كلامًا للهِ عزَّ وجلَّ، وهذا محالٌ لا يجِدُ السَّبيلَ إليه ولا إلى القَولِ به؛ لظُهورِ الشَّناعةِ والفضيحةِ على قائِلِه، تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
وإن قال: خلَقَه قائمًا بنَفسِه وذاتِه، وهذا هو المحالُ الباطِلُ الذي لا يجِدُ إلى القَولِ به سبيلًا في قياسٍ ولا نظَرٍ ولا معقولٍ؛ لأنَّه لا يكونُ الكلامُ إلَّا من مُتكلِّمٍ، كما لا تكونُ الإرادةُ إلَّا من مُريدٍ، ولا العِلمُ إلَّا من عالمٍ، ولا القُدرةُ إلَّا من قادرٍ، ولا رُئيَ ولا يُرَى كلامٌ قَطُّ قائمٌ بنفسِه يتكَلَّمُ بذاتِه، وهذا ما لا يُعقَلُ ولا يُعرَفُ ولا يَثبُتُ في نظَرٍ ولا قياسٍ ولا غيرِ ذلك، فلمَّا استحال من هذه الجِهاتِ أن يكونَ مخلوقًا ثبت أنَّه صفةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، وصفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ كلُّها غيرُ مخلوقةٍ؛ فبطَلَ قَولُ بِشْرٍ) [226] ((الحيدة والاعتذار في الردِّ على من قال بخلق القرآن)) (ص: 83). .

انظر أيضا: