موسوعة الفرق

المَطلَبُ الرَّابعُ: من أوجُهِ الرَّدِّ على الجَهْميَّةِ في قولِهم بَخلقِ القُرآنِ: استلزامُ ذلك للقَولِ بالحُلولِ والاتِّحادِ والجُحودِ والتَّعطيلِ


قال ابنُ تيميَّةَ: (الجَهْميَّةُ نُفاةُ الصِّفاتِ تارةً يقولونَ بما يستلزِمُ الحُلولَ والاتحادَ، أو يُصَرِّحون بذلك، وتارةً بما يستلزِمُ الجُحودَ والتَّعطيلَ؛ فنفاتُهم لا يعبُدونَ شيئًا، ومُثبِتتُهم يَعبُدونَ كُلَّ شيءٍ!) [223] ((مجموع الفتاوى)) (6/ 39). .
وقال أيضًا: (لَمَّا فَهِم السَّلَفُ حقيقةَ مَذهَبِ هؤلاء وأنَّه يقتضي تعطيلَ الرِّسالةِ -فإنَّ الرُّسُلَ إنَّما بُعِثوا ليُبلِّغوا كلامَ اللهِ- بل يقتضي تعطيلَ التوحيدِ؛ فإنَّ من لا يتكَلَّمُ ولا يقومُ به علمٌ ولا حياةٌ هو كالمواتِ، بل من لا تقومُ به الصِّفاتُ فهو عَدَمٌ محضٌ؛ إذ ذاتٌ لا صِفةَ لها إنَّما يمكِنُ تقديرُها في الذِّهنِ لا في الخارجِ، كتقديرِ وُجودٍ مُطلَقٍ لا يتعيَّنُ ولا يتخصَّصُ. فكان قولُ هؤلاء مُضاهيًا لقولِ المُتفلسِفةِ الدَّهْريَّةِ الذين يجعَلونَ وُجودَ الرَّبِّ وُجودًا مطلقًا بشرطِ الإطلاقِ لا صِفةَ له، وقد عُلِم أنَّ المُطلَقَ بشَرطِ الإطلاقِ لا يوجَدُ إلَّا في الذِّهنِ، وهؤلاء الدَّهْريَّةُ يُنكِرونَ أيضًا حقيقةَ تكليمِه لموسى، ويقولونَ: إنَّما هو فَيضٌ فاض عليه من العَقلِ الفعَّالِ، وهكذا يقولونَ في الوَحيِ إلى جميعِ الأنبياءِ، وحقيقةُ قولِهم أنَّ القرآنَ قولُ البشَرِ لكنَّه صدَرَ عن نَفسٍ صافيةٍ شريفةٍ، وإذا كانت المُعتَزِلةُ خيرًا من هؤلاء وقد كفَّر السَّلَفُ مَن يقولُ بقولهم، فكيف هؤلاء؟! وكلامُ السَّلَفِ والأئمَّةِ في مِثلِ هؤلاء لا يُحصى، قال حَربُ بنُ إسماعيلَ الكَرْمانيِّ: سمِعتُ إسحاقَ بنَ راهَوَيهِ يقولُ: ليس بَينَ أهلِ العلمِ اختلافٌ أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ وليس بمخلوقٍ، وكيف يكونُ شيءٌ من الرَّبِّ عزَّ ذِكرُه مخلوقًا؟ ولو كان كما قالوا لزِمَهم أن يقولوا: عِلمُ اللهِ وقُدرتُه ومشيئتُه مخلوقةٌ، فإن قالوا ذلك لزِمَهم أن يقولوا: كان اللهُ تبارك اسمُه ولا عِلمَ ولا قُدرةَ ولا مشيئةَ! وهو الكُفرُ المحضُ الواضِحُ، لم يزَلِ اللهُ عالمًا مُتكلِّمًا له المشيئةُ في خَلقِه، والقرآنُ كلامُ اللهِ وليس بمخلوقٍ، فمن زعَم أنَّه مخلوقٌ فهو كافرٌ.
وقال وكيعُ بنُ الجرَّاحِ: من زعَم أنَّ القُرآنَ مخلوقٌ فقد زعم أنَّ شيئًا من اللهِ مخلوقٌ، فقيل له: من أينَ قُلتَ هذا؟ قال: لأنَّ اللهَ يقولُ: وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي [السجدة: 13] ولا يكونُ من الله شيءٌ مخلوقٌ، وهذا القَولُ قاله غيرُ واحدٍ من السَّلَفِ [224] قال اللَّالكائيُّ: (وكذلك ‌فسَّره ‌أحمدُ ‌بنُ ‌حنبلٍ، ونعيمُ بنُ حمَّادٍ، والحسَنُ بن الصبَّاحِ البزَّار، وعبد العزيز بن يحيى المكِّي الكِناني) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (2/ 245). ويُنظر أيضًا: ((مسائل الإمام أحمد)) رواية أبي داود (ص: 355). [225] ((مجموع الفتاوى)) (12/ 516). ويُنظر أيضًا: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (2/ 245). .

انظر أيضا: