موسوعة الفرق

المَبحثُ الأوَّلُ: مَذهَبُ الجَهْميَّةِ في كلامِ اللهِ تعالى وقَولُهم بخَلقِ القُرآنِ


يرى الجَهْميَّةُ أنَّ كلامَ اللهِ تعالى ليس قائمًا بذاتِه، بل كلامُه منفَصِلٌ عنه، بناءً على أصلِهم: أنَّ الرَّبَّ لا يقومُ به صفةٌ؛ لأنَّ ذلك بزعمِهم يستلزِمُ التجسيمَ والتشبيهَ الممتَنِعَ؛ إذ الصِّفةُ عَرَضٌ، والعَرَضُ لا يقومُ إلَّا بجسمٍ [190] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/ 219). ويُنظر أيضًا: ((الإبانة)) للأشعري (1/72). .
قالوا: (إثباتُ الصِّفاتِ يَستلزِمُ التشبيهَ والتجسيمَ، واللهُ سُبحانَه وتعالى مُنزَّهٌ عن ذلك؛ لأنَّ الصِّفاتِ التي هي العِلمُ والقُدرةُ والإرادةُ ونحوُ ذلك أعراضٌ ومعانٍ تقومُ بغيرِها، والعَرَضُ لا يقومُ إلَّا بجسمٍ، واللهُ تعالى ليس بجسمٍ؛ لأنَّ الأجسامَ لا تخلو من الأعراضِ الحادثةِ، وما لا يخلو من الحوادِثِ فهو مُحدَثٌ) [191] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/ 34). .
وأرَّخ ابنُ تيميَّةَ لأصلِ مقالةِ الجَهْميَّةِ وتطَوُّرِها، فقال: (إنَّ هؤلاء هم الجَهْميَّةُ الذين اتَّفق السَّلَفُ والأئمَّةُ على أنَّهم من شَرِّ أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ حتى أخرجَهم كثيرٌ من الأئمَّةِ عن الثِّنتَينِ والسَّبعينَ فِرقةً. وأوَّلُ مَنْ قال هذه المقالةَ في الإسلامِ كان يقالُ له: الجَعْدُ بنُ دِرهَمٍ، فضحَّى به خالِدُ بنُ عبدِ اللهِ القَسريُّ يومَ أضحى؛ فإنَّه خطب النَّاسَ، فقال في خُطبتِه: ضحُّوا أيُّها النَّاسُ، تقبَّل اللهُ ضحاياكم، فإنِّي مُضَحٍّ بالجَعْدِ بنِ دِرهَمٍ؛ إنَّه زعَم أنَّ اللهَ لم يتَّخِذْ إبراهيمَ خليلًا ولم يُكلِّمْ موسى تكليمًا، تعالى اللهُ عمَّا يقولُ الجَعْدُ عُلُوًّا كبيرًا. ثُمَّ نزل فذبحَه. وكان ذلك في زمَنِ التَّابعينَ، فشَكروا ذلك.
وأخذ هذه المقالةَ عنه جَهْمُ بنُ صَفوانَ، وقتَلَه بخُراسانَ سَلمةُ [192] هكذا في النسخة المطبوعة، والمشهور أنه (سَلْم) بنُ أحوزَ. يُنظر: ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (72/ 99)، ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/ 86)، ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (4/57). بنُ أحوَزَ، وإليه نُسِبَت هذه المقالةُ التي تُسمَّى "مقالةَ الجَهْميَّةِ"، وهي نَفيُ صفاتِ اللهِ تعالى؛ فإنَّهم يقولونَ: إنَّ اللهَ لا يُرى في الآخرةِ، ولا يُكلِّمُ عبادَه، وإنَّه ليس له عِلمٌ ولا حياةٌ ولا قُدرةٌ ونحوُ ذلك من الصِّفاتِ، ويقولونَ: القُرآنُ مخلوقٌ... والجَهْميَّةُ تارةً يبوحون بحقيقةِ القَولِ فيقولونَ: إنَّ اللهَ لم يكلِّم موسى تكليمًا ولا يتكَلَّمُ، وتارةً لا يُظهِرونَ هذا اللَّفظَ؛ لِما فيه من الشَّناعةِ المُخالِفةِ لدينِ الإسلامِ واليهودِ والنَّصارى، فيُقِرُّونَ باللَّفظِ، ولكنْ يُقِرُّنونه بأنَّه خَلَقَ في غيرِه كلامًا) [193] ((مجموع الفتاوى)) (12/ 502- 504). .

انظر أيضا: