الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: حُكمُ القيامِ في الصَّلاةِ في السَّفينةِ والطَّائِرَة


الفَرْعُ الأول: حُكمُ القيامِ في الصَّلاةِ في السَّفينةِ
تجبُ الصَّلاةُ في السَّفينةِ قائمًا عند الاستطاعةِ، وهو مذهبُ الجمهور: المالكيَّةِ ((التاج والإكليل)) (2/97)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/210)، ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (1/242). ، والشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/242)، وينظر: ((مختصر خلافيات البيهقي)) لابن فرح الإشبيلي (2/200)، ((البيان)) للعمراني (2/440). ، والحنابلةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/96)، وينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/343). ، وبه قال أبو يوسفَ ومحمَّدُ بنُ الحسَنِ ((العناية)) للبابرتي (2/8). ، وابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (فإن كان قومٌ في سفينةٍ لا يمكِنُهم الخروجُ إلى البرِّ إلَّا بمشقَّةٍ أو بتَضْيِيعِها، فلْيُصَلُّوا فيها كما يَقْدِرون، بإمامٍ وأذانٍ وإقامةٍ ولا بدَّ، فإن عجزوا عن إقامَةِ الصُّفوفِ وعن القيام لِمَيْدٍ، أو لكونِ بَعْضِهم تحت السَّطْحِ أو لترجح السفينة - صلَّوْا كما يَقْدِرون، وسواءٌ كان بعضُهم أو كلُّهم قُدَّام الإمامِ أو معه أو خَلْفَه، إذا لم يَقْدِروا على أكثَرَ، وصلى مَن عَجَزَ عن القيام قاعدًا، ولا يجزئُ القادرَ على القيام إلَّا القيامُ) ((المحلى)) (3/100).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قولُه تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
 1- قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أمَرْتُكم بأمرٍ، فأتُوا منه ما استطعتم )) أخرجه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337).
2- قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعِمرانَ بن حُصَينٍ رضيَ اللهُ عنهما وكان مريضًا: ((صلِّ قائمًا، فإن لم تستطِعْ فقاعدًا، فإن لم تستطِعْ فعلى جَنْبٍ )) رواه البخاري (1117).
وجهُ الدَّلالةِ من الآيةِ والحديثينِ:
أنَّ الأمرَ عُلِّقَ على الاستطاعةِ، فإذا استطاع الصَّلاةَ في السَّفينةِ قائمًا، وجَب عليه ذلك؛ لأنَّ القيامَ رُكنٌ في الصَّلاةِ، وإنْ عجَز سقَط عنه ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/109).
ثالثًا: أنَّ السَّفينةَ يمكنُ للإنسانِ أن يُصلِّيَ فيها قائمًا ويركَعَ ويسجُدَ لاتِّساعِ المكانِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/343). ؛ فالقيامُ مقدورٌ عليه، فلا يُترَكُ إلَّا لعلَّةٍ ((العناية)) للبابرتي (2/8).
الفرعٌ الثاني: الصَّلاةُ على الطائرةِ
حُكمُ الصَّلاةِ على الطائرةِ كحُكمِ الصَّلاةِ على السفينةِ؛ فيجبُ الصَّلاةُ قائمًا، وإلَّا صلَّى حسَب طاقتِه قال ابن باز: (الواجِبُ على المسلِمِ في الطائرة إذا حضَرَتِ الصلاةُ أن يصليَها حسَبَ الطَّاقَةِ: فإن استطاعَ أن يصلِّيَها قائمًا ويركعَ ويسجد فَعَلَ ذلك، وإن لم يستطع صلى جالسًا وأومَأَ بالرُّكوع والسجود، فإن وجد مكانًا في الطائرة يستطيع فيه القيامَ والسُّجودَ في الأرض بدلًا من الإيماءِ؛ وَجَبَ عليه ذلك؛ لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعِمرانَ بن حُصينٍ رضي الله عنهما وكان مريضًا: «صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنْبٍ» رواه البخاري في الصحيح، ورواه النسائي بإسنادٍ صحيح وزاد: «فإن لم تستطع فمستلْقِيًا»، والأفضَلُ له: أن يصلِّيَ في أوَّلِ الوقت، فإن أخَّرَها إلى آخِرِ الوَقْتِ ليُصَلِّيَها في الأرضِ فلا بأسَ؛ لعمومِ الأدلة، وحُكْمُ السيارة والقِطارِ والسَّفينة حُكْمُ الطَّائرة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/100). قال الألبانيُّ: (حكم الصلاة في الطائرة كالصَّلاة في السفينة: أن يصلِّيَ قائمًا إن استطاعَ، وإلَّا صلَّى جالسًا إيماءً بركوعٍ وسجودٍ). ((أصل صفة صلاة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) (1/102).

انظر أيضا: