الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ السادس: قضاءُ الصَّلاةِ إذا خرج وقتها


الفَرعُ الأوَّل: من يلزَمُه القضاءَ ومَنْ لا يلزَمُه
 المسألة الأولى: قَضاءُ النائمِ والنَّاسي
مَن نام عن صلاةٍ أو نَسِيَها حتى خرَجَ وقتُها: ففرْضٌ عليه أنْ يُصلِّيَها إذا استيقظَ، أو تَذَكَّرَ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن نسِيَ صلاةً، فلْيُصلِّ إذا ذكَرَها، لا كفَّارةَ لها إلَّا ذلِك؛ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) [1225] رواه البخاري (597)، ومسلم (684). وفي روايةٍ: ((مَنْ نسِيَ صلاةً، أو نام عنها، فكفَّارتُها أن يُصلِّيَها إذا ذكَرَها )) رواه مسلم (684).
2- عن أبي قَتادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((... أمَا إنَّه ليس في النومِ تفريطٌ، إنَّما التفريطُ على مَن لم يُصلِّ الصَّلاةَ حتى يَجيءَ وقتُ الصَّلاةِ الأخرى، فمَن فَعَل ذلك فلْيُصلِّها حين يَنتبهُ لها )) رواه البخاري (595)، ومسلم (681) واللفظ له.
ثانيًا: من الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك قال ابنُ رجب: (وقد دلَّ الحديثُ على وجوبِ القَضاءِ على النَّائِمِ إذا استيقَظَ، والنَّاسي إذا ذَكَر، وقد حكَى الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ) ((فتح الباري)) (3/351). : ابنُ حزمٍ [1229] قال ابنُ حزمٍ: (وأمَّا مَن سَكِر حتى خرَج وقت الصلاة، أو نام عنها حتى خرج وقتها، أو نسيها حتى خرج وقتها: ففرضٌ على هؤلاء خاصَّة أن يصلُّوها أبدًا.. وهذا كلُّه إجماعٌ متيقَّن) ((المحلى)) (2/4)، وينظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 32). ، وابنُ تَيميَّة [1230] قال ابنُ تيميَّة: (وقد اتَّفق العلماء على ما أمر به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من قوله: ((مَن نام عن صلاة أو نسَيَها فليصلِّها إذا ذكرها، فإنَّ ذلك وقتُها))، فاتفقوا على أنَّ النائم يُصلِّي إذا استيقظ، والناسي إذا ذكَر) ((منهاج السنة)) (5/212).
المسألة الثَّانية: قَضاءُ المجنونِ
لا قَضاءَ على مجنونٍ فيما خرَج وقتُه من الفرائضِ، سواءٌ قلَّ زمَنُ الجنونِ أمْ كثُر، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/136)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/185). ، والشافعيَّة [1232] ((المجموع)) للنووي (3/6)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (2/13). ، والحنابلة [1233] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/223). ، واختارَه ابنُ حزمٍ [1234] قال ابنُ حزمٍ: (مسألة: ولا على مجنون، ولا مُغمى عليه، ولا حائض، ولا نُفساء، ولا قضاء على واحد منهم إلَّا ما أفاق المجنون والمغمى عليه؛ أو طهُرتِ الحائضُ والنُّفَسَاء في وقتٍ أدركوا فيه بعد الطهارة الدخولَ في الصَّلاة) ((المحلى)) (2/8). ، وحُكيَ فيمَن كان جُنونُه مطبقًا الإجماعُ قال ابنُ عبد البَرِّ: (دليل آخَر من الإجماع؛ وذلك أنَّهم أجمعوا على أنَّ المجنونَ المطْبِق لا شيءَ عليه بخروجِ الوقتِ من صلاةٍ ولا صيامٍ إذا أفاق من جُنونِه وإطباقِه) ((التمهيد)) (3/291).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائمِ حتى يستيقظَ، وعن الصبيِّ حتى يَبلُغَ، وعن المجنونِ حتى يَعقِلَ )) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/323) (7343)، وابن حبَّان (1/356) (143)، والحاكم (1/389)، وحسَّنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنوويُّ في ((المجموع)) (6/253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403).
ثانيًا: أنَّ شَرْطَ وجوبِ الصَّلاةِ العقلُ، وهو مفقودٌ في المجنونِ ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/136).
المسألة الثَّالثة: قضاءُ المُغمَى عليه
لا قضاءَ على المُغمَى عليه فيما خرَجَ وقتُه من الفرائضِ، سواءٌ قلَّ زمَنُ الإغماءِ أم كثُر، وهذا مذهبُ المالكيَّة [1238] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/339)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/184). ، والشافعيَّة [1239] ((المجموع)) للنووي (3/6)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/131). ، وهو قولُ بعضِ السَّلفِ [1240] قال ابنُ المنذر: (فقالت طائفةٌ: لا قضاءَ عليه، كذلك قال عبد الله بن عمر، ورُوي ذلك عن أنسِ بن مالكٍ... وبه قال طاوس، والحسن، ومحمَّد بن سيرين، والزهريُّ، ورَبيعة، ومالكٌ، والشافعي، وأبو ثور) ((الأوسط)) (4/454). ، اختارَه ابنُ المنذرِ [1241] قال ابنُ المنذر: (الإغماءُ مرضٌ من الأمراض، والذي يلزم المريضَ إذا عجَز عن القيام أن يُصلِّي قاعدًا ويسقط عنه فرضُ القيامِ لعجزه عن ذلك، فإنْ لم يستطِعْ أن يصلِّي قاعدًا صلَّى على جنبٍ؛ يومئ على قدْرِ طاقته، وسقَطَ عنه فرضُ القعودِ، فإذا أُغمِيَ عليه فلم يقدِرْ على الصلاة بحالٍ، فلا شيءَ عليه؛ لأنَّهم لَمَّا قالوا: يسقُطُ عن المريض كلُّ عملٍ لا سبيل له إليه، فكذلك لا سبيلَ للمُغمى عليه إلى الصَّلاةِ في حالة الإغماء، وإذا لم يكُن عليه في تلك الحال صلاة لم يَجُزْ أن يُوجَبَ عليه ما لم يكن عليه، وإلزامُ القضاء إلزامُ فَرْضٍ، والفَرْضُ لا يجب باختلافٍ، ولا حُجَّة مع مَن فرَض عليه قضاءَ ما لم يكن عليه في حالِ الإغماء، وليس كالنَّائِمِ الذي يوجَدُ السَّبيلُ إلى انتباهِه وهو سليمُ الجوارِحِ) ((الأوسط)) (4/457). ، وابنُ حزمٍ [1242] قال ابنُ حزمٍ: (مسألةٌ: ولا على مجنونٍ، ولا مُغمًى عليه، ولا حائضٍ، ولا نُفَساء، ولا قضاءَ على واحد منهم إلَّا ما أفاق المجنونَ والمُغمى عليه، أو طهُرتِ الحائضُ والنفساء في وقتٍ، أدركوا فيه بَعد الطَّهارةِ الدخولَ في الصَّلاةِ) ((المحلى)) (2/8). ، وابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (أصحُّ ما في هذا الباب في المغمى عليه يُفيقُ: أنَّه لا قضاءَ عليه لِمَا فاتَه وَقْتُه، وبه قال ابنُ شِهاب، والحسن، وابن سيرين، وربيعةُ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وأبو ثور، وهو مذهب عبد الله بن عُمرَ؛ أُغمي عليه فلم يقضِ شيئًا ممَّا فات وقته، وهذا هو القياس عندي، والله أعلم؛ لأنَّ الصلاة تجِبُ للوقت، فإذا فات الوقتُ لم تجِبْ إلا بدليلٍ لا تنازُعَ فيه، ومَن لم يدْرِك من الوقتِ مقدارَ ركعةٍ وفاته ذلك بقدَرٍ من الله فلا قضاءَ عليه) ((التمهيد)) (3/290). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثَيمين: (إذا نظَرْنا إلى التعليلِ وجدْنا أنَّ الراجِحَ قول مَن يقول: لا يقضي مطلقًا؛ لأنَّ قياسَه على النَّائم ليس بصحيحٍ، فالنائم يستيقظ إذا أُوقِظَ، وأمَّا المُغْمَى عليه فإنَّه لا يشعُر. وأيضًا: النوم كثيرٌ ومعتاد، فلو قلنا: إنَّه لا يَقضي سَقَطَ عنه كثيرٌ من الفروض. لكنَّ الإغماء قد يَمضي على الإنسانِ طولُ عمره ولا يُغمى عليه، وقد يسقط من شيءٍ عالٍ فيُغمى عليه، وقد يُصابُ بمرَضٍ فيغمى عليه) ((الشرح الممتع)) (2/17). وقال أيضًا: (أمَّا لزومُ قضاءِ الصلاة في حقِّ المُغمى عليه؛ فهذا محلُّ خلافٍ بين أهل العلم؛ فمِنهم مَن أسقط عنه القضاءَ، كمالك والشافعي، ومنهم مَن أوجب القضاءَ عليه، كالمشهورِ من مذهب أحمد، ومنهم مَن فصَّل في ذلك بأنَّه إن أُغمي عليه يومًا وليلة قضَى، وإنْ زاد على ذلك لم يقضِ، كمذهب أبي حنيفة، وفي الموطَّأ عن نافع: أنَّ عبد الله بن عمر أُغمي عليه فذهب عقلُه، فلم يقضِ الصلاةَ، وهذا المرويُّ عن ابنِ عمر هو الصحيحُ، وأنَّه لا قضاءَ على المجنون ولا المغمى عليه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/17).
الأدلَّة:
أوَّلًا: الآثار
عن نافعٍ: (أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه أُغمي عليه، فذَهَب عقْلُه، فلمْ يقضِ الصَّلاةَ) رواه مالك في ((الموطأ)) (2/18) (33)، وعبد الرزاق (4153)، والدارقطني في ((السنن)) (1861)، والبيهقي (1/387) (1892). صحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (2/234)، والنووي في ((الخلاصة)) (1/251)، وصحح إسناده ابن حجر في ((الدراية)) (1/209)
ثانيًا: أنَّ المغمى عليه لا يَعقِلُ، ولا يَفهَم؛ فالخطابُ عنه مرتفعٌ [1246] ((المحلى)) لابن حزم (2/9).
ثالثًا: القياسُ على المجنونِ بجامعِ زوالِ العَقلِ [1247] قال ابنُ عبد البَرِّ: (حُجَّة مالك ومَن ذهب مذهبه ومذهب ابن عمر في ذلك: أنَّ القلم مرفوعٌ عن المغمى عليه قياسًا على المجنون المتَّفق عليه؛ لأنَّه لا يُشبه المغمى عليه إلَّا أصلان، أحدهما: المجنون الذاهب العقل، والآخر: النائم) ((الاستذكار)) (1/72). وقال أيضًا: (دليل آخَر من الإجماع؛ وذلك أنَّهم أجمعوا على أنَّ المجنون المطبق لا شيءَ عليه بخروج الوقت من صلاة ولا صيام إذا أفاق من جُنونه وإطباقه، وكان المغمى عليه أشبهَ به منه بالنائم؛ إذ لا يجتذبُه غير هذين الأصلين، ووجدناه لا ينتبه إذا نُبِّه، وكان ذلك فرقًا بينه وبين النائم. وفرق آخَر أنَّ النوم لذةٌ ونِعمة، والإغماء عِلَّة ومرض من الأمراض، فحاله بحالِ مَن يُجن أشبهُ منه بحال النائم) ((التمهيد)) (3/291). قال ابنُ قُدامة: (لا يصحُّ قياسُه على المجنون؛ لأنَّ المجنون تتطاولُ مُدَّته غالبًا، وقد رُفِع القلمُ عنه، ولا يلزمه صيامٌ، ولا شيءٌ من أحكام التكليفِ، وتثبت الولايةُ عليه، ولا يجوز على الأنبياء- عليهم السلام-، والإغماءُ بخلافِه، وما لا يُؤثِّر في إسقاط الخمس لا يؤثِّر في إسقاطِ الزائد عليها، كالنوم) ((المغني)) (1/290، 291)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (3/6).
رابعًا: أنَّ القضاءَ يَنبني على وجوبِ الأداءِ، والأداءُ لا يجِبُ على المُغمَى عليه؛ فلا يجِبُ عليه القضاءُ، بخلافِ النَّومِ؛ لأنَّه باختيارِه، فلا يُعذَر [1248] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/204).
خامسًا: أنَّه بزوالِ عَقلِه عاجزٌ عن الصَّلاةِ؛ فتَسقُط عنه قال ابنُ عبد البَرِّ: (لَمَّا كان العاجزُ عن القيام في الصلاة يصلِّي جالسًا ويسقط عنه القيام، ثم إنْ عجَز عن الجلوس سقَط عنه، حتى يبلغ حاله مضطجعًا إلى الإيماءِ فلا يقدِرُ على الإيماء، فيسقط عنه ما سوى الإيماء - فكذلك إنْ عجز عن الإيماءِ بما لَحِقه من الإغماءِ يسقط عنه، فلا يلزَمُه إلَّا ما يراجعه عقلُه وذِهْنُه في وقته، لا ما انقضى وقتُه، هذا ما يوجِبُه النظرُ؛ لأنَّها مسألةٌ ليس فيها حديثٌ مسنَد) ((الاستذكار)) (1/72).
المسألة الرَّابعة: قضاءُ السَّكرانِ
مَن سَكِرَ حتَّى خرَجَ وقتُ الصَّلاةِ فَفرضٌ عليه أنْ يُصلِّيَها.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قولُ الله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء: 43]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه سبحانه لم يُبِحْ للسكرانِ أنْ يُصلِّيَ؛ حتى يعلمَ ما يقولُ، فإذا عَلِمَ ما يقولُ لزمتْه الصَّلاةُ؛ أداءً إنْ كان في وقتِها، أو قضاءً إنْ كان بعدَ الوقتِ [1250] قال ابنُ عُثَيمين: (فإن قلت: أليس الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ **النساء: 43**؛ فكيف يُلْزَمُ بقضاءِ ما نُهِيَ عن قِرْبانِه؟ فالجواب: أنَّه ليس في الآية نهيٌ عن قِربان الصَّلاةِ مطلقًا؛ وإنما نهي عن قِربانها حالَ السُّكْر حتى يعلم السكرانُ ما يقول، فإذا علم ما يقول لزمتْه الصلاة أداءً إنْ كان في وَقْتِها، أو قضاءً إن كان بعد الوقت؛ ولهذا كان الأئمَّة الأربعة متَّفقينَ على أنَّ مَن زال عَقْلُه بسُكر، فإنَّه يَقضي) ((الشرح الممتع)) (2/18)، وينظر: ((المحلى)) لابن حزم (2/9).
ثانيًا: الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلِك: ابنُ المنذرِ [1251] قال ابنُ المنذر: (أجمَعوا على أنَّ السكران يَقضي الصلاة) ((الإجماع)) (ص: 42). ، وابنُ حَزمٍ [1252] قال ابنُ حزمٍ: (أمَّا مَن سكِر حتى خرجَ وقتُ الصلاة، أو نام عنها حتى خرج وقتُها، أو نسيها حتى خرج وقتها: ففرضٌ على هؤلاء خاصَّة أن يصلوها أبدًا.. وهذا كلُّه إجماعٌ متيقَّن) ((المحلى)) (2/9)، وينظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 32). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (أمَّا السُّكْر، ومن شرِب مُحرَّمًا يُزيل عقله وقتًا دون وقت، فلا يؤثِّر في إسقاط التكليف، وعليه قضاءُ ما فاته في حالِ زوالِ عَقْلِه. لا نعلم فيه خلافًا؛ ولأنَّه إذا وجب عليه القضاءُ بالنَّوم المباح، فبالسُّكر المحرَّم أَوْلى) ((المغني)) (1/291). ، وابنُ نُجيمٍ قال ابنُ نُجيم: (إذا زال عقْلُه بالخمر، أو أُغمِيَ عليه بسببِ شُرْبِ البنج أو الدواء، فإنَّه لا يسقُطُ عنه القضاءُ في الأول، وإنْ طال اتفاقًا؛ لأنَّه حصل بما هو معصية، فلا يوجِبُ التخفيف؛ ولهذا يقعُ طلاقُه) ((البحر الرائق)) (2/127).
المسألة الخامسة: قضاءُ المُبنَّجِ
مَن زالَ عقلُه ببنجٍ أو دواءٍ، لزمَه القضاءُ وإنْ طالتِ المدَّة، وهو مذهبُ الحنفيَّة [1255] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/204)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/127). ، والحنابلة [1256] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/222) ، واختارَه ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثَيمين: (أمَّا إذا كان الإغماءُ بسببٍ منه، كالذي أُغمِي عليه من البنج ونحوه، فإنه يَقضي الصلاةَ التي مرَّت عليه، وهو حال الغيبوبةِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/16). وقال أيضًا: (من أهل العلم مَن قال: إنْ زال عَقْلُه بشيءٍ مباحٍ فلا قضاءَ عليه؛ لأنَّه معذورٌ. والذي يترجَّح عندي: أنه إنْ زال عقْلُه باختياره فعليه القضاءُ مطلقًا، وإنْ كان بغيرِ اختيارِه فلا قضاءَ عليه) ((الشرح الممتع)) (2/18، 19). ، وعليه فتوى اللَّجنةِ الدَّائمة جاء في اللَّجنة الدَّائمة: (المغمى عليه بسبب التبنيجِ مثلًا لعملية جراحيَّة أو نحوها، له حُكْمُ مَن أُغمِيَ عليه لعلَّة في بَدَنِه؛ لا يسقط عنهما قضاءُ الصلاةِ إذا استيقظَا كالنَّائِمِ، سواءٌ استيقظَا في وَقْتِها، أو بعد خروجِ وَقْتِها) ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (8/77-78).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه بصُنعِ العباد، ولا يطولُ غالبًا، فأشبه النومَ [1259] ((حاشية ابن عابدين)) (2/102).
ثانيًا: أنَّ ذلك لا يُسقِطُ الصومَ، فكذا الصَّلاةُ [1260] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/222).
ثالثًا: أنَّ العذرَ إذا جاءَ من جِهةِ غيرِ مَن له الحقُّ لا يُسقِطُ الحقَّ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/127).
المسألة السَّادسة: قضاءُ مَن ترَكَ الصَّلاةَ عمدًا حتَّى خرَجَ وقتُها
اختَلفَ أهلُ العِلمِ في قضاءِ مَن ترَكَ الصَّلاة عمدًا حتى خرَج وقتُها، على قولين:
القول الأوّل: مَن ترَكَ صلاةً عمدًا حتى خرَج وقتُها لزِمَه القضاءُ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة [1262] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/86)، وينظر: ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (ص: 67). ، والمالكيَّة [1263] ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/67)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/327). ، والشافعيَّة [1264] ((المجموع)) للنووي (3/71) ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (2/74). ، والحنابلة [1265] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/312). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك [1266] قال النوويُّ: (أجمَع العلماءُ الذين يُعتدُّ بهم على أنَّ من ترك صلاة عمدًا لزمه قضاؤها، وخالفهم أبو محمَّد عليُّ ابن حزم، فقال: لا يَقْدِرُ على قضائها أبدًا، ولا يصِحُّ فِعْلُها أبدًا؛ قال: بل يُكثِر من فِعلِ الخير وصلاة التطوُّع؛ ليَثْقُلَ ميزانُه يوم القيامة، ويستغْفِر الله تعالى ويتوب، وهذا الذى قاله- مع أنه مخالفٌ للإجماع- باطلٌ من جهة الدَّليلِ) ((المجموع)) (3/71). وقال محمَّد بن نصر المروزيُّ: (فإذا ترك الرجلُ صلاةً متعمدًا حتى يذهَبَ وقتُها، فعليه قضاؤُها لا نعلم في ذلك اختلافًا إلَّا ما يُروى عن الحسن، فمَن أكْفَره بِتَرْكِها استتابَه وجعل توبتَه وقضاءَه إيَّاها رجوعًا منه إلى الإسلامِ، ومن لم يُكفِّر تارِكَها ألزمَه المعصيةَ، وأوجب عليه قضاءَها) ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/975). ووصف ابنُ عبد البر القولَ بخِلافه بالشُّذوذ، قال: (وقد شذَّ بعضُ أهل الظاهر وأقدَم على خلافِ جمهور علماء المسلمين وسبيلِ المؤمنين، فقال: ليس على المتعمِّد لِتَرْك الصلاة في وقتها أنْ يأتيَ بها في غير وقتها؛ لأنَّه غيرُ نائم ولا ناسٍ، وإنما قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن نام عن صلاةٍ أو نَسِيَها، فلْيُصلِّها إذا ذَكَرَها))، قال: والمتعمِّد غيرُ الناسي والنائم، قال: وقياسُه عليهما غيرُ جائزٍ عندنا، كما أنَّ مَن قتل الصيدَ ناسيًا لا يُجزِئُه عندنا، فخالفه في المسألة جمهورُ العلماء، وظنَّ أنه يستَتِرُ في ذلك بروايةٍ جاءت عن بعض التابعينَ شذَّ فيها عن جماعةِ المسلمين، وهو محجوجٌ بهم، مأمورٌ باتِّباعِهم، فخالف هذا الظاهرَ عن طريقِ النَّظر والاعتبار، وشذَّ عن جماعةِ علماء الأمصار، ولم يأتِ فيما ذهب إليه من ذلك بدليلٍ يصحُّ في العقولِ) ((الاستذكار)) (1/78). وقال ابنُ قُدامة: (لا نعلم بين المسلمين خلافًا في أنَّ تارك الصلاة يجب عليه قضاؤُها) ((المغني)) (2/332). وقال العينيُّ: (لذلك في قوله عليه السَّلامُ: ((مَن نام عن صلاةٍ أو نَسِيَها)) فإنَّ الحكم غيرُ مقتصِرٍ على النوم والنسيانِ؛ لأنَّه إذا تَرَكَ فسقًا أو مجانةً يجب القضاءُ أيضًا بالإجماعِ، لكن أخرجه صاحبُ الشَّرْع مخرجَ العبارةِ والظنِّ بالخيرِ) ((البناية)) (2/582). وقال البابرتيُّ: (والوجوب ثابتٌ على مَن فوَّت الصلاة عمدًا أيضًا بالإجماع) ((العناية)) (1/485).
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: وأقيموا الصَّلاة [البقرة: 43]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 أنَّه لم يُفَرِّقْ بين أن يكون في وَقْتِها أو بَعْدَها. وهو أمرٌ يقتضي الوجوبَ [1267] ((تفسير القرطبي)) (11/178).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أنسِ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن نَسِي صلاةً فليصلِّ إذا ذكَرَها، لا كفَّارةَ لها إلَّا ذلك؛ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) [1268] رواه البخاري (597)، ومسلم (684). ، وفي رواية: ((مَنْ نسِيَ صلاةً، أو نام عنها، فكفَّارتها أن يُصلِّيها إذا ذكَرَها )) رواه مسلم (684).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 أنَّه إذا وجَبَ القضاءُ على التارِكِ ناسيًا، فالعامدُ أَوْلَى [1270] قال ابنُ عبد البَرِّ: (إذا كان النائم والناسي للصَّلاة- وهما معذوران- يقضيانها بعد خروجِ وقتها كان المتعمِّد لِتَرْكِها المأثوم في فِعله ذلك أَوْلى بألَّا يسقطَ عنه فرضُ الصلاة، وأنْ يُحكَم عليه بالإتيانِ بها؛ لأنَّ التوبةَ مِن عِصيانِه في تعمُّد تَرْكِها هي أداؤُها وإقامةُ تَرْكِها، مع النَّدَم على ما سلَف مِن تركِه لها في وَقْتِها) ((الاستذكار)) (1/77)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (3/71).
ثالثًا: أنَّ فِطْرَ يومٍ في رمضانَ يُوجِبُ القضاءَ، فكذلك الصَّلاةُ إذا لم تُؤَدَّ في وقتِها يجبُ قضاؤُها، وإنْ كان كلاهما آثمًا بالتأخيرِ [1271] ((تفسير القرطبي)) (11/178).
رابعًا: أنَّ الديونَ التي للآدميِّين إذا كانتْ متعلِّقةً بوقتٍ، ثم جاء الوقتُ لم يَسقُطْ قضاؤُها بعدَ وجوبها- وهي ممَّا يُسْقِطُها الإبراءُ -فكان في دُيونِ اللهِ تعالى التي يصحُّ فيها الإبراءُ أَوْلى ألَّا يسقطَ قضاؤُها إلَّا بإذنٍ منه [1272] ((تفسير القرطبي)) (11/178). ، وفي الحديث ((فدَينُ اللهِ أحقُّ أنْ يُقضَى )) [1273] رواه البخاري (1953)، ومسلم (1148).
القول الثاني: مَن ترَكَ صلاةً عَمدًا حتى خرَج وقتُها ليس عليه القضاءِ، وهو مذهبُ الظاهريَّة [1274] قال ابنُ حزمٍ: (وأمَّا مَن تعمَّد تركَ الصلاةَ حتى خرج وقتُها، فهذا لا يقدِر على قضائها أبدًا، فليكثرْ من فِعل الخير وصلاة التطوُّع؛ ليثقلَ ميزانُه يوم القيامة، وليتب وليستغفر اللهَ عزَّ وجلَّ) ((المحلى)) (2/10)، وينظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/320). وقال ابنُ رجب: (ومذهب الظاهريَّة- أو أكثرهم-: أنَّه لا قضاء على المتعمِّد) ((فتح الباري)) (3/354). ، واختيارُ ابنِ تَيميَّة [1275] قال ابنُ تيميَّة: (وتارك الصلاة عمدًا لا يُشرَعُ له قضاؤُها ولا تصحُّ منه، بل يُكثِر من التطوُّع، وكذا الصوم، وهو قَوْلُ طائفةٍ من السَّلَف: كأبي عبد الرحمن صاحب الشافعي، وداود وأتباعه، وليس في الأدلَّة ما يُخالِفُ هذا، بل يُوافقه) ((الفتاوى الكبرى)) (5/320). ، وابنِ رَجب [1276] قال ابنُ رجب: (وأمَّا تَرْكُ الصلاة متعمدًا، فذهب أكثرُ العلماء إلى لزومِ القضاء له، ومنهم مَن يحكيه إجماعًا. واستدلَّ بعضُهم بعموم قولِ النبي: ((اقضوا الله الذي له؛ فاللهُ أحقُّ بالقضاء))، واستدلَّ بعضهم: بأنه إذا أُمِرَ المعذور بالنوم والنسيان بالقضاءِ، فغير المعذور أَوْلى، وفي هذا الاستدلالِ نظر؛ فإنَّ المعذورَ إنَّما أمره بالقضاء؛ لأنَّه جعل قضاءَه كفَّارةً له، والعامد ليس القضاء كفارةً له؛ فإنه عاصٍ تلزمه التوبةُ من ذَنْبِه بالاتفاقِ؛ ولهذا قال الأكثرون: لا كفَّارةَ على قاتِلِ العَمْدِ، ولا على مَن حَلَفَ يمينًا متعمِّدًا فيها الكذب؛ لأنَّ الكفَّارة لا تمحو ذنْبَ هذا، وأيضًا؛ فإذا قيل: إنَّ القضاءَ إنما يجب بأمرٍ جديدٍ، وهو ألزم لكلِّ مَن يقول بالمفهومِ، فلا دليلَ على إلزامٍ بالقضاء؛ فإنه ليس لنا أمرٌ جديد يقتضي أمرَه بالقضاء، كالنائم والناسي) ((فتح الباري)) (3/353). وقال أيضًا: (كيف ينعقِدُ الإجماعُ مع مخالفة الحسن، مع عَظَمَتِه وجلالته، وفَضْلِه وسَعة عِلْمِه، وزُهْدِه ووَرَعِه؟! ولا يُعرف عن أحدٍ من الصحابة في وجوبِ القضاء على العامِدِ شيءٌ، بل ولم أجِد صريحًا عن التابعين- أيضًا- فيه شيئًا، إلَّا عن النَّخَعي) ((فتح الباري)) (3/358). ، وابنِ باز [1277] قال ابنُ باز: (فإذا تَرَكَ الإنسانُ صلواتٍ نسيانًا، أو لأسبابِ نومٍ أو مرضٍ؛ فإنه يَقضيها، أمَّا إنْ كان تَرْكُه لها عمدًا بلا شُبهةٍ، فإنَّه لا يقضي؛ لأنَّ تَرْكَها عمدًا كفرٌ أكبرُ، وإن لم يجحد وجوبَها في أصحِّ قولَي العلماءِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/315). ، وابنِ عُثَيمين [1278] قال ابنُ عُثَيمين: (والذي يترجَّح عندي ما اختاره شيخُ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: أنَّ مَن تَرَكَ الصلاة متعمدًا حتى خرج وقتُها فإنَّه لا ينفعُه قضاؤها؛... لكن على مَن ترك الصَّلاةَ أن يُكثِرَ من التوبة والاستغفار، والعَمَلِ الصالح، وبهذا نرجو أنَّ الله تعالى يعفو عنه، ويغفر له ما ترَك من صلاة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/93).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكِتاب
قول الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4 - 5] وقوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59]
ثانيًا: من السُّنَّة
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن فاتتْه صلاةُ العصرِ فكأنَّما وُتِرَ أَهلَه ومالَه )) [1279] أخرجه البخاري (552)، ومسلم (626). ؛ فصحَّ أنَّ ما فاتَ فلا سبيلَ إلى إدراكِه، ولو أُدْرِكَ أو أَمْكن أنْ يُدرَكَ؛ لَمَا فات، كما لا تفوتُ المنسيَّةُ أبدًا [1280] ((المحلى)) لابن حزم (2/12).
ثالثًا: لأنَّ العبادةَ المؤقَّتة بوقتٍ لا بدَّ أن تكونَ في نفْسِ الوقتِ المؤقَّت، فكما لا تصحُّ قبله لا تصحُّ كذلك بعدَه [1281] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/93).
رابعًا: أنَّ تَعمُّدَ ترْكِ الصَّلاة إلى بعدِ الوقتِ مَعصيةٌ، والمعصية لا تنوبُ عن الطاعةِ [1282] ((المحلى)) لابن حزم (2/11).
الفرعُ الثاني: إذا ذَكَر صلاةً فائتةً في وقتِ صلاةٍ أخرى
مَن فاتتْه صلاةٌ وذَكرَها في وقتِ صلاةٍ أخرى، فإنَّه يَبدأُ بقضاءِ الفائتةِ، ثمَّ يُصلِّي الحاضرةَ، وذلِك في الجُملةِ.
الدَّليل من الإجماع:
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: النوويُّ قال النوويُّ: (من فاتته صلاةٌ وذكَرها في وقتِ أُخرى، ينبغي له أن يبدأَ بقضاءِ الفائتة، ثم يصلِّي الحاضرةَ، وهذا مُجمَع عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (5/132). يُستثنى إذا ضاق وقتُ صلاة الحاضرة، فتُقدَّم الحاضرة على الفائتة؛ قال ابنُ رجب: (مَن كان عليه صلاةٌ فائتة، وقد ضاق وقتُ الصَّلاة الحاضرة عن فِعل الصَّلاتين، فأكثَرُ العلماء على أنَّه يبدأ بالحاضِرَة فيما بقِي من وَقْتِها، ثم يَقضي الفائتةَ بعدها؛ لئلا تصيرَ الصَّلاتان فائتتينِ) ((فتح الباري)) (3/344). وسُئِل ابن تيميَّة: (عن رجل فاتته صلاةُ العصر: فجاء إلى المسجِدِ، فوجد المغرب قد أُقيمت؛ فهل يصلِّي الفائتة قبل المغرب أم لا؟ فأجاب: يُصلِّي المغربَ مع الإمامِ، ثم يُصلِّي العصر باتِّفاق الأئمَّة، ولكن هل يُعيد المغرب؟ فيه قولان) ((مجموع الفتاوى)) (22/106).
الفَرْعُ الثَّالِثُ: ترتيبُ الفوائتِ
يجِبُ ترتيبُ الفوائتِ، وهو مذهبُ الحنفيَّة [1284] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/186)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/65،68). وعند الحنفيَّة أنَّ الترتيبَ يَسقط بضِيقِ الوَقْتِ والنسيان، أو إذا زادت الفوائِتُ على فوائِتِ يوم، بأنْ كانت سِتَّ صلواتٍ أو أكثرَ. ، والمالكيَّة [1285]  ((الشرح الكبير)) للدردير (1/266)، وينظر: ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/414). وعند المالكيَّة تفصيلٌ فيما إذا تعارض قضاءُ الفوائِتِ مع الحاضرة وخشِي خروجَ الوقت، فلهم تفصيلٌ في ذلك؛ إنْ كانت الفوائت يسيرةً - أربع أو خمس في قول لهم - فتُرتَّب وتُقدَّم على الحاضرة، حتى وإنْ خرج وقتها، وإنْ كانت أكثرَ وخاف خروجَ الوقت يبدأ بالحاضرةِ. ، والحنابلة [1286] ((المغني)) لابن قدامة (1/434). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلفِ قال ابنُ قُدامة: (قد رُوي عن ابن عمر رضي الله عنه ما يدلُّ على وجوب الترتيب، ونحوه عن النَّخَعي، والزهري، وربيعة، ويَحيى الأنصاري، ومالك، والليث، وأبي حنيفة، وإسحاق) ((المغني)) (1/435).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّاب جاءَ يومَ الخندقِ، بعدَما غربتِ الشمسُ فجَعَل يسبُّ كُفَّارَ قريشٍ، قال: يا رسولَ الله، ما كدتُ أُصلِّي العصرَ، حتى كادتِ الشمسُ تغرُبُ، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((واللهِ ما صَلَّيْتُها)) فقُمْنا إلى بُطحان، فتوضَّأَ للصلاةِ وتَوضَّأْنا لها، فصَلَّى العصرَ بعدَما غرَبتِ الشمسُ، ثم صلَّى بعدَها المغربَ [1288] رواه البخاري (596)، ومسلم (631).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ ترتيبَ الفوائتِ لو كان مستحبًّا لَمَا أخَّرَ المغربَ التي يُكرَهُ تأخيرُها؛ لتحقيقِ ترتيبِ الصلواتِ، فتَعيَّن أنْ يكونَ لازمًا [1289] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/186).
2- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((إنَّ المشركين شَغَلوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أربعِ صلواتٍ يومَ الخندقِ حتى ذهَبَ من اللِّيلِ ما شاءَ اللهُ، فأمَرَ بلالًا فأذَّنَ ثم أقامَ، فصلَّى الظهرَ، ثم أقامَ فصلَّى العصرَ، ثم أقامَ فصلَّى المغربَ، ثم أقامَ فصلَّى العِشاءَ )) رواه الترمذي (179)، والنسائي (662)، وأحمد (3555) قال الترمذيُّ: ليس بإسنادِه بأسٌ، إلَّا أنَّ أبا عُبيدة لم يسمعْ من أبيه (ابن مسعود)، وقال البيهقي: (فيه) أبو عبيدة لم يدرك أباه، وهو مرسلٌ جيِّد. لكن قال ابن رجب: (وأبو عبيدة، وإنْ لم يَسمع من أبيه، إلَّا أنَّ أحاديثَه عنه صحيحةٌ، تلقَّاها عن أهلِ بيته الثِّقات العارفين بحديثِ أبيه، قاله ابنُ المَدِينيِّ وغيرُه) ((فتح الباري)) (5/187). وقال ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/246): إسنادُه لا بأسَ به. وقال الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (1/120): إسناده صالح. وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (179).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قضاها مرتَّبةً، وقد قال: ((صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي )) [1291] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/36). والحديث رواه البخاري (631).
ثانيًا: أنَّهما صلاتانِ مؤقَّتتان؛ فوجَب الترتيبُ فيهما كالمجموعتَينِ ((المغني)) لابن قدامة (1/435).
ثالثًا: أنه ترتيبٌ واجب في الصَّلاة، فكان شرطًا لصحَّتها، كترتيبِ الرُّكوع والسُّجودِ ((المغني)) لابن قدامة (1/435).
الفَرْعُ الرابع: الفوريَّة في القَضاءِ
يجبُ قضاءُ الفوائتِ على الفورِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة [1294] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/85)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 138). ، والمالكيَّة [1295] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/327)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/263). ، والحنابلة [1296] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/313)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/260). ، وهو وجهٌ للشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/69).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أَنسِ بنِ مالكٍ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن نسِيَ صلاةً فلْيُصلِّ إذا ذكَرها، لا كفَّارة لها إلَّا ذلك؛ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) [1298] رواه البخاري (597)، ومسلم (684).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فلْيُصلِّها)) اللام للأمْر، وقد علَّقه بقوله: ((إذا ذكَرَها))، وهذا يدلُّ على أنَّها تُقضَى فورَ الذِّكر، وفورَ الاستيقاظِ؛ لأنَّ الأصلَ في الأمر الوجوبُ والفوريَّة [1299] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/141).
ثانيًا: أنَّ تأخيرَ الصَّلاةِ بعدَ الوقتِ معصيةٌ يجبُ الإقلاعُ منها فورًا ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/263).
ثالثًا: أنَّ هذا دَينٌ واجبٌ عليه، والواجبُ المبادرةُ به؛ لأنَّ الإنسانَ لا يَدرِي ما يَعرِضُ له إذا أخَّر [1301] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/141).
الفرعُ الخامس: مَنْ نسِيَ صلاةً ولم يَعرِفْ عَينَها
مَن نسِي صلاةً أو صلاتين أو ثلاثًا أو أربعًا من الخمس، ولم يَعرِف عينَها، لزِمَه أن يُصلِّيَ خمسَ صلواتٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة [1302] ((البناية)) للعيني (2/596)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/179).            ، والمالكيَّة [1303] ((الشرح الكبير)) للدردير (1/268)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/383). ، والشافعيَّة [1304] ((المجموع)) للنووي (3/71)، ((حاشية الجمل)) (2/312). ، والحنابلة [1305] ((الفروع)) لابن مفلح (1/443)، وينظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/198).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ تعيينَ النيَّةِ شرْطٌ في صحَّةِ الصَّلاةِ، ولا يَحصُل ذلك إلَّا بأنْ يُصلِّيَ خمسَ صلواتٍ بخمسِ نيَّاتٍ [1306] ((المجموع)) للنووي (3/71).
ثانيًا: أنَّه بذلك يُسقِطُ الفرضَ عن نفْسه بيقينٍ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/186).
ثالثًا: أنَّه يُعذَرُ في عدمِ جَزمِه بالنيَّةِ للضرورةِ ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (2/89).
الفرعُ السادس: زوالُ المانعِ من الصَّلاة قبلَ خروجِ وقتِها بمِقدارِ رَكعةٍ
إذا طَهُرتِ الحائضُ، أو عقَل المجنون، أو أفاق المُغمَى عليه، أو أَسلمَ الكافرُ، وأدركَ مِن وقتِ الصَّلاة قدْرَ ركعةٍ، لزِمتْه تلك الصَّلاةُ.
الدَّليل من الإجماع:
نقَل الإجماع على ذلك: النوويُّ قال النوويُّ: (إذا زال الصِّبا أو الكُفر، أو الجنون أو الإغماء، أو الحيض أو النِّفاس في آخِر الوقت، فإنْ بقِي من الوقت قدْرُ ركعةٍ، لزمتْه تلك الصَّلاةُ بلا خلافٍ) ((المجموع)) (3/65). ووقَع الخلاف فيما لو أدرك دون الركعة وفي كونِه هل يصلِّي الصلاةَ التي أدرَك منها ركعةً فقط، أم يصلِّي معها ما يُجمَع إليها، كالظُّهر مع العصر، والمغربِ مع العِشاء. ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (واختَلفوا إذا أدرك مَن لا تجب عليه الصَّلاة - كالحائض تطهُر، والمجنون يعقِل، والمُغمَى عليه يُفيق، والكافر يُسلِم - دون ركعةٍ من وقتها؛ هل تجب عليه الصلاةُ أم لا؟... وأمَّا إذا أدرك أحد هؤلاء ركعةً، وجبتْ عليه الصلاة بالاتِّفاق بينهم) ((نيل الأوطار)) (2/28).
الفرعُ السابع: النِّيابةُ في الصَّلاةِ
لا تَدخُلُ النيابةُ في الصَّلاةِ في الجملة.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكِتاب
قال اللهُ تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: 39]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ فِعل غيرِه ليس مِن سَعيِه [1311] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/10).
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ واستثنى الحنابلةُ الصلاة المنذورة عن الميِّت: قال البُهوتيُّ: ("وإنْ كانت عليه صلاةٌ منذورة" ومات بعد التمكُّن (فُعِلت عنه) كالصوم، وتصحُّ وصيته بها) ((كشاف القناع)) (2/336). ويُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (3/241). واستثنى ابنُ حزم الصلاة المنذورة والمنسيةَ والمنومَ عنها عن الميِّت. قال ابنُ حزمٍ: (وأمَّا الصلاةُ المنسيَّة، والمنوم عنها، والمنذورة، فهي لازمةٌ للمَرْءِ إلى حين موتِه، فهذه تؤدَّى عن الميِّت، فالإجارةُ في أدائِها عنه جائزةُ) ((المحلى)) (7/16). على ذلك: الطبريُّ قال ابن حجر: (وقد نقَل الطبريُّ وغيره الإجماعَ على أنَّ النِّيابة لا تدخل في الصلاة) ((فتح الباري)) (4/69). ، وابنُ العربيِّ قال ابنُ العربيِّ: (لا تجوزُ النيابة فيها بحالٍ بإجماع من الأمَّة، وإنما يؤدِّيها المكلَّف، ولو بأشفار عينيه إشارة، إلَّا في ركعتي الطواف) ((أحكام القرآن)) (3/221). ، وابنُ الوزيرِ قال ابن الوزير: (أجمَعوا على أنَّ الصلاة المفروضة من الفروض التي «لا» تصحُّ فيها النيابةُ بنفس ولا مال) ((اختلاف الأئمة العلماء)) (1/82). ، والقرافيُّ قال القرافيُّ - في قاعدة الفَرْق بين ما تصحُّ النيابة فيه وما لا تصحُّ -: (ومنها ما لا يتضمَّنُ مصلحةً في نفسه، بل بالنَّظَر إلى فاعله كالصَّلاة؛ فإنَّ مَصْلَحَتها الخشوعُ والخضوع، وإجلالُ الربِّ سبحانه وتعالى وتعظيمُه، وذلك إنَّما يحصُل فيها من جِهَةِ فاعلها، فإذا فَعَلَها غيرُ الإنسان فاتتِ المصلحةُ التي طلبَها صاحبُ الشرع، ولا تُوصَف حينئذٍ بكونها مشروعةً في حقِّه؛ فلا تجوز النيابة فيها إجماعًا) ((الفروق)) (2/502). ، وابن عبد البَّرِ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وقد أجمَعوا أنْ لا يُصلِّي أحدٌ عن أحد) ((التمهيد)) (9/29). ، وابنُ رُشد قال ابنُ رُشدٍ: (القياس يقتضي أنَّ العباداتِ لا ينوب فيها أحدٌ عن أحد؛ فإنَّه لا يُصلِّي أحد عن أحد باتِّفاقٍ) ((بداية المجتهد)) (2/84).
ثالثًا: من الآثار
عن ابنِ عبَّاسٍ قال: لا يُصلِّي أحدٌ عن أحَدٍ [1319] أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (2930)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (6/177)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (9/27). صحَّح إسنادَه ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/811)، والمباركفوري في ((تحفة الأحوذي)) (3/133).
رابعًا: أنَّ المقصودَ من العبادةِ البدنيَّة الخضوعُ لله، والتوجُّهُ إليه، والتذلُّلُ بين يَديه، وقيامُه العبدِ بحقِّ العبوديةِ التي خُلِقَ لها وأُمِرَ بها، وما في ذلك من قَهرِ النَّفْسِ الأمَّارةِ بالسُّوء، وهذه أمورٌ لا يُمكن أن يُؤدِّيَها عنه غيرُه [1320] قال الشاطبيُّ: (مقصودُ العباداتِ الخضوعُ لله، والتوجُّه إليه، والتذلُّلُ بين يديه، والانقيادُ تحت حُكمه، وعمارةُ القلب بذِكْرِه، حتى يكون العبدُ بقَلْبِه وجوارحه حاضرًا مع الله، ومراقبًا له غيرَ غافلٍ عنه، وأن يكون ساعيًا في مرضاته وما يُقَرِّب إليه على حسب طاقته، والنيابةُ تُنافي هذا المقصود وتُضادُّه؛ لأنَّ معنى ذلك ألَّا يكون العبدُ عبدًا، ولا المطلوب بالخضوع والتوجُّه خاضعًا ولا متوجِّهًا، إذا ناب عنه غيره في ذلك، وإذا قام غيرُه في ذلك مقامَه، فذلك الغيرُ هو الخاضِعُ المتوجِّه، والخضوعُ والتوجه ونحوهما إنما هو اتِّصافٌ بصفاتِ العبودية، والاتصافُ لا يعدو المتَّصِف به ولا ينتقل عنه إلى غيره، والنيابةُ إنما معناها أن يكون المنوب منه بمنزلة النَّائِبِ، حتى يُعدَّ المنوب عنه متَّصفًا بما اتصف به النائب، وذلك لا يصحُّ في العبادات كما يصحُّ في التصرُّفات، فإنَّ النَّائِبَ في أداءِ الدَّينِ مثلًا لَمَّا قام مقامَ المديانِ صار المديان متصفًا بأنه مؤدٍّ لدَيْنِه، فلا مطالبةَ للغريم بعدَ ذلك به، وهذا في التعبُّد لا يُتَصَوَّر ما لم يتَّصِفِ المنوب عنه بمثل ما اتَّصفَ به النائب، ولا نيابةَ إذ ذاك على حال) ((الموافقات)) (2/383)، وينظر: ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (7/38)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/69).
خامسًا: قياسًا على الإيمانِ؛ لأنَّ الصَّلاةَ كالإيمانِ، فهي قولٌ وعملٌ ونيَّة، فكما لم تَجُزِ النيابةُ في الإيمانِ إجماعًا، فإنَّها لا تجوزُ في الصَّلاةِ أيضًا [1321] قال ابنُ تيميَّة: (ولهذا كانتِ الصلاة كالإيمانِ، لا تدخُلُها النيابةُ بحالٍ؛ فلا يُصلِّي أحدٌ عن أحد الفرضَ، لا لعُذر ولا لغير عُذر، كما لا يؤمِنُ أحدٌ عنه، ولا تسقطُ بحالٍ كما لا يَسقُط الإيمانُ) ((مجموع الفتاوى)) (10/439، 440)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/314).
سادسًا: أنَّ الإنسانَ لا يَعجِزُ عمَّا وجَبَ من الصَّلاةِ، فيُصلِّي بحسَبِ ما يَقدِرُ، فلا عُذرَ له في النِّيابةِ ((جامع المسائل)) لابن تيمية (4/245).
سابعًا: أنَّ ممَّا يُقصَد من العبادةِ ابتلاءُ العبدِ، وظهورُ طاعتِه للهِ، ومخالفتِه لنَفْسِه، وصبرِه على العبوديَّة لله، وهذا لا يتَحقَّقُ إذا أناب غيرَه عنه ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/145)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/597).

انظر أيضا: