الموسوعة الفقهية

الفرعُ الثَّالث: وقتُ صَلاةِ العَصرِ


المَسألةُ الأُولى: أوَّلُ وقتِ العَصرِ
أوَّلُ وقت العصرِ أن يكونَ ظِلُّ كلِّ شيء مِثلَه؛ ولا يُعدُّ في ذلك الظلُّ الذي كان في أوَّلِ زوالِ الشَّمسِ، وهو مذهبُ الجمهور [1080] قال ابنُ رُشدٍ: (اتَّفق مالكٌ، والشافعيُّ، وداود، وجماعة: على أنَّ أول وقت العصر هو بعينه آخرُ وقت الظهر، وذلك إذا صار ظلُّ كل شيء مثلَه، إلَّا أنَّ مالكًا يرى أنَّ آخر وقت الظهر وأول وقت العصر هو وقتٌ مشترك للصلاتين معًا، أعني: بقدر ما يُصلَّى فيه أربع ركعات. وأمَّا الشافعي وأبو ثور وداود فآخِر وقت الظهر عندهم هو الآن الذي هو أولُ وقت العصر، وهو زمان غير منقسم). ((بداية المجتهد)) (1/94). : المالكيَّة [1081] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/190)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/246). ، والشافعيَّة [1082] ((المجموع)) للنووي (3/21)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/122)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (1/128). ، والحنابلة [1083] ((المغني)) لابن قدامة (1/272)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/252). ، وروايةٌ عن أبي حنيفة، وهو قولُ محمَّدٍ وأبي يُوسفَ من الحنفيَّة [1084] ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (1/273)، ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/41). ، واختيارُ ابنِ حزمٍ [1085] قال ابنُ حزمٍ: «ثم يتمادَى وقتها «الظهر» إلى أن يكون ظلُّ كل شيء مثلَه؛ لا يُعدُّ في ذلك الظلِّ الذي كان له في أوَّل زوال الشمس؛ ولكن ما زاد على ذلك، فإذا كبَّر الإنسان لصلاة الظهر حين ذلك - فما قبله - فقد أدرك صلاةَ الظهر بلا ضرورة، فإذا زاد الظل المذكور على ما ذكَرْنا بما قلَّ أو كثُر فقد بطَل وقتُ الدخول في صلاة الظهر؛ إلَّا للمسافر المجِدِّ فقط؛ ودخل أولُ وقت العصر؛ فمن دخل في صلاة العصر قبل ذلك لم تُجزِه إلَّا يوم عرفةَ بعرفةَ فقط). ((المحلى)) (2/197).
الأدلة من السُّنَّة:
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي العصرَ والشَّمسُ مرتفعةٌ حيَّة، فيذهب الذاهبُ إلى العوالي والشمسُ مرتفعةٌ )) [1086] رواه البخاري (550)، ومسلم (621).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لا يُمكِن أنْ يذهبَ بعدَ صلاةِ العصرِ مِيلينِ وثلاثةً والشمسُ بعدُ لم تتغيَّرْ بصُفرةٍ ونحوِها إلَّا إذا صلَّى العصرَ حين صارَ ظلُّ الشيءِ مِثلَه، ولا يَكاد يَحصُل ُهذا إلَّا في الأيَّامِ الطويلةِ ((شرح النووي على مسلم)) (5/122).
2- حديث جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ جبريلَ جاءَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى إذا كان فَيءُ الرجلِ مثلَه، جاءَه للعصرِ فقال: قُمْ يا محمَّد، فصلِّ العصرَ )) أخرجه النسائي (526)، والدارقطني (1009)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (1719) قال ابنُ تيميَّة في ((شرح العمدة)) (149): مستفيض. وقال ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (3/164): إسنادُه كلُّ رجالِه ثقاتٌ. وصحَّحه الألباني في ((صحيح النسائي)) (525). وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (215): حسن، ومن حديث وهب بن كيسان عن جابر به، وسندُه صحيح، وهو بسند الإمام أحمد على شرط الشيخين.
3- حديثُ أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، في صلاةِ جبريل، وفيه: ((ثمَّ صلَّى العصرَ حِينَ رأى الظلَّ مِثلَه )) أخرجه النسائي (502)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (8/85). قال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (8/85): مسندٌ ثابتٌ صحيح. وقال ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (3/158): رجال إسنادِه أخرج لهم مسلمٌ في صحيحه. وحسَّنه الألباني في ((صحيح النسائي)) (501)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (1325).
المَسألةُ الثَّانية: وقتُ صلاةِ العَصرِ المُختارُ
يمتدُّ وقتُ صلاةِ العصرِ المختارُ إلى أنْ تَصفرَّ الشمسُ قال الحطاب: (قال في المنتقى: وصُفرتها إنما تُعتبر في الأرض والجُدر لا في عين الشمس، حكاه ابن نافع في المبسوط عن مالك.... وقال في الجواهر: وقت الاختيار ما دامت الشمس بيضاءَ نقيَّة لم تصفرَّ على الجدارات والأراضي). ((مواهب الجليل)) (2/19). ، وهذا مذهبُ المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/19، 20)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/444). ، وروايةٌ عن أحمدَ ((المغني)) لابن قدامة (1/273)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/252). قال ابنُ قُدامة: (ورُوي عن أحمد رحمه الله: أنَّ آخره ما لم تصفرَّ الشمس. وهي أصحُّ عنه، حكاه عنه جماعةٌ، منهم الأثرم). ((المغني)) (1/273). ، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلَفِ قال ابنُ قُدامة: (هذا قولُ أبي ثور، وأبي يوسف، ومحمد، ونحوه عن الأوزاعي). ((المغني)) (1/273). ، واختارَه ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزمٍ: (يتمادَى وقتُ الدخول في العصر إلى أن تغرب الشَّمس كلها؛ إلَّا أننا نكره تأخير العصر إلى أن تصفرَّ الشمس إلَّا لعذر). ((المحلى)) (2/197). ، واستظهرَه من الحنابلةِ ابنُ مُفلح قال ابن مفلح: (وعنه حتى تصفرُّ الشمس، اختاره جماعةٌ، وهي أظهر). ((الفروع)) (1/428). ، وهو اختيارُ ابنِ باز قال ابن باز: (أمَّا العصر: ففيها وقتٌ اختياري، ووقت ضروري؛ أما الاختياري: فمن أول الوقت إلى أن تصفرَّ الشَّمس، فإذا اصفرَّت الشمس، فهذا هو وقتُ الضرورة إلى أن تَغيب الشمس، ولا يجوز التأخيرُ إليه، فإنْ صلَّاها في ذلك الوقت، فقد أدَّاها في الوقت، لكن لا يجوز التأخير). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/384). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (وقتُ العصر إلى اصفرار الشمس). ((الشرح الممتع)) (2/108). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمة قالت اللَّجنةُ الدائمة: (وقت العصر ما لم تصفرَّ الشمس). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (6/115).
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن عبدِ اللهِ بن عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وقتُ العصرِ ما لم تَصفَرَّ الشَّمسُ )) [1099] رواه مسلم (612).
2- عن بُرَيدةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسألَه عن مواقيتِ الصَّلاةِ؟ فقال: اشهدْ معنا الصَّلاة. فأَمَر بلالًا فأذَّنَ بغَلسٍ فصلَّى الصبحَ حين طلَع الفجرُ، ثم أَمَره بالظهرِ حين زالتِ الشمسُ عن بَطنِ السَّماءِ، ثم أمَرَه بالعصرِ والشمسُ مرتفعةٌ، ثم أمَرَه بالمغربِ حين وجبَتِ الشمسُ، ثم أمَرَه بالعِشاءِ حينَ وقَعَ الشفقُ، ثم أمَرَه الغدَ فنوَّرَ بالصبحِ، ثم أمَرَه بالظهرِ فأَبْرَدَ، ثم أمَرَه بالعصرِ والشمسُ بيضاءُ نقيَّةٌ لم تُخالطْها صُفرةٌ، ثم أمَرَه بالمغربِ قبل أن يَقعَ الشفقُ، ثم أمَرَه بالعِشاءِ عندَ ذَهابِ ثُلُثِ اللَّيلِ أو بَعضِه - شكَّ حَرْميٌّ - فلمَّا أصبح قال: أينَ السائلُ؟ ما بين ما رأيتَ وقتٌ )) أخرجه مسلم (613).
المسألةُ الثَّالثة: وقتُ صلاةِ العَصرِ عِندَ الضَّرورةِ
وقتُ صلاةِ العصرِ عِندَ الضَّرورةِ إلى غُروبِ الشَّمسِ قال ابنُ قُدامة: (جُملة ذلك أنَّ مَن أخَّر الصلاة ثم أدرك منها ركعة قبل غروب الشمس، فهو مدركٌ لها، ومؤدٍّ لها في وقتها، سواء أخَّرها لعذر أو لغير عذر، إلَّا أنه إنما يُباح تأخيرها لعذر وضرورة، كحائض تطهر، أو كافر يُسلم، أو صبي يبلغ، أو مجنون يُفيق، أو نائم يستيقظ، أو مريض يبرأ، وهذا معنى قوله: "مع الضرورة"، فأمَّا إدراكها بإدراك ركعة منها، فيستوي فيه المعذورُ وغيره، وكذلك سائرُ الصلوات يدركها بإدراك ركعة منها في وقتها؛ لقول النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصَّلاةَ» متفق عليه، وفي رواية: «مَن أدْرَك ركعةً من العصر قبل أن تَغرُبَ الشمس، فقد أدرك العصر» متفق عليه، ولا أعلم في هذا خلافًا). ((المغني)) (1/273-274).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن أَدْركَ من الصُّبحِ ركعةً قبل أن تَطلُعَ الشمسُ، فقدْ أدْرَكَ الصُّبحَ، ومَن أَدركَ ركعةً مِن العصرِ قَبلَ أن تَغرُبَ الشمسُ، فقدْ أدْرَكَ العصرَ )) [1102] رواه البخاري (579)، ومسلم (608).
ثانيًا: من الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (ثبَت بالنصِّ والإجماع أنَّ العصر تُصلَّى وقتَ الغروب قبل سقوط القُرص كلِّه). ((مجموع الفتاوى)) (23/212).

انظر أيضا: