الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: حُكْمُ الجَعالةِ


تَجوزُ الجَعالةُ مُطلَقًا [5] وتُشرَعُ الجَعالةُ في الآبِقِ بالإجْماعِ. يُنظَرُ: ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (3/345)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/429). ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ [6] أجازَها الحَنَفيَّةُ في رَدِّ الآبِقِ فقط. يُنظَرُ: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/203)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/308)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/674). والآبِقُ: هو العَبْدُ الَّذي يَهرُبُ مِن سَيِّدِه. : المالِكِيَّةِ [7] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/193)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير للدردير)) (4/79). ، والشَّافِعِيَّةِ [8] ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/429). ، والحَنابِلةِ [9] ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/203)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/206). .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الكِتابِ
قَوْلُه تَعالى: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف: 72] .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
قَوْلُه تَعالى: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ، أي: ولِمَنْ دَلَّ على سارِقِ صُواعِ المَلِكِ حِمْلُ بَعيرٍ، وهذا جُعْلٌ، فدَلَّتِ الآيةُ على جَوازِ الجَعالةِ، وشَرْعُ مَن قَبْلَنا شَرْعٌ لنا ما لم يكنْ في شَرْعِنا ما يُخالِفُه [10] يُنظَرُ: ((تفسير البيضاوي)) (3/171)، ((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (2/392)، ((التبصرة في أصول الفقه)) للشيرازي (ص: 285)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/ 206)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (5/496). .
ثانِيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ ناسًا مِن أصْحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَتَوا على حَيٍّ مِن أحْياءِ العَربِ فلم يُقْروهم، فبَيْنَما هُمْ كذلك إذ لُدِغَ سَيِّدُ أُولئك، فقالوا: هلْ معَكم مِن دَواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تُقْرونا، ولا نَفعَلُ حتَّى تَجعَلوا لنا جُعْلًا، فجَعَلوا لهم قَطيعًا مِن الشَّاءِ، فجَعَلَ يَقرَأُ بأُمِّ القُرآنِ، ويَجمَعُ بُزاقَه ويَتفُلُ، فبَرَأَ، فأَتَوا بالشَّاءِ، فقالوا: لا نَأخُذُه حتَّى نَسأَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألوه فضَحِكَ، وقالَ: وما أَدْراك أنَّها رُقْيةٌ؟ خُذوها، واضْرِبوا لي بسَهْمٍ)) [11] أخرجه البُخارِيُّ (5736) واللَّفْظُ له، ومسلمٌ (2201). .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
في الحَديثِ دَلالةٌ على جَوازِ الجُعْلِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقَرَّهم على طَلَبِ الجُعْلِ [12] ((التعليق على الكافي)) لابن عثيمين (6/272). .
2- عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ: ((خَرَجْنا معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عامَ حُنَيْنٍ، فلمَّا الْتَقَيْنا كانَت للمُسلِمينَ جَوْلةٌ، فرَأيْتُ رَجُلًا مِن المُشرِكينَ عَلا رَجُلًا مِن المُسلِمينَ، فاسْتَدَرْتُ حتَّى أتيْتُه مِن وَرائِه حتَّى ضَرَبْتُه بالسَّيْفِ على حَبْلِ عاتِقِه، فأَقبَلَ علَيَّ فضَمَّني ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنها ريحَ المَوْتِ، ثُمَّ أَدرَكَه المَوْتُ فأَرسَلني، فلَحِقْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فقُلْتُ: ما بالُ النَّاسِ؟ قالَ: أمْرُ اللهِ، ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعوا وجَلَسَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: مَن قَتَلَ قَتيلًا له عليه بَيِّنةٌ فله سَلَبُه، فقُمْتُ فقُلْتُ: مَن يَشهَدُ لي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قالَ: مَن قَتَلَ قَتيلًا له عليه بَيِّنةٌ فله سَلَبُه، فقُمْتُ فقُلْتُ: مَن يَشهَدُ لي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قالَ الثَّالِثةَ مِثلَه، فقالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يا رَسولَ اللهِ، وسَلَبُه عِنْدي فأَرْضِه عَنِّي ...)) [13] أخرجه البُخارِيُّ (3142) واللَّفْظُ له، ومسلم (1751). .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
في قَوْلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((مَن قَتَلَ قَتيلًا له عليه بَيِّنةٌ فله سَلَبُه)) دَليلٌ على جَوازِ الجَعالةِ؛ إذ هذه هي صورةُ الجَعالةِ [14] يُنظَرُ: ((الكافي)) لابن قُدامةَ (4/139). .
ثالِثًا: لأنَّ الحاجةَ تَدْعو إلى ذلك؛ فإنَّ العَمَلَ قد يكونُ مَجْهولًا، كرَدِّ الآبِقِ والضَّالَّةِ ونَحْوِ ذلك، فلا يَصِحُّ أن تَنْعقِدَ الإجارةُ فيه، والحاجةُ داعِيةٌ إلى رَدِّهما، وقدْ لا يَجِدُ مَن يَتَبرَّعُ به، فدَعَتِ الحاجةُ إلى إباحةِ بَذْلِ الجُعْلِ فيه معَ جَهالةِ العَمَلِ؛ لأنَّها غَيْرُ لازِمةٍ، بخِلافِ الإجارةِ [15] ((المغني)) لابن قُدامةَ (6/94). .

انظر أيضا: