الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: لُزومُ عَقْدِ الإجارةِ


عَقْدُ الإجارةِ عَقْدٌ لازِمٌ [22] بمَعْنى: لا يَحِقُّ لأحَدِ المُتَعاقِدَينِ فَسْخُ الإجارةِ بدونِ سَبَبٍ يَقْتَضي الفَسْخَ أو بدونِ رِضا الطَّرَفِ الآخَرِ. ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأرْبَعةِ: الحَنَفِيَّةِ [23] ((المبسوط)) للسرخسي (21/297)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/85)، ((العناية)) للبابرتي (9/101). ، والمالِكِيَّةِ [24] ((مواهب الجليل)) للحطاب (7/494)، ((منح الجليل)) لعليش (7/432). ، والشَّافِعِيَّةِ [25] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/187)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/356). ، والحَنابِلةِ [26] ((الإنصاف)) للمرداوي (6/44)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/23). ، وحُكِيَ الإجْماعُ على ذلك [27] قالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ في الإجارةِ: (إن كانَتْ صَحيحةً فهي لازِمةٌ مِن الطَّرَفينِ باتِّفاقِ المُسلِمينَ، وليس للمُؤَجِّرِ أن يُخرِجَ المُسْتَأجِرَ). ((مجموع الفتاوى)) (30/185). وقالَ: (وأمَّا إن سَكَنوا على الوَجْهِ الَّذي جَرَتْ به العادةُ في سُكْنى المُسْتَأجِرينَ، مِثلُ أن يَجيءَ إلى المالِكِ فيقولَ: أَجِّرْني المَكانَ الفُلانيَّ بكَذا، فيقولَ: اذْهَبْ فأَشهِدْ عليك، ويُشهِدُ على نفْسِه المُستَأجِرَ دونَ المُؤَجِّرِ، ويُسلِّمُ إليه المَكانَ. وإذا أرادَ السَّاكِنُ أن يَخرُجَ لم يُمَكِّنْه صاحِبُ المَكانِ، فهذه إجارةٌ شَرْعيَّةٌ. ومَن قالَ: إنَّ هذه ليست إجارةً شَرْعيَّةً وليس للسَّاكِنِ أن يَخرُجَ إلَّا بإذْنِ المالِكِ، والمالِكُ يُخرِجُه متى شاءَ، فقدْ خالَفَ إجْماعَ المُسِلِمينَ؛ فإنَّ الإجارةَ إن كانت شَرْعيَّةً فهي لازِمةٌ مِن الطَّرَفَينِ، وإن كانت باطِلةً فهي باطِلةٌ مِن الطَّرَفَينِ، ومَن جَعَلَها لازِمةً مِن جانِبِ المُسْتَأجِرِ جائِزةً مِن جانِبِ المُؤَجِّرِ فقدْ خالَفَ إجْماعَ المُسلِمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (30/165). وخالَفَ شُرَيحٌ في المَسْألةِ، قالَ الشَّافِعيُّ: (وقالَ بعضُ النَّاسِ: تُفسَخُ الإجاراتُ بمَوْتِ أيِّهما ماتَ ويَفسَخُها بالعُذْرِ، ثُمَّ ذَكَرَ أشْياءَ يَفسَخُها بها قد تكونُ مِثلَها، ولا يَفسَخُها به «قالَ الشَّافِعيُّ»: فقيلَ لبعضِ مَن يقولُ هذا القَوْلَ: أَقُلْتَ هذا بخَبَرٍ؟ قالَ: رُوِّينا عن شُرَيحٍ أنَّه قالَ: إذا أَلْقى المِفْتاحَ بَرِئَ، فقيلَ له: أَكَذا نَقولُ بقَوْلِ شُرَيحٍ؟ فشُرَيحٌ لا يَرى الإجارةَ لازِمةً ويَرى أنَّ لكلِّ واحِدٍ مِنهما فَسْخَها بلا مَوْتٍ ولا عُذْرٍ، قالَ: هكذا قالَ شُرَيحٌ، ولَسْنا نَأخُذُ بقَوْلِه، قيلَ: فلِمَ تَحتَجُّ بما تُخالِفُ فيه وتَزعُمُ أنَّه ليس بحجَّةٍ؟). ((الأم)) (4/31). وقالَ السَّرْخَسيُّ: (مَذهَبَ شُرَيْحٍ في الإجارةِ أنَّه لا يَتَعلَّقُ بها اللُّزومُ، فلكلِّ واحِدٍ مِنهما أن يَنْفرِدَ بفَسْخِه؛ لأنَّه عَقْدٌ على المَعْدومِ بمَنزِلةِ العاريَّةِ). ((المبسوط)) (15/79). .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الكِتابِ
قَوْلُه تَعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1] .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ بالوَفاءِ بالعُقودِ، وفَسْخُ الإجارةِ بدونِ ما يَقْتَضي ذلك ليس مِن الوَفاءِ بالعُقودِ [28] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/201). .
ثانِيًا: لأنَّ الإجارةَ تَمْليكٌ للمَنْفَعةِ بعِوَضٍ، فأَشبَهَتِ البَيْعَ، فتَلزَمُ [29] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/201). .
ثالِثًا: لأنَّها مُعاوَضةٌ عُقِدَتْ مُطلَقةً فلا يَنْفرِدُ أحَدُ العاقِدَينِ فيها بالفَسْخِ إلَّا إذا وُجِدَ ما يَقْتَضي الفَسْخَ [30] يُنظر: ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/653)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/201). .

انظر أيضا: