الموسوعة الفقهية

الفصلُ الحادي عشَرَ: خِيارُ الشَّرطِ في الصَّرْفِ


اختلَفَ العلماءُ في صحَّةِ خِيارِ الشَّرطِ في الصَّرْفِ على قولَينِ:
القولُ الأوَّلُ: لا يَصِحُّ خِيارُ الشَّرطِ في الصَّرْفِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزَّيلَعي (4/136)، ((العناية)) للبابرتي (7/138). ، والمالِكيَّةِ ((التاج والإكليل)) للموَّاق (4/309)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/137). ، والشَّافعيَّةِ ((فتح العزيز)) للرافعي (8/314)، ((المجموع)) للنَّوَوي (9/192). ، والحَنابِلةِ ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/204)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/90).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الخيارَ يَمنَعُ اسْتِحقاقَ القَبضِ ما دامَ الخيارُ باقيًا؛ لأنَّ اسْتِحقاقَه مَبنيٌّ على المِلكِ، والخيارَ يَمنَعُه يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (4/136).
ثانيًا: لأنَّ الخيارَ لا يَجوزُ فيه النَّقدُ، والصَّرْفَ لا يَجوزُ أنْ يَتأخَّرَ فيه النَّقدُ يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/137).
ثالثًا: لأنَّ ما يُشترَطُ فيه القبضُ لا يُحتمَلُ فيه التَّأجيلُ، والخيارَ أعظَمُ غَررًا منَ الأجَلِ؛ لأنَّه مانعٌ منَ المِلكِ أو مِن لُزومِه؛ فهو أوْلى بألَّا يُحتمَلَ يُنظر: ((فتح العزيز)) للرافعي (8/314).
رابعًا: لأنَّ المقصودَ منَ اعْتبارِ القَبضِ أنْ يَتفرَّقا، ولا عُلقةَ بيْنهما تَحرُّزًا منَ الرِّبا، أو مِن بَيعِ الكالئِ بالكالئِ، ولو أثْبَتْنا الخيارَ لبَقِيَتِ العُلقةُ بيْنهما بعدَ التَّفرُّقِ يُنظر: ((فتح العزيز)) للرافعي (8/314).
القولُ الثَّاني: يَصِحُّ خيارُ الشَّرطِ في الصَّرْفِ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ قال ابنُ تيميَّةَ: (يَثبُتُ خيارُ الشَّرطِ في كلِّ العقودِ ولو طالَتِ المدَّةُ) ((الفتاوى الكبرى)) (5/390). ، والسِّعديِّ قال السِّعديُّ: (الصحيحُ ثُبوتُ خيارِ الشَّرطِ في الإجارةِ مُطلقًا، وفي الصَّرفِ والسَّلَمِ والضَّمانِ والكَفالةِ) ((المختارات الجلية) (ص: 76). ، وابنِ عُثَيمينَ قال ابنُ عُثيمين: (فشَرطُ الخيارِ يُنافي ذلك، فلهذا لا يَصحُّ خيارُ الشَّرطِ فيما قبَضَه قبْلَ التَّفرُّقِ شرطًا لصحَّتِه، ولكنَّ الصَّحيحَ ثُبوتُه في الصَّرْفِ، ونقولُ: اقْبِضا قبْلَ التَّفرُّقِ، ويَبْقى بأيْديكما على حسَبِ ما اشْترَطْتُما؛ فإمَّا أنْ تُمْضيَا البيعَ، وإمَّا أنْ تَفْسَخاه؛ لعمومِ قولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «المسلمونَ على شُروطِهم») ((الشرح الممتع)) (8/281).
الأدلَّةُ:
أولًا: منَ السُّنَّةِ
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((المسلِمونَ على شُروطِهم)) أخرَجَه البُخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجزمِ قبْلَ حديثِ (2274)، وأخرَجَه مَوْصولًا أبو داودَ (3594)، والحاكمُ (2309)، مِن حديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه. صحَّحَه ابنُ حِبَّانَ في ((صحيحه)) (5091)، وصحَّحَ إسنادَه عبدُ الحقِّ الإشْبيليُّ في ((الأحكام الصغرى)) (718)، وقال النَّوَويُّ في ((المجموع)) (9/367): إسنادُه حَسَنٌ أو صحيحٌ، وحسَّنَ إسنادَه ابنُ الملقِّن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/69)، وابنُ كثيرٍ في ((إرشاد الفقيه)) (2/54)، وقال الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3594): حسنٌ صحيحٌ.
ثانيًا: منَ الآثارِ:
عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه قال: (إنَّ مَقاطعَ الحقوقِ عندَ الشُّروطِ، ولكَ ما شَرطْتَ) أخرَجَه البُخاريُّ معلَّقًا بصيغةِ الجزمِ قبْلَ حديثِ (5151)، وأخرَجَه أيضًا بصِيغةِ الجزمِ قبْلَ حديثِ (2721)، وأخرَجَه مَوْصولًا ابنُ أبي شَيْبةَ (16706)، وسعيدُ بنُ منصورٍ في ((السنن)) (663). صحَّحَ إسنادَه على شرطِ الشَّيخَينِ الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (6/304)، وصحَّحَه (1891) بلفظ: (مقاطعُ الحقوقِ عندَ الشُّروطِ).
ثالثًا: كونُ الصَّرْفِ يُشترَطُ لصحَّتِه التَّقابُضُ لا يَمنَعُ ثُبوتَ الخيارِ، فيَحصُلُ التَّقابُضُ؛ فإنْ لم يُفسَخْ فقدْ حصَلَ المقصودُ، وإنْ فُسِخَ رجَعَ كلٌّ بما دفَعَه يُنظر: ((المختارات الجلية) للسعدي (ص: 76).

انظر أيضا: