الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ السَّابعُ: أسبابُ انتهاءِ خِيار المجلِسِ


الفرعُ الأوَّلُ: إسقاطُ خِيارِ المجلِسِ في الابتداءِ قال ابنُ قُدامةَ -في التَّفريقِ في إسقاطِ الخيارِ ابتداءً وبعْدَ العقدِ-: (فالتَّخايرُ في ابتدائهِ أن يقولَ: بِعتُك ولا خيارَ بيْننا. ويَقبَلُ الآخَرُ على ذلك، فلا يكونُ لهما خيارٌ. والتَّخايرُ بعْده أن يقولَ كلُّ واحدٍ منهما بعْد العقدِ: اختَرْتُ إمضاءَ العقدِ، أو إلزامَه، أو اخترْتُ العقدَ، أو أسقطْتُ خِياري، فيَلزَمُ العقدُ من الطَّرَفينِ، وإنِ اختار أحدُهما دونَ الآخَرِ، لَزِم في حقِّه وحْدَه، كما لو كان خيارُ الشَّرطِ لهما، فأسقَطَ أحدُهما خِيارَه دونَ الآخَرِ. وقال أصحابُ الشَّافعيِّ: في التَّخايرِ في ابتداءِ العقدِ قولانِ) ((المغني)) (3/486).
إذا أسقَطَ البائعُ والمُشْتري خِيارَ المجلِسِ ابتداءً بأنْ لا خِيارَ بيْنهما؛ يَسقُطُ الخيارُ ويصِحُّ البيعُ، وهو مَذهَبُ الحنابِلةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (3/404، 405)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/268). ، ووجهٌ عندَ الشَّافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (9/179). ، وهو اختيارُ ابنِ عُثَيمينَ قال ابنُ عُثَيمينَ: (قولُه: «وإنْ نَفَياه» أي: نَفَيا الخيارَ قبْلَ ثُبوتِه، وكيفيَّةُ النفيِ: أنْ يَتبايَعا على أنْ لا خيارَ بيْنهما، فيقول: أنا سَأبيعُ عليك، لكنْ لا خيارَ بيْننا، فقال: لا بأسَ، فيَسقُطُ الخيارُ، ويقعُ العقدُ لازمًا بمُجرَّدِ الإيجابِ والقَبولِ) ((الشرح الممتع)) (8/269)، ويُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (4/4).
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن ابنِ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنَّه قال: ((إذا تَبايَعَ الرَّجلانِ، فكلُّ واحدٍ منهما بالخيارِ ما لم يَتفرَّقا وكانا جَميعًا، أو يُخيِّرُ أحدُهما الآخَرَ، فإنْ خيَّرَ أحدُهما الآخَرَ، فتَبايَعا على ذلك؛ فقدْ وجَبَ البيعُ، وإنْ تَفرَّقا بعْدَ أنْ يَتبايَعَا، ولم يَترُكْ واحدٌ منهما البيعَ؛ فقدْ وجَبَ البيعُ)) أخرجه البخاري (2112)، ومسلم (1531) واللفظ له.
وَجهُ الدلالةِ مِن الحديث:
قولُه: ((فقدْ وجَب البيعُ)) أي: لَزِم إذا تَخايَرا ابتداءً يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/404).
ثانيًا: لأنَّه أحدُ الخيارينِ في البيعِ، فجاز إخلاؤهُ عنه، كخيارِ الشَّرطِ يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/486).
الفرعُ الثَّاني: اختيارُ إمضاءِ البيعِ في المجلسِ
يَنْتهي خِيارُ المجلِسِ باختيارِ إمضاءِ البيعِ في المجلسِ، وهو مَذهَبُ الشَّافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (9/222)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/336، 337). والحنابِلةِ ((الفروع)) لابن مفلح (6/215)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/200). ، وابنِ عُثَيمينَ قال ابنُ عُثَيمينَ: (قولُه: «أو أسقطاهُ سَقَط» بعْد ثُبوتِه، أي: بعْدَ أنْ تمَّ العقدُ، ومَضى دقيقةٌ أو دقيقتانِ أو عشْرُ دقائقَ، اتَّفقا على إسقاطِ الخيارِ؛ فإنَّه يَسقُطُ) ((الشرح الممتع)) (8/269).
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن ابنِ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنَّه قال: ((إذا تَبايَعَ الرَّجلانِ، فكلُّ واحدٍ منهما بالخيارِ ما لم يَتفرَّقا وكانا جَميعًا، أو يُخيِّرُ أحدُهما الآخَرَ، فإنْ خيَّرَ أحدُهما الآخَرَ، فتَبايَعا على ذلك؛ فقدْ وجَبَ البيعُ، وإنْ تَفرَّقا بعْدَ أنْ يَتبايَعَا، ولم يَترُكْ واحدٌ منهما البيعَ؛ فقدْ وجَبَ البيعُ)) أخرجه البخاري (2112)، ومسلم (1531) واللفظ له.
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه: ((فإنْ خيَّرَ أحدُهما الآخَرَ، فتَبايَعا على ذلك؛ فقدْ وجَبَ البيعُ )) أي: إذا تَبايَعا واختارَا إمضاءَ البيعِ، لَزِم البيعُ يُنظر: ((المغني)) لابن قُدامةَ (3/486)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (3/404).
ثانيًا: لأنَّ خِيارَ المجلِسِ حقُّهما، فسَقَط بإسقاطِهما يُنظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/8).
الفرعُ الثَّالثُ: اختيارُ فسْخِ العقدِ في المجلسِ
يَنتهي خِيارُ المجلِسِ بفسْخِ العقدِ في المجلسِ، وهو مَذهَبُ الشَّافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (9/202)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/44)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/22). والحنابِلةِ ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/88). ، وهو قولُ ابنِ القيِّمِ قال ابنُ القيِّمِ: (فإنَّ الشَّارعَ -صَلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وعلى آلِه- أثبَتَ خيارَ المجلسِ في البيعِ حِكمةً ومَصلحةً للمتعاقدينِ، وليَحصُلَ تَمامُ الرِّضا الذي شرَطَه تعالَى فيه؛ فإنَّ العقدَ قدْ يقَعُ بَغتةً مِن غيرِ تَروٍّ ولا نظَرٍ في القيمةِ، فاقتَضَت مَحاسِنُ هذه الشَّريعةِ الكاملةِ أنْ يَجعَلَ للعقدِ حَريمًا يَتروَّى فيه المتبايعانِ ويُعيدانِ النَّظرَ، ويَستدرِكُ كلُّ واحدٍ منهما عَيبًا كان خَفيًّا، فلا أحسَنَ مِن هذا الحكمِ ولا أرفَقَ لمصلحةِ الخلْقِ؛ فلو مكَّن أحدُ المتعاقدينِ الغابن للآخَرِ مِن النُّهوضِ في الحالِ والمبادَرةِ إلى التفرُّقِ؛ لَفاتت مَصلحةُ الآخَرِ ومَقصودُ الخيارِ بالنِّسبةِ إليه، وهَبْ أنك أنت اخترْتَ إمضاءَ البيعِ، فصاحبُك لم يتَّسِعْ له وقْتٌ يَنظُرُ فيه ويَترَّوى)، ((إعلام الموقعين)) (3/194). ، والشَّوكانيِّ قال الشَّوكانيُّ: (إذا اختار مَن له الخيارُ الفسْخَ، ردَّ كلُّ واحدٍ منهما تلك العينَ الَّتي قَبَضها كما هي) ((السيل الجرار)) (ص: 528). وقال: («البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يَتفرَّقا»، وفي لفظٍ: «حتى يَفتَرِقَا»، وفي لفظٍ فيهما: «المتبايعانِ كلُّ واحدٍ منهما بالخيارِ على صاحبِه ما لم يَفتَرِقَا، إلَّا بيعَ الخيارِ»، فأثبَتَ صَلَّى اللهُ عليْهِ وآلِهِ وسلَّمَ الخيارَ قبْلَ التفرُّقِ؛ لأنَّه مَظِنةُ التأمُّلِ والتدبُّرِ للمَبيعِ، وعدمِ الإحاطةِ بجَميعِ أوصافِه، والجهلِ لشَيءٍ منها؛ فهو قبْلَ التفرُّقِ إذا وَجَد ما لا يَرْتضِيه كان له أن يَفسَخَ به؛ لأنَّه إذ ذاك واقعٌ في الغَررِ بالعقدِ الذي عقَدَه قبْلَ الاطِّلاعِ على هذا الأمرِ الذي كان سَببًا للفسْخِ، فهو قبْلَ التفرُّقِ مُتمكِّنٌ مِن التَّخلُّصِ مِن عُهدةِ العقْدِ، وقادرٌ على الخروجِ ممَّا دخَلَ فيه مِن الغَررِ) ((الفتح الرباني)) (7/3531). ، وابنِ عُثَيمينَ قال ابنُ عُثَيمينَ: (مِن فَوائدِ الحديثِ: جَوازُ إسقاطِ الإنسانِ ما هو حقٌّ له وإنْ لم يَرْضَ الآخَرُ؛ لقولِه: «ولم يَترُكْ واحدٌ منهما البيعَ»، فإذا قال البائعُ -مثلًا- للمشتري لمَّا قال: اخترْتُ فسْخَ العقدِ، قال: لا يُمكِنُ؛ لأنَّ هذا يضُرُّ بالسِّلعةِ ويَهدِمُ مُستقبَلَها، فجَوابُه أنْ يقولَ له: هذا حقٌّ جعَله الشارعُ لي، ولا يُمكِنُ أنْ تَمنَعَني إيَّاه، ولكنْ يَجِبُ أنْ نَعلَمَ أنَّه متى قصَدَ المختارُ إضرارَ صاحبِه، كان ذلك حَرامًا عليه... لكنْ إذا كان فسْخُ البيعِ عن رَغبةٍ لا عن قصْدِ الإضرارِ، فإنَّ هذا حقٌّ له) ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (4/5). وقال: (الحكمةُ مِن خيارِ المجلِسِ هي أنَّ الإنسانَ قدْ يَتعجَّلُ في بَيعِ الشَّيءِ أو شِرائهِ، ويقَعُ ذلك منه مِن غيرِ تَروٍّ، فيَحتاجُ إلى أنْ يُعطى هذه الفُسحةَ، وإنَّما أُعطِيَ هذه الفُسحةَ؛ لأنَّه إذا وقَعَ الشَّيءُ في مِلكِ الإنسانِ، فإنَّ الرَّغبةَ الَّتي كانت عِنده قبْلَ أنْ يَتملَّكَه تَقِلُّ، فجعَلَ الشارعُ له الخيارَ، وهذا مِن حِكمةِ الشارعِ) ((الشرح الممتع)) (8/263). ؛ وذلك لأنَّ إثباتَ الخيارِ إنَّما قُصِدَ به التَّمكُّنُ مِن الفسْخِ دونَ الإجازةِ؛ لأصالتِها يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشِّربيني (2/44).

انظر أيضا: