الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: ضَمانُ هَلاكِ الثَّمرِ المَبيعِ دونَ الأصلِ بجائحةٍ


إذا هَلَك الثَّمرُ المَبيعُ دونَ الأصلِ بجائحةٍ قبْلَ الجُذاذِ، ضَمِنَه البائعُ، وهو مَذهَبُ المالكيَّةِ ((منح الجليل)) لعُلَيش (5/ 303)، ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (3/ 241). والحنابِلةِ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/ 86)، ويُنظر: ((شرح الزركشي)) (3/ 519)، ((كشف المُخدَّرات)) (1/ 406). ، والقديمُ مِن مَذهَبِ الشَّافعيِّ ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/562)، ((نهاية المحتاج)) للرَّملي (4/ 153). ، وهو قولُ بعضِ السَّلفِ قال ابنُ قُدامةَ: (ما تُهلِكُه الجائحةُ مِن الثِّمارِ مِن ضَمانِ البائعِ. وبهذا قال أكثَرُ أهلِ المدينةِ، منهم يَحيى بنُ سَعيدٍ الأنصاريُّ، ومالكٌ، وأبو عُبَيدٍ، وجماعةٌ مِن أهلِ الحديثِ. وبه قال الشَّافعيُّ في القديمِ) ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/ 80) ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّةَ: (... ولهذا كان مَذهبُ أهلِ المدينةِ وفُقهاءِ الحديثِ: أنَّها إذا تَلِفت بعْدَ البيعِ بجائحةٍ، كانت مِن ضَمانِ البائعِ... مع أنِّي لا أعلَمُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُنَّةً صَريحةً بأنَّ المَبيعَ التَّالفَ قبْلَ التَّمكُّنِ مِن القبضِ يكونُ مِن مالِ البائعِ ويَنفسِخُ العقدُ بتَلفِه، إلَّا حَديثَ الجوائحِ هذا، ولو لم يكُنْ فيه سُنَّةٌ لكان الاعتبارُ الصَّحيحُ يُوافِقُه؛ وهو ما نَبَّه عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقولِه: ((بِمَ يَأخُذُ أحدُكم مالَ أخيهِ بغيرِ حقٍّ؟!)) فإنَّ المشتريَ للثَّمرةِ إنَّما يَتمكَّنُ مِن جُذاذِها عندَ كَمالِها ونُضجِها، لا عندَ العقدِ) ((مجموع الفتاوى)) (29/ 49) ، والصَّنعانيِّ قال الصَّنعانيُّ -في تَعليقِه على حديثِ جابرٍ: ((لو بِعتَ مِن أخيكَ ثمَرًا))-: (في الحديثِ دَليلٌ على أنَّ الثِّمارَ الَّتي على رُؤوسِ الشَّجرِ إذا باعَها المالِكُ وأصابتْها جائحةٌ، أنْ يكونَ تَلَفُها مِن مالِ البائعِ وأنَّه لا يَستحِقُّ على المشتري في ذلك شيئًا) ((سبل السلام)) (3/ 48). ، والشَّوكانيِّ قال الشَّوكانيُّ -في تَعليقِه على حديثِ جابرٍ: ((لو بِعتَ مِن أخيكَ ثمَرًا))-: (وفيه دَليلٌ على وضْعِ الجوائحِ؛ لأنَّ معناه: أنَّ الثَّمرَ إذا تَلِف كان الثَّمنُ المدفوعُ بلا عِوَضٍ، فكيْف يَأكُلُه البائعُ بغيرِ عِوَضٍ؟!) ((نيل الأوطار)) (5/ 206) ، وابنِ عُثَيمينَ قال ابنُ عُثَيمينَ: (قولُه: «وإنْ تَلِفت بآفةٍ سَماويَّةٍ» الضَّميرُ يعودُ على الثَّمرةِ، أي: إذا تَلِفت الثَّمرةُ بعْدَ أنْ بِيعَت بعْدَ بُدوِّ الصَّلاحِ بآفةٍ سَماويَّةٍ، مِثل حَرٍّ شَديدٍ أفسَدَ الثَّمرَ، أو بَردٍ أسقَطَ الثَّمرَ، أو جَرادٍ أكَلها، فالآفةُ السَّماويَّةُ أعمُّ ممَّا يَظهَرُ مِن لفظِها؛ إذ إنَّ المرادَ بها ما لا يُمكِنُ المشتري تَضمينَه، سَواءٌ كان بآفةٍ سَماويَّةٍ لا صُنعَ للآدميِّ فيه، أو بصُنعِ آدميٍّ لا يُمكِنُ أنْ يُضمَنَ... قولُه: «رجَعَ على البائعِ» أي: يَرجِعُ المشتري على البائعِ بكلِّ الثَّمنِ الذي دَفَعه له، والدليلُ قولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا بِعتَ مِن أخيكَ ثمَرًا، فأصابتْه جائحةٌ، فلا يَحِلُّ لك أنْ تَأخُذَ منه شيئًا؛ بِمَ تَأخذُ مالَ أخيكَ بغيرِ حقٍّ؟!») ((الشرح الممتع)) (9/38).
الأدلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بوضْعِ الجوائحِ )) أخرجه مسلم (1554).
عن أبي الزُّبيرِ، أنَّه سَمِع جابرَ بنَ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما يقولُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لو بِعتَ مِن أخيكَ ثمَرًا، فأصابتْه جائحةٌ، فلا يَحِلُّ لك أنْ تَأخُذَ منه شيئًا، بِمَ تَأخُذُ مالَ أخيكَ بغيرِ حَقٍّ ؟!)) أخرجه مسلم (1554)
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحديثِ دَليلٌ على أنَّ الثِّمارَ الَّتي على رُؤوسِ الشَّجرِ إذا باعَها المالِكُ وأصابتْها جائحةٌ؛ أنْ يكونَ تَلَفُها مِن مالِ البائعِ يُنظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/ 206)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 66).
ثانيًا: لكونِ الثَّمرِ على رُؤوسِ الأشجارِ كالإجارةِ، وهي مِن ضَمانِ المؤجِّرِ، فكذلك الثَّمرُ إذا تَلِفَ على رُؤوسِ الشَّجرِ يُنظر: ((شرح الزركشي)) (3/ 520)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّةَ (29/50).

انظر أيضا: