الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الرَّابعُ: بَيعُ الثِّمارِ الَّتي تَظهَرُ بالتَّدرُّجِ  


الثَّمرُ الذي يَظهَرُ بالتَّدرُّجِ -كالبِطِّيخِ والباذِنْجانِ والخِيارِ- يَجوزُ أنْ يُباعَ صَفقةً واحدةً إذا بَدا صَلاحُ أوَّلِه وإنْ لم يَظهَرْ ما بعْدَه، وهو مَذهَبُ المالكيَّةِ ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/685)، ((التاج والإكليل)) للمواق (4/501)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (5/295)، ويُنظر: ((المعونة على مذهب عالم المدينة)) (ص: 1009)، ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/544). ، وقولُ بعضِ الحنَفيَّةِ ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (5/324، 325)، ((الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين)) (4/555). وبعضِ الحنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (5/55)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية(29/ 489) ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/10). ، واختارَه ابنُ تَيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّةَ: (وممَّا يُشبِهُ ذلك بَيعُ المَقاثِي، كمَقاثي البِطِّيخِ والخيارِ والقِثَّاءِ وغيرِ ذلك؛ فمِن أصحابِ الشَّافعيِّ وأحمَدَ وغيرِهما مَن يقولُ: لا يجوزُ بيعُها إلَّا لُقَطةً لُقَطةً. وكثيرٌ مِن العلماءِ مِن أصحابِ مالكٍ وأحمَدَ وغيرِهما قالوا: إنَّه يَجوزُ بيعُها مُطلَقًا على الوجْهِ المعتادِ، وهذا هو الصَّوابُ؛ فإنَّ بيعَها لا يُمكِنُ في العادةِ إلَّا على هذا الوجْهِ، وبَيعُها لُقَطةً لُقَطةً إمَّا مُتعذِّرٌ وإمَّا مُتعسِّرٌ؛ فإنَّه لا يَتميَّزُ لُقَطةٌ عن لقطةٍ؛ إذ كَثيرٌ مِن ذلك لا يُمكِنُ التقاطُه ويُمكِنُ تأخيرُه؛ فبَيعُ المَقْثاةِ بعْدَ ظُهورِ صَلاحِها كبَيعِ ثَمرةِ البُستانِ بعْدَ بُدوِّ صَلاحِها وإنْ كان بعضُ المَبيعِ لم يُخلَقْ بعْدَ ولم يُرَ) ((مجموع الفتاوى)) (29/ 489). ، وابنُ القَيِّمِ قال ابنُ القيِّمِ: (بَيعُ المَقاثي والمَباطخِ والباذنجانِ؛ فمَن منَعَ بيْعَه إلَّا لُقطةً لُقطةً قال: لأنَّه مَعدومٌ؛ فهو كبَيعِ الثَّمرةِ قبْلَ ظُهورِها، ومَن جوَّزَه -كأهلِ المدينةِ وبعضِ أصحابِ أحمَدَ- فقولُهم أصحُّ؛ فإنَّه لا يُمكِنُ بيعُها إلَّا على هذا الوجهِ، ولا تَتميَّزُ اللُّقطةُ المَبيعةُ عن غيرِها، ولا تقومُ المصلحةُ ببَيعِها كذلك) ((إعلام الموقعين)) (2/10).
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّ الضَّرورةَ تَدْعو إلى بَيعِه مع ما فيه مِن الغرَرِ؛ لأنَّا لو منَعْناه لَأدَّى إلى أحدِ أمرينِ: إمَّا أنْ يَنفرِدَ الموجودُ بالبيعِ، وهو إنَّما يُوجَدُ أوَّلًا فأوَّلًا، وذلك يُؤدِّي إلى اختلاطِ ما ظهَرَ بما لم يَظهَرْ؛ لأنَّ خُروجَه مُتتابِعٌ، فليْس يُؤخَذُ الأوَّلُ إلَّا وقدْ خرَجَ الثَّاني، ويشُقُّ التَّمييزُ بيْن الثَّمرتينِ، أو ألَّا يُباعَ إلَّا بعْدَ ظُهورِ جَميعِه، وفي ذلك إضاعتُه وإفسادُه؛ فدَعَت الحاجةُ إليه مع قِلَّةِ الغرَرِ فيه ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/545)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّةَ (29/ 489).
ثانيًا: لأنَّه يجوزُ بَيعُ ما لم يَبْدُ صَلاحُه مِن الثَّمرِ تبعًا لِما قدْ بَدَا صَلاحُه، فكذلك يجوزُ بَيعُ ما لم يَظهَرْ تبَعًا لِما ظهَرَ ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/545)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/70)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيِّمِ (2/10).

انظر أيضا: