الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّاني: حُكْمُ التَّورُّقِ


يَجوزُ التَّورُّقُ، نصَّ عليه الحَنابِلةُ ((الإنصاف)) للمرداوي (4/243)، ((الإقناع)) للحَجَّاوي (2/77). ، وهو مُقْتضى مَذهَبِ المالِكيَّةِ -في المشهورِ- لكنَّهم يَرَون الكراهةَ. ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/294)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (3/89)، وينظر: ((المدونة)) لسحنون (3/167، 168). ، والشَّافِعيَّةِ الشَّافعيَّةُ يَرَون جَوازَ بَيْعِ العِينةِ؛ وهو رُجوعُ السِّلعةِ إلى بائعِها الأوَّلِ إذا لم يكُنِ البَيْعُ الثَّاني مُشروطًا في العقدِ، فمِن بابِ أَولى أنْ يكونَ التَّورُّقُ جائزًا عندهم، ولذلك ذكَرَ الشَّافعيَّةُ معْنى التَّورُّقِ في ثَنايا الكَلامِ على جَوازِ العِينةِ. ((المجموع)) للنووي (9/261)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/418، 419). ، وبعضِ الحَنَفيَّةِ ذكَرَ الحنفيَّةُ التَّورُّقَ على أنَّه صُورةٌ مِن صُوَرِ بَيْعِ العِينةِ، وأجازهُ بَعضُهم. ((فتح القدير)) لابن الهُمام (7/213)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (6/256)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/326)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيلعي (4/163)، ((الهداية)) للمَرْغِيناني (3/94). وبه صَدَر قَرارُ المْجمَعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ التَّابعِ لِرابطةِ العالَمِ الإسلاميِّ القرار الخامس، الدورة الخامسةَ عشرةَ، مكة المكرمة، 11 رجب، عام 1419 هـ ((قرارات المَجْمَع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة - الدورات من الأولى إلى السابعة عشرة - القرارات من الأول إلى الثاني بعْدَ المائة "1398-1424هـ/ 1977- 2004م)) (ص: 320). ، وأفتَتَ به اللَّجنةُ الدَّائمةُ في السُّعوديَّةِ جاء في فتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ: (مسْألةُ التَّورُّقِ: هي أنْ تَشترِيَ سِلْعةً بثَمنٍ مُؤجَّلٍ، ثمَّ تَبيعَها بثَمنٍ حالٍّ على غيرِ مَن اشْتَريْتَها منه بالثَّمنِ المؤجَّلِ؛ مِن أجْلِ أنْ تَنتفِعَ بثَمنِها، وهذا العملُ لا بأْسَ به عند جُمهورِ العُلَماءِ) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (13/161). ، واخْتارهُ ابنُ بازٍ قال ابنُ بازٍ: (أمَّا مسْألةُ التَّورُّقِ فليْست مِن هذا البابِ، وهي أخْذُ سِلْعةٍ بدَراهمَ إلى أجَلٍ، ثمَّ يَبيعُها هو بنَقدٍ في يَومِه أو غَدِه أو بعْدَ ذلك على غيرِ مَن اشْتَراها منه. والصَّوابُ حِلُّها؛ لعُمومِ الأدلَّةِ، ولِما فيها مِن التَّفريجِ والتَّيسيرِ وقَضاءِ الحاجةِ الحاضرةِ. أمَّا مَن باعَها على مَن اشْتَراها منه، فهذا لا يَجوزُ، بلْ هو مِن أعمالِ الرِّبا، وتُسمَّى مَسألةَ العِينةِ، وهي مُحرَّمةٌ؛ لأنَّها تَحيُّلٌ على الرِّبا) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (19/245). ، وابنُ عُثَيمينَ ابنُ عُثَيمينَ أجازه بشُروطٍ؛ قال ابنُ عُثَيمينَ: (أنا أرى أنَّها حَلالٌ بشَروطٍ؛ هي: الشَّرطُ الأوَّلُ: أنْ يَتعذَّرَ القرْضُ أو السَّلَمُ، أي: أنْ يَتعذَّرَ الحصولُ على المالِ بطَريقٍ مُباحٍ، والقرْضُ في وقْتِنا الحاضرِ، الغالبُ أنَّه مُتعذِّرٌ، ولا سيَّما عندَ التُّجَّارِ، إلَّا مَن شاء اللهُ، والسَّلَمُ أيضًا قَليلٌ، ولا يَعرِفُه النَّاسُ كَثيرًا، والسَّلَمُ هو تَعجيلُ الثَّمنِ وتَأخيرُ المَبيعِ، أي: آتي للشَّخصِ وأقولُ: أنا مُحتاجٌ عِشرينَ ألْفَ رِيالٍ، أعْطِني عِشرينَ ألْفَ ريِالٍ، أُعْطِيك بَدَلَها بعْدَ سَنةٍ سيَّارةً صِفتُها كذا وكذا، أو أُعْطِيك بَدَلَها بُرًّا أو أُرزًا، ويَصِفُه، فهذا يُسمَّى السَّلَمَ، ويُسمَّى السَّلَفَ، وهو جائزٌ؛ فقدْ كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم يَفعَلون ذلك السَّنةَ والسَّنتينِ في الثِّمارِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن أسْلَفَ في شَيءٍ، فلْيُسلِفْ في كَيلٍ مَعلومٍ، ووَزنٍ مَعلومٍ، إلى أجَلٍ مَعلومٍ». الشَّرطُ الثَّاني: أنْ يكونَ مُحتاجًا لذلك حاجةً بيِّنةً. الشَّرطُ الثَّالثُ: أنْ تكونَ السِّلعةُ عندَ البائعِ، فإنْ لم تكُنْ عندَ البائعِ فقدْ باع ما لم يَدخُلْ في ضَمانِه، وإذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن بَيْعِ السِّلعِ في مَكانِ شِرائِها حتَّى يَنقُلَها التَّاجرُ إلى رَحْلِه، فهذا مِن بابِ أوْلى؛ لأنَّها ليْست عندَه. فإذا اجتَمَعَت هذه الشُّروطُ الثَّلاثةُ، فأرْجو ألَّا يكونَ بها بأسٌ؛ لأنَّ الإنسانَ قدْ يُضطَرُّ أحيانًا إلى هذه المعامَلاتِ) ((الشرح الممتع)) (8/220، 221).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
عُمومُ قولِه تعالَى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة: 275]
ثانيًا: لعدَمِ الفرْقِ بيْن شِراءِ السِّلعةِ لاسْتِعمالِها، وشِرائِها لبَيعِها والاستفادةِ مِن ثَمنِها؛ لأنَّ الأوَّلَ أراد الانتفاعَ بعَينِها، والثَّانيَ أراد الانتِفاعَ بقِيمَتِها يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/219، 220).

انظر أيضا: