الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّاني: حُكْمُ الاستِصناعِ


يَجوزُ الاستِصناعُ بشُروطِه يُشترَطُ في عقْدِ الاستصناعِ: بَيانُ جِنسِ المسْتصنَعِ، ونَوعِه، وقدْرِه، وأوصافِه المطلوبةِ، وأنْ يُحدَّدَ فيه الأجَلُ. يُنظر: ((قرارات مَجْمَع الفِقه الإِسلامي - قرار رقم: 65 ( 3/7) بشأن عقد الاستصناع)). ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ عندَ الحنفيَّةِ: إذا ذُكِرَ الأجَلُ في الاستصناعِ يَتحوَّلُ إلى عقْدِ السَّلَمِ، ويُعتبَرُ فيه شُروطُ السَّلَمِ. ((تبيين الحقائق)) للزَّيلعي (4/123)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (6/185). ، وبه صدَرَ قَرارُ مَجمَعِ الفِقهِ الإسلاميِّ صدَر قرارٌ من مَجْمَع الفِقه الإسلامي بجوازِ عقْدِ الاستصناعِ، وهذا نصُّه: قَرار رقم: 67/ 3/ 7 إنَّ مَجلِسَ مَجْمَعِ الفِقهِ الإِسلاميِّ المنعقِدَ في دَورةِ مُؤتمرِه السابعِ بجُدَّةِ في الممْلَكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّةِ مِن 7 إلى 12 ذو القعدة 1412 هـ، الموافِق 9 - 14 مايو 1992 م. بعْدَ اطِّلاعِه على البحوثِ الواردةِ إلى المَجْمَعِ بخُصوصِ مَوضوعِ: (عقْدُ الاستصناعِ). وبعْدَ استماعِه للمُناقَشاتِ الَّتي دارت حوْلَه، ومُراعاةً لمقاصِدِ الشَّريعةِ في مَصالحِ العِبادِ والقواعدِ الفِقهيَّةِ في العقودِ والتَّصرُّفاتِ، ونظرًا لأنَّ عقْدَ الاستصناعِ له دَورٌ كَبيرٌ في تَنشيطِ الصِّناعةِ، وفي فتْحِ مَجالاتٍ واسعةٍ للتَّمويلِ والنُّهوضِ بالاقتصادِ الإِسلاميِّ، قرَّر: 1- أنَّ عقْدَ الاستِصناعِ -وهو عقْدٌ واردٌ على العمَلِ والعَينِ في الذِّمَّةِ- مُلزِمٌ للطَّرَفينِ إذا تَوفَّرَت فيه الأركانُ والشُّروطُ. 2- يُشترَطُ في عقْدِ الاستِصناعِ ما يلي: (أ) بَيانُ جِنسِ المسْتصنَعِ، ونَوعِه، وقدْرِه، وأوصافِه المطلوبةِ. (ب) أنْ يُحدَّدَ فيه الأجَلُ. 3- يَجوزُ في عقْدِ الاستِصناعِ تَأجيلُ الثَّمَنِ كلِّه، أو تَقسيطُه إلى أقساطٍ مَعلومةٍ لآجالٍ مُحدَّدةٍ. 4- يَجوزُ أنْ يَتضمَّنَ عقْدُ الاستِصناعِ شَرطًا جَزائيًّا بمُقْتضى ما اتَّفَقَ عليه العاقدانِ، ما لم تكُنْ هناك ظُروفٌ قاهرةٌ. واللهُ أعلَمُ. ومِن خِلالِ عقْدِ الاستِصناعِ تَستطيعُ مَراكزُ المالِ في السُّوقِ الإِسلاميَّةِ أنْ تُؤدِّيَ دَورَها في تَنشيطِ الصِّناعةِ، والزِّارعةِ، والحِرَفِ، كما يَجوزُ للمَصارِفِ الإسلاميَّةِ -والتي تَتعاقَدُ مع عَميلٍ ما لِبناءِ مَساكنَ، أو إقامةِ مَصانعَ، أو تَوريدِ بَضائعَ، حسَبَ الشُّروطِ الموجودةِ بيْن الطَّرَفينِ بالضَّوابطِ الشَّرعيَّةِ- أنْ تَقومَ بعقْدِ استِصناعٍ مُوازٍ؛ وذلك بالتَّقاوُلِ مع مُقاولٍ آخَرَ بنفْسِ الشُّروطِ السَّابقةِ على تَنفيذِ العقْدِ بسِعرٍ أقلَّ، ويكونُ رِبحُها مِقدارَ الفرْقِ بيْن العقْدينِ، واللهُ أعلَمُ. ، واخْتارَهُ ابنُ عُثَيمينَ سُئل ابنُ عُثَيمينَ عن رجُلٍ لَدَيه مَحلٌّ لبَيعِ الأثاثِ، ثمَّ إنَّه قدْ يَأتِيه المشْتري، فيَطلُبُ تَفصيلَ مَجلِسٍ، فيَحتاجُ أنْ يَذهَبَ إلى مَدينةٍ أُخرى ليُفصِّلَ له، ثمَّ يَتَّفِقَ معه على الثَّمنِ، وربَّما قبَضَ العُرْبونَ قبْلَ أنْ يَذهَبَ إلى التَّفصيلِ، فأجابَ: (نعمْ، هذا لا بأْسَ به؛ لأنَّه لم يَبِعْ عليه شيئًا مُعيَّنًا، إنَّما اتَّفَقَ معه على استِصناعِ شَيءٍ مُعيَّنٍ، فالصَّوابُ: أنَّه لا بأْسَ به، وليْس فيه مانعٌ، ويكونُ هذا ثابتًا في ذِمَّتِه، ويَعمَلُ بمُقْتضى العقْدِ) ((لقاء الباب المفتوح)) رقم اللقاء (131). ، وحُكِي الإجماعُ العمَليُّ على ذلك قال الكاسانيُّ: (يَجوزُ استحسانًا؛ لإجماعِ النَّاسِ على ذلك؛ لأنَّهم يَعمَلون ذلك في سائرِ الأعصارِ مِن غيرِ نَكيرٍ) ((بدائع الصنائع)) (5/2). وقال الزَّيلعيُّ: (أمَّا الاستِصناعُ فللإجماعِ الثَّابتِ بالتَّعامُلِ مِن لَدُنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى يَومِنا هذا) ((تبيين الحقائق)) (4/123). وقال ابنُ نُجَيمٍ: (دَليله، وهو الإجماعُ العمليُّ، وهو ثابتٌ بالاستحسانِ) ((البحر الرائق)) (6/185).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قولُه تعالى: قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا [الكهف: 94، 95]، قال ابنُ عبَّاسٍ: خَرْجًا: أجْرًا عَظيمًا يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/385).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالَى ذكَر أنَّهم طَلَبوا مِن ذي القَرْنينِ أنْ يَصنَعَ لهم السَّدَّ مُقابِلَ مالٍ يُخرِجونه له مِن أموالِهِم، وهذا هو الاستِصناعُ بعَينِه يُنظر: بحث: "عقْد الاستصناعِ" لمحمد الأشقر، منشور ضمن: ((بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة)) لمحمد الأشقر وآخرين (ص: 228). ، وشَرْعُ مَن قبْلَنا شَرْعٌ لنا ما لم يُنسَخْ.
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن نافعٍ، أنَّ عبْدَ اللهِ بنَ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما حدَّثه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اصطَنَعَ خاتمًا مِن ذهَبٍ، وجعَلَ فصَّه في بطْنِ كَفِّه إذا لَبِسَ ه...)) الحديثَ أخرجه البخاري (5876) واللفظ له، ومسلم (2091).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قولَه: اصطَنَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتمًا مِن ذهَبٍ، أي: أمَرَ أنْ يُصنَعَ له، كما تقولُ: اكتَتَبَ، أي: أمَرَ أنْ يُكتَبَ له يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (3/ 56).
2- عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّه بَعَث إلى امرأةٍ مِن الأنصارِ: مُرِي غُلامَكِ النَّجَّارَ يَعمَلْ لي أعوادًا، أجْلِسُ عليهنَّ إذا كلَّمتُ النَّاسَ )) أخرجه مطوَّلًا البخاري (917) واللفظ له، ومسلم (544).
ثالِثًا: لإجماعِ النَّاسِ على ذلك؛ لأنَّهم يَعمَلون ذلك في سائرِ الأعصارِ مِن غَيرِ نَكيرٍ يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/2)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيلعي (4/123).
رابعًا: لأنَّ الحاجةَ تَدْعو إليه؛ لأنَّ الإنسانَ قدْ يَحتاجُ إلى خُفٍّ أو نَعلٍ مِن جِنسٍ مَخصوصٍ، ونَوعٍ مَخصوصٍ، على قدْرٍ مَخصوصٍ وصِفةٍ مَخصوصةٍ، وقلَّما يَتَّفِقُ وُجودُه مَصنوعًا؛ فيَحتاجُ إلى أنْ يَستَصْنِعَ، فلو لم يَجُزْ لَوَقَعَ النَّاسُ في الحرَجِ يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/3).
خامسًا: لأنَّ فيه مَعْنى عَقدَينِ جائزينِ - وهما السَّلَمُ والإجارةُ-؛ لأنَّ السَّلَمَ عقْدٌ على مَبيعٍ في الذِّمَّةِ، واستِئجارُ الصُّنَّاعِ يُشْتَرَطُ فيه العمَلُ، وما اشتَمَلَ على مَعنى عقْدينِ جائزينِ كان جائزًا يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/3).
سادسًا: لأنَّه وإنْ كان مَعدومًا، إلَّا أنَّه أُلحِقَ بالموجودِ؛ لمَساسِ الحاجةِ إليه، كالمُسْلَمِ فيه، فلم يكُنْ بَيْعَ ما ليْس عندَ الإنسانِ على الإطلاقِ يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/3).

انظر أيضا: