الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ السَّادِسُ: حُكْمُ ظُهورِ عدَمِ الصِّدقِ في بَيْعِ المُرابَحةِ


الفَرْعُ الأوَّلُ: حُكْمُ ظُهورِ عدَمِ الصِّدقِ في قدْرِ الثَّمَنِ في بَيْعِ المُرابَحةِ
إذا لم يَصدُقِ البائعُ في قدْرِ الثَّمَنِ في بَيْعِ المُرابَحةِ، فللمُشْتري الخِيارُ بيْن الإمساكِ والرَّدِّ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ هو قولُ أبي حَنيفةَ ومحمَّدٍ. ((الهداية)) للمَرْغِيناني (3/56، 57)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/226). ، ومُقابِلُ الأظهَرِ عندَ الشَّافِعيَّةِ ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/535)، وينظر: ((بحر المذهب)) للرُّوياني (4/572). ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ ((كشَّاف القناع)) للبهوتي (3/231)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرحيباني (3/128). ، وهو اختيارُ ابنِ عُثَيمينَ إذا كان البائعُ مُتعمِّدًا الكذبَ؛ قال ابنُ عُثَيمينَ: (فإذا باع علَيَّ رجُلٌ سِلعةً برأْسِ مالِها، فقلْتُ له: كمْ رأْسُ المالِ؟ فقال لي: مائةٌ، ثمَّ تبيَّنَ أنَّ رأْسَ المالِ ثَمانون؛ فإنَّ لي الخِيارَ: إنْ شِئتُ أمسَكْتُها، وإنْ شِئتُ ردَدْتُها، وهذا الَّذي مَشى عليه المؤلِّفُ رِوايةً عن الإمامِ أحمدَ، والمَذهَبُ: أنَّه لا خِيارَ... وسبَقَ أنَّه لو قِيل بقَولٍ وسَطٍ في هذه المسألةِ؛ وهو أنَّه إذا ثبَتَ أنَّ البائعَ كاذِبٌ مُتعمِّدٌ، فإنَّه يَنْبغي أنْ يُمكَّنَ المشْتري مِن الخِيارِ؛ تَأديبًا للبائعِ وعُقوبةً له) ((الشرح الممتع)) (8/333-334). ؛ وذلك لأنَّ المُشْتريَ لم يَرْضَ بلُزومِ العقْدِ إلَّا بالقدْرِ المسمَّى مِن الثَّمَنِ، فلا يَلزَمُ بدُونِه، ويَثبُتُ له الخِيارُ؛ لفَواتِ السَّلامةِ عن الخِيانةِ، كما يَثبُتُ الخِيارُ بفَواتِ السَّلامةِ عن العَيبِ إذا وَجَدَ المَبيعَ مَعيبًا يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/226).
الفَرْعُ الثَّاني: حُكْمُ ظُهورِ عدَمِ الصِّدقِ في صِفةِ الثَّمَنِ في بَيْعِ المُرابَحةِ بأنِ اشْترى شَيئًا نَسِيئةً، ثمَّ باعَه مُرابَحةً على الثَّمَنِ الأوَّلِ، ولم يُبيِّنْ أنَّه اشْتراه نَسِيئةً. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/225).
إذا لم يَصدُقِ البائعُ في صِفةِ الثَّمَنِ في بَيْعِ المُرابَحةِ، فللمُشْتري الخِيارُ بيْن الإمساكِ والرَّدِّ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ ((بداية المبتدي)) للمَرْغِيناني (ص 138)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (6/124)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/225). ، والشَّافِعيَّةِ ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/432، 433)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/79). ، وقولٌ عندَ المالِكيَّةِ ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/ 438)، ((مِنَح الجليل)) لعُلَيش (5/ 272). ، وقولٌ عندَ الحَنابِلةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/444)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/317).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ المُرابَحةَ عقْدٌ بُنِيَ على الأمانةِ؛ لأنَّ المُشْتريَ اعتمَدَ البائعَ وائْتَمَنه في الخبَرِ عن الثَّمَنِ الأوَّلِ، فكانت الأمانةُ مَطلوبةً في هذا العقْدِ، فكانت صِيانتُه عن عدَمِ الصِّدقِ مَشروطةً دَلالةً؛ ففَواتُها يُوجِبُ الخِيارَ كفَواتِ السَّلامةِ عن العَيبِ يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/225)
ثانيًا: لأنَّ للأجَلِ شَبهًا بالمَبيعِ؛ ألَا تَرى أنَّه يُزادُ في الثَّمَنِ لأجْلِ الأجَلِ؟ والشُّبهةُ في هذا مُلْحَقةٌ بالحقيقةِ، فصار كأنَّه اشْتَرى شَيئَينِ، وباع أحدَهما مُرابَحةً بثَمنِهما، والإقدامُ على المُرابَحةِ يُوجِبُ السَّلامةَ عن مِثلِ هذه الخِيانةِ، فإذا ظَهَرت يُخيَّرُ كما في العَيبِ يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (6/124).
ثالِثًا: لأنَّ بَيْعَ المُرابَحةِ مَبنيٌّ على الأمانةِ؛ لاعتمادِ المُشْتري نَظَرَ البائعِ ورِضاه لنفْسِه ما رَضِيَه البائعُ مع زِيادةٍ يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/79).

انظر أيضا: