الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: حُكْمُ البَيْعِ على بَيْعِ المُسلِمِ والشِّراءِ على شِرائِه


يَحْرُمُ البَيْعُ على بَيْعِ المُسلِمِ كما لا يَجوزُ لِأحَدٍ أن يَبيعَ على بَيعِ الذِّمِّيِّ ولا يَسومَ على سومِه، قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (لا أعلَمُ خِلافًا في أنَّ الذِّمِّيَّ لا يَجوزُ لِأحَدٍ أن يَبيعَ على بَيعِه ولا يَسومَ على سومِه، وأنَّه والمُسلِمَ في ذلك سَواءٌ، إلَّا الأوزاعيَّ؛ فإنَّه قال: لا بأسَ بِدُخولِ المُسلِمِ على الذِّمِّيِّ في سَومِه) ((التمهيد)) (13/318). ، والشِّراءُ على شِرائِه وصورةُ البَيعِ على بيعِ أخيه: أن يَقولَ لِمَنِ اشتَرَى شَيئًا في مُدَّةِ الخيارِ: افسَخْ هَذا البَيعَ وأنا أبيعُكَ مِثلَه بِأرخَصَ مِن ثَمَنِه أو أجوَدَ مِنه بِثَمَنِه، ونَحوَ ذلك، والشِّراء على شِراءِ أخيه: أن يَقولَ لِلبائِعِ في مُدَّةِ الخيارِ: افسَخْ هَذا البَيعَ وأنا أشتَريه مِنكَ بِأكثَرَ مِن هَذا الثَّمَنِ، ونَحوَ هَذا. ومِن شُروطِ حُرمةِ البَيعِ على البَيعِ: أن يَكونَ البَيعُ على البَيعِ قَبلَ لُزومِ العَقْدِ، وأن يَكونَ البَيعُ على البَيعِ بِغَيرِ إذْنِ البائِعِ. ينظر: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (10/158)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/416)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/384).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1 - عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَبِعْ بَعضُكم على بَيعِ بَعضٍ، ولا يَخطُبْ بَعضُكم على خِطبةِ بَعضٍ)) أخرجه البخاري (5142)، ومسلم (1412) واللَّفظُ له.
2 - عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... ولا يَبيعُ بَعضُكُم على بَيعِ بَعضٍ، ولا تَناجَشوا، ولا يَبِيعُ حاضِرٌ لبادٍ ...)) أخرجه البخاري (2150) واللَّفظُ له، ومسلم (1515)
وَجْهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديثَينِ:
أنَّهُ نَهى عن بَيعِ الرَّجُلِ على بَيعِ أخيه، والشِّراءُ على شِراءِ أخيه في مَعناه، بجامِعِ الإيذاءِ في كُلٍّ ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/37).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجْماعَ على ذلك: النَّوَويُّ قال النَّوَويُّ: (أجمَعَ العُلَماءُ على مَنعِ البَيعِ على بيعِ أخيه، والشِّراءِ على شِرائِه، والسَّومِ على سَومِه، فلَو خالَفَ وعَقَدَ فهوَ عاصٍ، ويَنعَقِدُ البَيعُ، هَذا مَذْهَبُ الشَّافِعيِّ وأبي حَنيفةَ وآخَرِينَ، وقال داوُدُ: لا يَنعَقِدُ، وعَن مالِكٍ رِوايَتانِ كالمَذْهَبَينِ) ((شرح صحيح مسلم)) (10/159). ، وزينُ الدِّينِ العِراقيُّ قال زَينُ الدِّينِ العِراقيُّ: (تَحريمُ البَيعِ على بيعٍ أخيه، وهوَ أن يَقولَ لِمَنِ اشتَرَى سِلعةً في زَمَنِ خيارِ المَجْلِسِ أوِ الشَّرطِ: افسَخْ لِأبيعَكَ خَيرًا مِنه أو أرخَصَ، وهوَ مُجْمَعٌ عليه... وفي مَعناه الشِّراءُ على شِراءِ أخيه، وهوَ أن يَقولَ لِلبائِعِ في زَمَنِ الخِيارِ: افسَخْ لِأشتَريَ مِنكَ بِأكثَرَ، وهوَ مُجْمَعٌ على مَنعِه أيضًا) ((طرح التثريب)) (6/69). ، وابنُ حَجَرٍ قال ابنُ حَجَرٍ: (قال العُلَماءُ: البَيعُ على البَيعِ حَرامٌ، وكَذلك الشِّراءُ على الشِّراءِ، وهوَ أن يَقولَ لِمَنِ اشتَرَى سِلعةً في زَمَنِ الخيارِ: افسَخْ لِأبيعَكَ بِأنقَصَ، أو يَقولَ لِلبائِعِ: افسَخْ لِأشتَريَ مِنكَ بِأزيدَ، وهوَ مُجْمَعٌ عليه) ((فتح الباري)) (4/353). ، والصَّنعانيُّ قال الصَّنعانيُّ: (وصورةُ البَيعِ على البَيعِ: أن يَكونَ قَد وقَعَ البَيعُ بِالخيارِ، فيَأتي في مُدَّةِ الخيارِ رَجُلٌ فيَقولُ لِلمُشتَري: افسَخْ هَذا البَيعَ وأنا أبيعُكَ مِثلَه بِأرخَصَ مِن ثَمَنِه أو أحسَنَ مِنه، وكَذا الشِّراءُ على الشِّراءِ: هوَ أن يَقولَ لِلبائِعِ في مُدَّةِ الخيارِ: افسَخِ البَيعَ وأنا أشتَريه مِنكَ بِأكثَرَ مِن هَذا الثَّمنِ، وصورةُ السَّومِ: أن يَكونَ قَدِ اتَّفَقَ مالِكُ السِّلعةِ والرَّاغِبُ فيها على البَيعِ ولَم يُعقَدْ، فيَقولُ آخَرُ لِلبائِعِ: أنا أشتَريه مِنكَ بِأكثَرَ، بعدَ أن كانا على الثَّمَنِ، وقَد أجمَعَ العُلَماءُ على تَحريمِ هذه الصُّوَرِ كُلِّها، وأنَّ فاعِلَها عاصٍ) ((سبل السلام)) (3/23). ونقله ابنُ تَيمِيَّةَ على البَيْعِ لا على الشِّراءِ سُئِلَ ابنُ تيميَّةَ عَن بيعِ رَجُلٍ لِرَجُلٍ بعدَ أن باعَ لِرَجُلٍ قَبلَه، فقال: (هَذا الَّذي فعَلَه البائِعُ غَيرُ جائِزٍ بِإجماعِ المُسلِمينَ، بل يَستَحِقُّ العُقوبةَ البَليغةَ... وهَذا البائِعُ لَم يَترُكِ البَيعَ الأوَّلَ لِكَونِه مُعتَقِدًا تَحريمَه؛ لَكِن لِأجْلِ بيعِه لِلثَّاني، ومِثلُ هَذا حَرامٌ بِإجماعِ المُسلِمينَ) ((مجموع الفتاوى)) (29/228، 229).
ثالِثًا: لأنَّ فيه إضرارًا بالمُسْلِمِ، وإفسادَ بَيعِه، فحَرُمَ كَشتْمِه ((المغني)) لابن قدامة (4/161)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/383).

انظر أيضا: