الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّاني: حُكْمُ الشَّرْطِ الجَزائيِّ في مُقابِلِ التأخيرِ عن الأعمالِ


يَجوزُ وَضْعُ الشَّرْطِ الجَزائيِّ [938] في غيرِ العُقودِ التي يكونُ الالتزامُ الأصليُّ فيها دَينًا. ينظر: ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد الثاني عشر (2/ 306). في مقابِلِ التأخيرِ عن الأعمالِ يَسقُطُ الشَّرطُ الجَزائيُّ في حالِ وُجودِ العُذرِ، كأن يَكونَ التَّأخيرُ بِسَبَبٍ خارِجٍ عَن إرادَتِه، أو أنَّ مَن شُرِطَ لَه لَم يَلحَقْه أيُّ ضَرَرٍ. جاءَ في قَرارِ مَجْمَعِ الفِقْهِ كالتَّالي: (لا يُعمَلُ بِالشَّرطِ الجَزائيِّ إذا أثبَتَ مَن شُرِطَ عليه أنَّ إخلالَه بِالعَقْدِ كانَ بِسَبَبٍ خارِجٍ عَن إرادَتِه، أو أثبَتَ أنَّ مَن شُرِطَ لَه لَم يَلحَقْه أيُّ ضَرَرٍ مِنَ الإخلالِ بِالعَقْدِ). قَرارُ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ رَقم: 109 (3 / 12) بِشَأنِ مَوضوعِ الشَّرطِ الجَزائيِّ. وجاءَ في قَراراتِ هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ: (فإنَّ المَجْلِسَ يُقَرِّرُ بِالإجماعِ: أنَّ الشَّرطَ الجَزائيَّ الَّذي يَجري اشتِراطُه في العُقودِ شَرطٌ صَحيحٌ مُعتَبَرٌ، يَجِبُ الأخذُ به، ما لَم يَكُن هُناكَ عُذرٌ في الإخلالِ بِالِالتِزامِ الموجِبِ لَه يُعتَبَرُ شَرعًا، فيَكونُ العُذرُ مُسقِطًا لِوُجوبِه حَتَّى يَزولَ) ((أبحاث هيئة كبار العُلَماء)) (1/295). ، وبه قال بَعْضُ السَّلَفِ [940] كابنِ سِيرين، وشُرَيح ٍالقاضي. ينظر: ((صحيح البخاري)) (3/ 198)، ((مصنف عبد الرزاق)) (8/ 59) رقم: (14303). ، واختاره البُخاريُّ [941] قال البُخاريُّ في صَحيحِه: (‌‌بابُ ما يَجوزُ مِنَ الِاشتِراطِ والثُّنيا في الإقرارِ، والشُّروطِ الَّتي يَتَعارَفُها النَّاسُ بينَهم، وإذا قال: مِائةٌ إلَّا واحِدةً أو ثِنْتَينِ» عَنِ ابنِ سيرين، قال رَجُلٌ لِكَرِيِّهِ: أرحِلْ رِكَابَكَ، فإنْ لَم أرحَلْ مَعَكَ يَومَ كذا وكَذا فلَكَ مِائةُ دِرْهَمٍ، فلَم يَخرُجْ، فقال شُرَيحٌ: «مَن شَرطَ على نَفسِه طائِعًا غَيرَ مُكْرَهٍ، فهوَ عليه» وقال أيوبُ: عَنِ ابنِ سيرينَ: إنَّ رَجُلًا باعَ طَعامًا، وقال: إن لَم آتِكَ الأربِعاءَ فلَيسَ بيني وبَينَك بيعٌ، فلَم يَجِئْ، فقال شُرَيحٌ لِلمُشتَري: أنتَ أخلَفْتَ فقَضَى عليه (((صحيح البخاري)) (3/ 198). ، وأبو اللَّيثِ السَّمَرْقَنديُّ مِنَ الحَنَفيَّةِ [942] ((عيون المسائل)) للسمرقندي الحنفي (ص451). ، وهو ما قرَّره مَجْمَعُ الفِقْهِ الإسلاميِّ جاءَ في قَرارِ مَجْمَعِ الفِقْه، قَرار رَقم: 109 (3 / 12) بِشَأنِ مَوضوعِ الشَّرطِ الجَزائيِّ  في دَورَتِه الثَّانيةَ عَشْرَةَ بِالرِّياضِ في المَملَكةِ العَرَبيَّةِ السُّعوديَّةِ، مِن 25 جُمادَى الآخِرةِ 1421 هـ إلَى غُرَّةِ رَجَبٍ 1421هـ (23 - 28 سبتمبر 2000 م). (ثالِثًا: يَجوزُ أن يَكونَ الشَّرطُ الجَزائيُّ مُقتَرِنًا بِالعَقْدِ الأصليِّ، كما يَجوزُ أن يَكونَ في اتِّفاقٍ لاحِقٍ قَبلَ حُدوثِ الضَّرَرِ. رابِعًا: يَجوزُ أن يُشتَرَطَ الشَّرطُ الجَزائيُّ في جَميعِ العُقودِ الماليَّةِ ما عَدا العَقودَ الَّتي يَكونُ الِالتِزامُ الأصليُّ فيها دَينًا؛ فإنَّ هَذا مِنَ الرِّبا الصَّريحِ. وبِناءً على هَذا، فيَجوزُ هَذا الشَّرطُ مَثَلًا في عُقودِ المُقاوَلاتِ بِالنِّسبةِ لِلمُقاوِلِ، وعَقْدِ التَّوريدِ بِالنِّسبةِ لِلمُوَرِّدِ، وعَقْدِ الِاستِصناعِ بِالنِّسبةِ لِلصَّانِعِ إذا لَم يُنفِّذْ ما التَزَم به، أو تَأخَّرَ في تَنفيذِه) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد الثاني عشر (2/ 306). ، وهَيئةُ كِبارِ العُلَماءِ جاءَ في قَراراتِ هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ: (فإنَّ المَجْلِسَ يُقَرِّرُ بِالإجماعِ: أنَّ الشَّرطَ الجَزائيَّ الَّذي يَجري اشتِراطُه في العُقودِ شَرطٌ صَحيحٌ مُعتَبَرٌ، يَجِبُ الأخذُ بِه ما لَم يَكُن هُناكَ عُذرٌ في الإخلالِ بِالِالتِزامِ الموجِبِ لَه يُعتَبَرُ شَرعًا، فيَكونُ العُذرُ مُسقِطًا لِوُجوبِه حَتَّى يَزولَ. وإذا كانَ الشَّرطُ الجَزائيُّ كثيرًا عُرفًا، بِحَيثُ يُرادُ بِه التَّهديدُ الماليُّ، ويَكونُ بعيدًا عَن مُقتَضَى القَواعِدِ الشَّرعيَّةِ؛ فيَجِبُ الرُّجوعُ في ذلك إلَى العَدْلِ والإنصافِ، على حَسَبِ ما فات مِن مَنفَعةٍ، أو لَحِقَ مِن مِضَرَّةٍ. ويَرجِعُ تَقديرُ ذلك عِندَ الِاختِلافِ إلَى الحاكِمِ الشَّرعيِّ عَن طَريقِ أهلِ الخِبرةِ والنَّظَرِ؛ عَمَلًا بِقَولِه تعالى: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بالْعَدْلِ، وقَولِه سُبْحانَه: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ((أبحاث هيئة كبار العُلَماء)) (1/295). ، ومَجْمَعُ البُحوثِ الإسلاميَّةِ بالأزهَرِ جاءَ في فتَوى لِمَجْمَعِ البُحوثِ الإسلاميَّةِ بِالأزهَرِ ما يَلي: (يَجوزُ أن يُشتَرَطَ الشَّرطُ الجَزائيُّ في العُقودِ الماليَّةِ ما عَدا العُقودَ الَّتي يَكونُ الِالتِزامُ الأصليُّ فيها دَينًا، فيَجوزُ أن يوضَعَ هَذا الشَّرطُ في عُقودِ المُقاوَلاتِ بِالنِّسبةِ لِلمُقاوِلِ، وفي عُقودِ التَّوريداتِ بِالنِّسبةِ لِلمُوَرِّدِ) ((الموقع الرسمي لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر)).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1 - قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عُمومُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُسْلِمونَ عِندَ شُروطِهم)) أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (2274) وأخرجه موصولًا أبو داود (3594)، والحاكم (2309) من حديثِ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5091)، وصَحَّح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (718)، وقال النووي في ((المجموع)) (9/367): إسنادُه حَسَنٌ أو صحيح. وحسَّن إسنادَه ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/69)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/54)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3594): حسنٌ صحيحٌ.
ثالِثًا: مِنَ الآثارِ
عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (إنَّ مَقاطِعَ الحُقوقِ عِندَ الشُّروطِ، ولَكَ ما شَرَطْتَ) أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (5151)، وأخرجه أيضًا بصيغة الجزم قبل حديث (2721)، وأخرجه موصولًا ابن أبي شيبة (16706)، وسعيد بن منصور في ((السنن)) (663). صَحَّح إسناده على شرط الشيخين: الألباني في ((إراوء الغليل)) (6/304)، وصَحَّحه (1891) بلفظ: (مقاطِعُ الحُقوقِ عند الشُّروطِ).
رابعًا: في الإخلالِ بالعَقْدِ مَظِنَّةٌ للضَّرَرِ، وتَفويتٌ للمَنافِعِ؛ فناسَبَ أن يُقابَلَ بما يَجبُرُ ذلك بالشَّرطِ الجَزائيِّ ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (1/295).
خامِسًا: لأنَّ الأصلَ في الشُّروطِ الصِّحَّةُ ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد الثامن (1/ 728).
سادسًا: الشَّرْطُ الجزائيُّ فيه سدٌّ لأبوابِ الفوضى والتلاعُبِ بحُقوقِ عِبادِ اللهِ ((أبحاث هيئة كبار العُلَماء)) (1/295).
 سابعًا: أنَّ الشَّرطَ الجَزائيَّ حافِزٌ لإكمالِ العَقدِ في وقتِه المُحَدَّدِ لهُ، وحافِزٌ للوَفاءِ بالعُقودِ ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد الثامن (1/ 728).

انظر أيضا: