الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّاني: حَبسُ المَبيعِ لحينِ استِلامِ الثَّمَنِ الحالِّ


الفَرْعُ الأوَّلُ: حَبسُ المَبيعِ لحينِ استِلامِ الثَّمَنِ الحالِّ
المَسألةُ الأُولى: حَبسُ المَبيعِ لحينِ استِلامِ الثَّمَنِ الحالِّ والثَّمنُ عَيْنٌ
إذا اختَلَفَ البائِعُ والمُشتَري فقال البائِعُ: لا أُسَلِّمُ المَبيعَ حَتَّى أقبِضَ ثَمَنَه، وقال المُشتَري: لا أُسلِّمُه حَتَّى أقبِضَ المَبيعَ والثَّمنُ عَينٌ، فإنَّهُما يُسَلِّمانِ مَعًا، وهو مَذْهَبُ الحَنَفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزَّيلعي (4/14)، ((الفتاوى الهندية)) (3/16). ، وقَولٌ عند الحَنابِلةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/10)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/330). ، وذلك لأنَّهُ ليسَ أحَدُهُما بتَقديمِ التَّسليمِ أَولى مِنَ الآخَرِ؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مَبِيعٌ، فيُسَلِّمانِ مَعًا ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/238).
المَسألةُ الثَّانية: حَبسُ المَبيعِ لحينِ استِلامِ الثَّمَنِ الحالِّ والثَّمَنُ في الذِّمَّةِ
إذا اختَلَفَ البائِعُ والمُشتَري، فقال البائِعُ: لا أُسَلِّمُ المَبيعَ حَتَّى أقبِضَ ثَمَنَه، وقال المُشتَري: لا أُسلِّمُه حَتَّى أقبِضَ المَبيعَ -والثَّمَنُ في الذِّمَّةِ- يُجبَرُ البائِعُ على تَسليمِ السِّلعةِ، ثُمَّ يُجبَرُ المُشتَري على تَسليمِ الثَّمَنِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّة   ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/524) ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/74، 75)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/103). وينظر: ((حاشية الجمل)) (3/80). ، والحَنابِلةِ ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/10)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/331). ، واختاره ابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه: «وإن كانَ دَينًا حالًّا أُجبِرَ بائِعٌ، ثُمَّ مُشتَرٍ إن كانَ الثَّمَنُ في المَجْلِسِ»، الضَّميرُ في قَولِه: «إن كانَ» يَعودُ على الثَّمَن؛ لِأنَّه قال في الأوَّلِ: «والثَّمنُ عَينٌ» فإذا كانَ دَينًا حالًّا ُأجبِرَ بائٌعٍ، ثُمَّ مُشتَرٍ إن كانَ الثَّمَنُ في المَجْلِسِ) ((الشرح الممتع)) (8/360). ، وذلك لأنَّ حَقَّ المُشتَري تَعَلَّقَ بالعَينِ وحَقَّ البائِعِ تَعَلَّقَ بالذِّمَّةِ، فيُقدَّمُ ما يَتَعَلَّقُ بالعَينِ كأَرشِ الجِنايةِ مَعَ غَيرِه مِنَ الدُّيونِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/74).
المَسألةُ الثَّالِثةُ: حَبسُ المَبيعِ لحينِ استِلامِ باقي الثَّمَنِ الحالِّ
للبائِعِ حَبسُ المَبيعِ لحينِ استِلامِ باقي الثَّمَنِ الحالِّ، نَصَّ على ذلك الحَنَفيَّةُ ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (4/14). وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/250). ، والحَنابِلةُ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/57)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/142). ، وذلك لأنَّ حَقَّ الحَبسِ لا يَتَجَزَّأُ، فكانَ كُلُّ المَبيعِ مَحبوسًا بكُلِّ جُزءٍ مِن أجزاءِ الثَّمنِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/250)، ((حاشية الشلبي)) (4/14).
الفَرْعُ الثَّاني: حَبسُ المَبِيعَينِ صَفقةً واحِدةً بثَمَنٍ حالٍّ إلى حينِ تَسَلُّمِ ثَمَنِ الجَميعِ
يَجوزُ حَبسُ المَبيعَينِ فأكثَرَ صَفقةً واحِدةً بثَمَنٍ حالٍّ إلى حينِ تَسَلُّمِ ثَمَنِ الجَميعِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/331). وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/250). ، والشَّافِعيَّةِ ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/106)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (4/416). ، والحَنابِلةِ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/57)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/240)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/142).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ قَبضَ أحَدِهما دونَ الآخَرِ تَفريقُ الصَّفقةِ الواحِدةِ في حَقِّ القَبضِ، والمُشتَري لا يَملِكُ تَفريقَ الصَّفقةِ الواحِدةِ في حَقِّ القَبولِ بأن يَقبَلَ الإيجابَ في أحَدِهما دونَ الآخَرِ، فلا يَملِكُ التَّفريقَ في حَقِّ القَبضِ أيضًا؛ لأنَّ للقَبضِ شِبهًا بالعَقْدِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/250).
ثانيًا: لأنَّ المَبيعَ في استِحقاقِ الحَبسِ بالثَّمَنِ لا يَتَجَزَّأُ، فكانَ كُلُّ المَبيعِ مَحبوسًا بكُلِّ جُزءٍ مِن أجزاءِ الثَّمنِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/250).
ثالِثًا: لأنَّ العاقِدَ على السِّلعَتَينِ واحِدٌ ((حاشية الشرواني)) (4/416).
الفَرْعُ الثَّالِثُ: حَبسُ المَبيعَينِ صَفقةً واحِدةً على شَخصَينِ بثَمَنٍ حالٍّ إذا تَسَلَّمَ ثَمَنَ أحَدِهما فقَط
لا يَجوزُ أن يَحبِسَ البائِعُ المَبيعَينِ صَفقةً واحِدةً على شَخصَينِ بثَمَنٍ حالٍّ إذا تَسَلَّمَ ثَمَنَ أحَدِهما، بَل يُسَلِّمُ السِّلعةَ لِمَن دَفَعَ ثَمَنًا، نَصَّ على ذلك الشَّافِعيَّةُ ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/76). ، وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ من الحَنَفيَّةِ . ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/250).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الواجِبَ على كُلِّ واحِدٍ مِنهُما نِصفُ الثَّمنِ، فإذا أدَّى النِّصفَ فقد أدَّى ما وَجَبَ عليه، فلا مَعنى لتَوَقُّفِ حَقِّه في قَبضِ المَبيعِ على أداءِ صاحِبِه ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/250).
ثانيًا: لأنَّهُ لو تَوَقَّفَ، وصاحِبُهُ مُختارٌ في الأداءِ قد يُؤَدِّي وقد لا يُؤَدِّي، فيفوتُ حَقُّه أصلًا ورَأسًا، وهَذا لا يَجوزُ؛ ولِهَذا جَعلَ التَّخَليةَ والتَّخَلِّيَ تَسليمًا وقَبضًا في الشَّرعِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/250).
ثالِثًا: لأنَّهُ سَلَّمَه جَميعَ ما عليه بناءً على أنَّ الصَّفقةَ تَتَعَدَّدُ بتَعَدُّدِ المُشتَري ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/76).

انظر أيضا: