الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّاني: بَيْعُ الأخرَسِ لعارضٍ (مَنِ اعتُقِلَ لِسانُه المقصود بمُعتَقَلِ اللِّسانِ: هو من حُبِسَ عن الكلامِ ولم يَقدِرْ عليه ينظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (1/161)، ((لسان العرب)) لابن منظور (11/459)، ((العناية)) للبابرتي (10/ 524) )


يَنْعَقِدُ بَيْعُ الأخرَسِ لعارضٍ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ المالكيَّةُ يَرَونَ انعقادَ البَيعِ بالإشارةِ مُطلَقًا من الأخرَسِ وغَيرِه إذا كانت الإشارةُ مُفهِمةً. ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (6/14)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/3). ، والشَّافِعيَّةِ ((حاشية الشرواني مع تحفة المحتاج)) (8/21)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/53)، ((نهاية المحتاج)) للرَّملي (6/65). ، وقَولُ أبي يوسُفَ مِنَ الحَنَفيَّةِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/521). ، ووَجْهٌ عند الحَنابِلةِ ذكروه في الوَصايا واللِّعانِ. ((الفروع)) لابن مفلح (9/206)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (6/6) (8/69). ، واختاره ابنُ القَيِّمِ يَرَى ابنُ القَيِّمِ انعِقادَ البَيعِ بكُلِّ ما يَدُلُّ على الإيجابِ والقَبولِ. قال ابنُ القَيِّمِ: (فمَن عَرف مُرادَ المُتَكَلِّمِ بدَليلٍ مِنَ الأدِلَّةِ وجَبَ اتِّباعُ مُرادِه، والألفاظُ لَم تُقصَدْ لِذَواتِها، وإنَّما هيَ أدِلَّةٌ يُستَدَلُّ بها على مُرادِ المُتَكَلِّمِ، فإذا ظَهَرَ مُرادُه ووَضحَ بأيِّ طَريقٍ كانَ عُمِلَ بمُقتَضاه، سَواءٌ كانَ بإشارةٍ أو كِتابةٍ أو بإيماءةِ، أو دَلالةٍ عَقليَّةٍ أو قَرينةٍ حاليَّةٍ، أو عادةٍ لَه مُطَّرِدةٍ لا يُخِلُّ بها) ((إعلام الموقعين)) (1/167).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أنسٍ رَضِيَ الله عنه: ((أنَّ يَهودِيًّا رَضَّ رَأسَ جاريةٍ بَينَ حَجَرَينِ، فقيلَ لها: مَن فَعلَ بكِ؟ أفُلانٌ أو فُلانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ اليَهُوديُّ، فأومَأَتْ برَأسِها، فجِيءَ به، فلَم يَزَلْ حَتَّى اعتَرَفَ، فأمرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرُضَّ رَأسُه بالحِجارةِ)) أخرجه البخاري (2746) واللَّفظُ له، ومسلم (1672).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَعلَ إشارَتَها بمَنزِلةِ دَعواها ذلك بلِسانِها مِن غَيرِ اعتِبارٍ مِنه دَوامَ ذلك عليها مُدَّةً مِنَ الزَّمانِ؛ فدَلَّ على أنَّ مَنِ اعتُقِلَ لِسانُه فهو بمَنزِلةِ الأخرَسِ ((مختصر اختلاف العُلَماء)) للطحاوي (5/66)                 
ثانيًا: لأنَّ الإشارةَ المُفهِمةَ يُطلَقُ عليها أنَّها كَلامٌ. قال اللهُ تعالى: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا آل عمران: 41 والرَّمزُ الإشارةُ، ولا فرقَ بَينَ مُعتَقَلِ اللِّسانِ والأخرَسِ الأصليِّ ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/14).
ثالِثًا: أنَّ العاقِدَ إذا عَجَزَ عنِ الكَلامِ لم يَكُن هُناكَ فرقٌ بَينَ الأخرَسِ ومُعتَقَلِ اللِّسانِ، فالواجِبُ اللَّفظُ مَعَ القُدرةِ عليه، فإذا عَجَزَ قامَتِ الإشارةُ مَقامَ العِبارةِ، كَما أنَّه لا فَرْقَ بَينَ الوَحشيِّ الأصليِّ والمُتَوَحِّشِ في حَقِّ الذَّكاةِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/218).

انظر أيضا: