الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّالِثُ: الإشهادُ في البَيعِ


يُسْتَحَبُّ الإشهادُ في البَيعِ قال ابنُ قُدامةَ: (ويَختَصُّ ذلك بما له خَطَرٌ، فأمَّا الأشياءُ القَليلةُ الخَطَرِ، كحَوائِجِ البَقَّالِ والعَطَّارِ، وشِبهِهما، فلا يُستَحَبُّ ذلك فيها؛ لِأنَّ العُقودَ فيها تَكثُرُ، فيَشُقُّ الإشهادُ عليها، وتَقبُحُ إقامةُ البَيِّنةِ عليها، والتَّرافُعُ إلَى الحاكِمِ مِن أجلِها، بخِلافِ الكَثيرِ) ((المغني)) (4/ 205).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ البقرة: 282.
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أمرٌ، وأقَلُّ أحوالِ الأمرِ الِاستِحبابُ، ودَلَّ على الِاستِحبابِ قَولُه تعالى بَعدَ ذلك: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ [البقرة: 283] ، فصارَ الأمرُ إلى الأمانةِ؛ فدَلَّ على أنَّ الأمرَ بالشَّهادةِ في البَيعِ المُرادُ به الإرشادُ إلى حِفظِ الأموالِ والتَّعليمُ، كَما أمَرَ بالرَّهْنِ والكاتِبِ، وليس بواجِبٍ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/4) ((المغني)) لابن قدامة (4/205، 206).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اشتَرى مِن يَهوديٍّ طَعامًا إلى أجَلٍ ورَهَنَه دِرْعَه أخرجه البخاري (2509) واللَّفظُ له، ومسلم (1603).
2- عن أبي صَفوانَ بنِ عُمَيرةَ قال: بِعْتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رِجْلَ سراويلَ قبل الهِجرةِ فوزنَ لي فأرجَحَ لي أخرجه أبو داود (3337)، والترمذي معلَّقًا بعد حديث (1305)، والنسائي (4593)، وابن ماجه (2221) واللَّفظُ له، وأحمد (19099). صَحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (2231) وقال: على شرط مسلم، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2221)، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/102)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (19099)، وجوَّد سندَه ابن كثير في ((جامع المسانيد والسنن)) (5343).
وَجْهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديثَينِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد حُفِظَ عنه البَيعُ في هَذِه المَواضِعِ مِن غَيرِ إشهادٍ ((المغني)) لابن قدامة (4/205). ؛ فدَلَّ على عَدَمِ وُجوبِه.
ثالثًا: لأنَّ الصَّحابةَ كانوا يَتَبايَعونَ في عَصرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الأسواقِ، فلَم يَأمُرْهم بالإشهادِ، ولا نُقِلَ عنهم فِعلُه، ولَم يُنكِرْ عليهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولَو كانوا يُشْهِدونَ في كُلِّ بياعاتِهم لَمَا أُخِلَّ بنَقلِه ((المغني)) لابن قدامة (4/205).
رابِعًا: لأنَّ الإشهادَ أقطَعُ للنِّزاعِ، وأبعَدُ مِنَ التَّجاحُدِ؛ فكانَ أَولى ((المغني)) لابن قدامة (4/206).
خامسًا: لأنَّ المُبايَعةَ تَكثُرُ بَينَ النَّاسِ في أسواقِهم وغَيرِها، فلَو وجَبَ الإشهادُ في كُلِّ ما يَتَبايَعونَه، أفضى إلى الحَرَجِ المَحطوطِ عنَّا بقَولِه تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحج: 78 ((المغني)) لابن قدامة (4/206).

انظر أيضا: