الموسوعة الفقهية

الفصلُ الثَّاني: حُكمُ الرُّقبَى [554] الرُّقبى: هي أن يقولَ الشخصُ: أرقَبْتُك هذه الدارَ، أو هي لك حياتَك، على أنَّك إنْ متَّ قبْلي عادتْ إلَيَّ، وإنْ متُّ قبْلَك فهي لك ولعَقِبِك فكأنَّه يقولُ: هي لآخِرِنا موتًا وسُمِّيت رُقبى؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَرقُبُ موتَ صاحبِه يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/249)، ((المغني)) لابن قُدامة (6/70)، ((المُطلِع على ألفاظ المقنع)) للبعلي (ص: 353)


تصِحُّ الرُّقبَى، ولا تَرجِعُ إلى المُرقِبِ، ويُصبِحُ الشَّرطُ مُلْغًى، وهو مَذهبُ الشَّافعيَّةِ -في الأظهَرِ عندَهُم- [555] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/370)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/409). ، والحَنابِلةِ [556] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/101) ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/435)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/307). ، وبه قال أبو يوسُفَ مِن الحَنفيَّةِ [557] ((مختصر القُدُوري)) (ص: 125)، ((تبيين الحقائق للزَّيْلَعي وحاشية الشلبي)) (5/104). ، وهو اختِيارُ ابنِ حزْمٍ [558] قال ابنُ حزْمٍ: (العُمرى والرُّقبى: هِبةٌ صَحيحةٌ تامَّةٌ، يَملِكُها المُعمَرُ والمُرقَبُ، كسائرِ مالِه؛ يَبيعُها إنْ شاء، وتُورَث عنه، ولا تَرجِعُ إلى المُعمِرِ ولا إلى وَرثتِه، سواءٌ اشترَطَ أنْ تَرجِعَ إليه أو لم يَشترِطْ، وشرْطُه لذلك ليس بشَيءٍ). ((المحلى)) (8/130). ، والصَّنعانِيِّ [559] قال الصَّنعانيُّ: (الأصلُ في العُمرى والرُّقبى: أنَّه كان في الجاهليةِ يُعطي الرجُلُ الرجلَ الدارَ، ويقولُ: أعمَرْتُك إيَّاها، أي: أبَحْتُها لك مدَّةَ عُمرِك؛ فقيل لها عُمْرى لذلك، كما أنَّه قِيل لها: رُقبى؛ لأنَّ كلًّا منهما يَرقُب موتَ الآخَرِ، وجاءت الشريعةُ بتَقريرِ ذلك؛ ففي الحديثِ دلالةٌ على شَرعيَّتِها... والأصحُّ أنَّها صَحيحةٌ في جميعِ الأحوالِ، وأنَّ المَوهوبَ له يَملِكُها ملْكًا تامًّا، يَتصرَّفُ فيها بالبَيعِ وغيرِه مِن التصرُّفاتِ؛ وذلك لتَصريحِ الأحاديثِ بأنَّها لمَن أُعمِرَها حيًّا ومَيتًا). ((سبل السلام)) (2/133). ، والشَّوكانِيِّ [560] قال الشَّوكانيُّ: (الحاصلُ: أنَّ الرِّواياتِ المُطلقةَ في أحاديثِ البابِ تدُلُّ على أنَّ العُمرى والرُّقبى تَكونُ للْمُعْمَرِ والمُرْقَبِ ولعَقِبِه، سواءٌ كانت مُقيَّدةً بمُدَّةِ العُمرِ، أو مُطلقةً، أو مُؤبَّدةً). ((نيل الأوطار)) (6/20). ، وابنِ بازٍ [561] قال ابنُ بازٍ عن العُمرى والرُّقبى: (الصوابُ أنَّهما مملوكتانِ، وسُمِّيت رُقبى؛ لأنَّ كلًّا منهما يَرقُبُ الآخَرَ). ((الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري)) (2/391). وقال: (إذا ما قال: ما عِشْتَ، فالصَّوابُ أنها ماضيةٌ له ولعَقِبِه، وإنْ صرَّح بقوله: لكَ ولعَقِبِك، فهذا صريحٌ في المعنى). ((الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري)) (2/391). ، وابنِ عُثَيمينَ [562] قال ابنُ عُثيمينَ: (العُمرى نوعٌ مِن أنواعِ الهِبةِ، وإنَّ لها ثلاثَ صُوَرٍ: تارةً تُقيَّدُ بحياةِ الإنسانِ، وتارةً تُقيَّدُ بأنَّها له ولعَقبِه، وتارةً تُطلَقُ؛ فإذا قُيِّدت بحياةِ الإنسانِ رجَعَت إلى المُعمِرِ، وإذا قُيِّدت بأنَّها له ولعَقبِه، فهي له ولعَقِبِه، أي: للمُعمَرِ ولعَقبِه، وإذا أُطلِقَت فهي للمُعمَرِ ولعَقبِه. ولأبي داود والنسائي: «لا تُرقِبوا ولا تُعمِروا». الرُّقبى هي العُمرى، لكن سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَرقُبُ مَوتَ صاحبِه؛ فإنَّ المُعمِرَ أو المُرقِبَ يَرقُبُ مَوتَ المُرقَبَ، إذا مات سوف تَرجِعُ إليه، يقولُ: فمَن أُرقِبَ شَيئًا أو أُعمِرَ شَيئًا فهو لوَرثتِه. يعني: مِن بَعدِه). ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (4/315).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن جابرٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((العُمرَى جائزةٌ لأهلِها، والرُّقبَى جائزةٌ لأهلِها )) [563] أخرجه أبو داود (3558)، والترمذي (1351)، والنسائي (3739)، وأحمد (14254). حسَّنه الترمذيُّ، وصحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/322)، وصحَّح إسنادَه ابنُ الملقِّنِ في ((شرح البخاري)) (16/416)، وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3558)، وصحَّح إسنادَه على شرطِ مسلمٍ شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (14254). والحديث أصلُه في الصحيح؛ أخرجه مسلمٌ (1625) مختصرًا.
ثانيًا: لأنَّه شرْطٌ يُنافِي مُقتضَى العقدِ، فأُلغِيَ وصَحَّ العقدُ، كالبيعِ معَ الشَّرطِ الفاسِدِ [564] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/435).

انظر أيضا: