الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الرابعُ: تَخصيصُ أحدِ الأبناءِ بالهِبةِ لبِرِّه ورِعايتِه له


لا يَجوزُ تَفضيلُ أحدِ الأبناءِ بالعَطيَّةِ مِن أجْلِ برِّه بوالِدَيه، أمَّا إذا كان يَعمَلُ معه في عمَلِه دونَ غيرِه مِن الأبناءِ، فيَجعَلُ له الأبُ أُجرةً بقَدْرِ ما يُعطاهُ العامِلُ؛ نصَّ عليه ابنُ بازٍ [346] قال ابن بازٍ: (لا بُدَّ مِن التَّسويةِ والعدلِ في العطيَّةِ بيْنَ الرِّجالِ والنِّساءِ؛ للذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثيَينِ، كالإرثِ، ولا يُوصَى لهم أيضًا، لا بُدَّ أنْ يكونوا سواءً في العطيَّةِ، لا يخُصُّ أحدًا دونَ أحدٍ ولو كان بعضُهم أبَرَّ به). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (20/57). وقال: (ليس للوالدِ أنْ يخُصَّ بعضَ أولادِه بشَيءٍ من المالِ على سَبيلِ التخصيصِ والإيثارِ؛ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا الله واعْدِلوا بيْنَ أولادِكم»، رواه البخاريُّ ومسلمٌ. لكنْ إذا كان بعضُ الأولادِ في حاجةِ أبيه، وبعضُهم قد يَخرُجُ عنه؛ فإنه يَجوزُ للوالدِ أنْ يَجعَلَ لابنِه المطيعِ القائمِ بأعماله راتبًا شَهريًّا أو سنويًّا بقدْرِ عمَلِه، كالعاملِ الأجنبيِّ أو أقَلَّ، مع مُراعاةِ نَفقتِه إذا كان يُنفِقُ عليه، وليس في هذا ظُلمٌ لبَقيَّةِ الأولادِ؛ لكَونِهم هم الذين تَباعَدوا عن والدِهم ولم يَقوموا بحقِّه، هذا هو الذي يَظهَرُ لي مِن الشَّرعِ المطهَّرِ الذي جاء بتَحصيلِ المصالحِ وتَكميلِها، وتَعطيلِ المفاسدِ وتَقليلِها، والذي جاء بشَرعيَّةِ مُجازاةِ المحسِنِ على إحسانِه، والمُسيءِ بإساءتِه). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (20/53). ، وابنُ عُثَيمينَ [347] ورَدَ على ابنِ عُثيمينَ سؤالٌ جاء فيه: امرأةٌ لها ثلاثةٌ مِن الولدِ، يقومُ الأكبرُ برِعايتِها، بيْنما الآخَرانِ يَصرفانِ عليها؛ هل لها أنْ تُعطِيَ الأكبرَ أكثرَ؟ فأجاب: (أمَّا مَيلُها إلى الكبيرِ لكَونِه يُحسِنُ إليها، فهذا أمرٌ طبيعيٌّ؛ فإنَّ النُّفوسَ ميَّالةٌ إلى مَن يُحسِن إليها، وأمَّا تَفضيلُه بدراهمَ، فهذا لا يجوزُ؛ لأنَّ بِرَّه ثوابُه الأجرُ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فلا يحِلُّ لها أنْ تَخُصَّه بشَيءٍ مِن المالِ مِن أجْلِ بِرِّه بها، بل تَدْعو له بالخَيرِ والتَّوفيقِ، والنَّجاحِ في الدُّنيا والآخرةِ، وفي هذا كفايةٌ). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/313). وورَدَ عليه سؤالٌ يقولُ فيه السائلُ: هل يجوزُ أنْ أخُصَّ ولَدي بشَيءٍ مِن أراضٍ لي مُقابلَ خِدمتِه لي دونَ إخوتِه الذين لا يَسألون عنِّي؟ فأجاب: (إذا كان يَعمَلُ معك؛ فإنْ كان متبرِّعًا يُريدُ بذلك ثَوابَ البِرِّ، فلا تُعطِهِ شَيئًا، وأمَّا إذا كان يَتشوَّفُ إلى أنْ تَجعَلَ له شَيئًا، فهنا لا حرَجَ أنْ تَجعَلَ له أُجرةً بقدْرِ ما يُعطاه غيرُه؛ فمثلًا: لو قدِّرَ أنَّ هذا الولدَ أجنبيٌّ ليس ولَدًا لك، وأُجرتُه في الشهرِ خَمسُ مئةِ رِيالٍ، فأعْطِه خَمسَ مئةِ رِيالٍ، ولا حرَجَ ما دام يَعمَلُ عندَك، أو أعْطِه سهمًا مِن الرِّبحِ بقدْرِ ما يَعمَلُ به مِن المالِ، كمُضاربٍ أجنبيٍّ، أمَّا الآخَرانَ اللَّذانِ ذُكِرَ عنهما ما ذُكِرَ، فإنِّي أنصَحُهما أنْ يَتوبَا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وأنْ يَبَرَّا بوالدِهما، أخْشى عليهما مِن العقوبةِ في الدُّنيا قبْلَ الآخرةِ، ومَن بَرَّ بأبيهِ بَرَّ به أبناؤه). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/316). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [348] جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (لا يجوزُ للوالدَينِ التَّفضيلُ في العَطيَّةِ بيْنَ أولادِهما؛ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتقوا اللهَ واعْدِلوا بين أولادِكم»، ولأنَّ ذلك يُسبِّبُ الحسَدَ والحِقدَ، والبَغضاءَ والشَّحناءَ، والقطيعةَ بيْنَ الإخوةِ، وكلُّ ذلك يَتنافى مع مَقاصدِ الشَّريعةِ المطهَّرةِ التي جاءت بالحثِّ على التآلُفِ والترابُطِ، والتَّوادِّ والتعاطُفِ بيْنَ الأقاربِ والأرحامِ. والواجبُ على الوالدَينِ استِصلاحُ أولادِهما العاقِّينَ بطُرقٍ لا تَشتمِلُ على مفاسدَ في العاجلِ والآجلِ في حياةِ الأُسرةِ، مع كَثرةِ الدُّعاءِ لهم بالاستِقامةِ والصَّلاحِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/225). وجاء فيها أيضًا: (يَلزَمُ الوالدَ العدلُ بيْنَ أولادِه فيما يُعطِيهم مِن مالِه، للذَّكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنثيَينِ؛ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا اللهَ واعْدِلوا بيْنَ أولادِكم»، والذين يَشتغِلون معه إذا طَلَبوا مقابلًا عن عَمَلِهم، فإنَّه يُعطِيهم مِثلَ ما يُعطي غيرَهم مِن الأُجَراءِ أُجرةً عن عمَلِهم، والذين دَفَعوا له مالًا بنِيَّةِ المشارَكةِ يكونون شركاءَ له بقدْرِ ما دَفَعوا له مِن مالٍ، وأمَّا ما يُعطِيهم مِن مالِه، فإنه يجِبُ عليه العدلُ بينهم؛ مَن كان عندَه، ومَن كان خارجًا عنه، مَن يَشتغِلُ معه، ومَن لا يَشتغِلُ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بالعدلِ بيْنَهم في العطيَّةِ، وسمَّى عطيَّةَ بعضِهم دونَ بعضٍ جَورًا؛ فيجِبُ على الأبِ أنْ يتَّقِيَ اللهَ في ذلك). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/223). ؛ وذلك لأنَّ بِرَّه بوالِدَيه أجْرُه مِنَ اللهِ، وهو واجبٌ عليه؛ فلا يَتميَّزُ في العَطاءِ بسَببِه [349] ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (9/313).

انظر أيضا: