الموسوعة الفقهية

المطلَبِ الأوَّلِ: العدلُ في الهِبةِ بيْنَ الأولادِ


يجِبُ العدلُ بيْن الأولادِ في الهِبةِ [307] وحُكيَ الإجماعُ على استِحبابِ العدلِ بيْنَ الأولادِ في العطيَّةِ؛ قال ابنُ قُدامةَ: (ولا خِلافَ بيْنَ أهلِ العِلمِ في استِحبابِ التَّسويةِ وكَراهةِ التَّفضيلِ). ((المغني)) (6/53). ، وهو مَذهبُ الحَنابِلةِ [308] ((الفروع)) لابن مُفلِح (7/412)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/105). ، وبعضِ الحَنفيَّةِ [309] وهو قول أبي يُوسفَ وأعيانِ المجتهدينَ عندَ الحنفيَّةِ. ((الدر المختار للحَصْكَفي وحاشية ابن عابدين) (4/444). ، وقَولٌ عندَ المالِكيَّةِ [310] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لأبي الحسن المالكي)) (2/261، 262)، ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (ص: 555). ، وبعضِ الشَّافعيَّةِ [311] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/307)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/415). ، وهو مَذهبُ الظَّاهريَّةِ [312] قال ابنُ حزمٍ: (لا يحِلُّ لأحدٍ أنْ يَهَبَ ولا أن يَتصدَّقَ على أحدٍ مِن ولَدِه، إلَّا حتَّى يُعطِيَ أو يَتصدَّقَ على كلِّ واحدٍ منهم بمِثلِ ذلك). ((المحلى)) (8/95). وقال: (فهؤلاء أبو بكرٍ، وعُمرُ، وعثمانُ، وقَيسُ بن سعدٍ، وعائشةُ أمُّ المؤمنينَ بحضْرةِ الصحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم، لا يُعرَفُ لهم منهم مخالِفٌ... وهو قولُ النَّخَعيِّ... وإسحاقَ بنِ رَاهَوَيْهِ، وأبي سُليمانَ، وجميعِ أصْحابِنا). ((المحلى)) (8/97). ، وقَولُ بَعضِ السَّلَفِ [313] ((المحلى)) لابن حزم (8/97). ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (6/52). ، واختارَهُ العزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ [314] قال العزُّ ابنُ عبدِ السَّلامِ: (يجِبُ التَّسويةُ بيْنَهم في الهِبةِ، فإنْ كان بعضُ الأولادِ فقيرًا مَضرورًا، وبعضُهم غنيًّا مَجبورًا؛ ففي تَقديمِ الفقيرِ المضرورِ على الغنيِّ المجبورِ نظَرٌ واحتِمالٌ؛ لأنَّ دفْعَ ضَررِ المضرورِ أفضلُ مِن تَكثيرِ مالِ المجبورِ). ((قواعد الأحكام في إصلاح الأنام)) (2/140). ، وابنُ تَيميَّةَ [315] قال ابنُ تَيميَّةَ: (لو فَعَلَ ذلك في صِحَّتِه [أي: تفضيلَ بعضِ الأولادِ في الهِبةِ] لم يَجُزْ ذلك في أصحِّ قولَيِ العلماءِ، بلْ عليه أنْ يَرُدَّه، كما أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَرُدَّه حيًّا ومَيتًا، ويَرُدُّه المخصَّصُ بعْدَ مَوتِه). ((مجموع الفتاوى)) (3/294). ، وابنُ القيِّمِ [316] قال ابنُ القيِّمِ: (وفي لفظٍ: «أشهِدْ على هذا غيري»، متَّفقٌ عليه. وهذا أمرُ تَهديدٍ قطْعًا، لا أمرُ إباحةٍ؛ لأنَّه سمَّاه جَورًا وخِلافَ العدلِ، وأخبَرَ أنَّه لا يَصلُحُ، وأمَرَه برَدِّه، ومُحالٌ مع هذا أنْ يأذَنَ اللهُ له في الإشهادِ على ما هذا شأنُه). ((إعلام الموقعين)) (4/255). ، وابنُ بازٍ [317] قال ابنُ بازٍ: (لا يَجوزُ تَفضيلُ بعضِ الأولادِ على بعضٍ في العطايا، أو تَخصيصُ بعضِهم بها؛ فكلُّهم ولَدُه، وكلُّهم يُرجى بِرُّه، فلا يجوزُ أنْ يخُصَّ بعضَهم بالعَطيَّةِ دونَ بعضٍ، واختلَفَ العلماءُ رحمةُ اللهِ عليهم: هل يُسوَّى بيْنَهم ويكونُ الذَّكَرُ كالأنثى، أم يُفضَّلُ الذكَرُ على الأنثى كالميراثِ؟ على قولَينِ لأهلِ العلم، والأرجحُ: أن تكونَ العطيَّةُ كالميراثِ، وأنَّ التسويةَ تكونُ بجَعْلِ الذكَرِ كالأُنثيَينِ؛ فإنَّ هذا هو الذي جعَلَه اللهُ لهم في الميراثِ، وهو سُبحانه الحكَمُ العدْلُ، فيكونُ المؤمنُ في عَطيَّتِه لأولادِه كذلك كما لو خلَّفَه لهم بعْدَ مَوتِه: للذكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنثيَينِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/377). ، وابنُ عُثَيمينَ [318] قال ابنُ عُثيمينَ: (إذا كانت الهِبةُ بيْنَ الأولادِ الذُّكورِ أو الإناثِ، فإنَّه يجِبُ التَّسويةُ بيْنَهم، ولا يجوزُ للإنسانِ أنْ يفضِّلَ أحدًا على أحدٍ، أو يُعطيَ أحدًا دونَ أحدٍ). ((الدروس الفقهية من المحاضرات الجامعية)) (3/52). ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [319] جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (جاءت الشَّريعةُ الإسلاميةُ السَّمحةُ بوُجوبِ العدْلِ بيْنَ الأولادِ، ذُكورًا وإناثًا؛ ففي الصَّحيحينِ عن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ أباه وهَبَه غلامًا، ثم أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُشهِدَه على ذلك، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أكُلَّ وَلدِك أعطيتَه مِثلَ هذا؟» قال: لا، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا الله واعْدِلوا بيْنَ أولادِكم». وفي روايةٍ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «إنِّي لا أَشهَدُ على جَورٍ». فيَلزَمُ والدَك إنْ أراد قِسمةَ مالِه، أو بعضَ مالِه بيْنَ أولادِه؛ أنْ يَقسِمَه على الذُّكورِ والإناثِ وَفْقَ المواريثِ الشَّرعيَّةِ: للذَّكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنثيَينِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/197).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((سألَتْ أمِّي أبِي بعضَ المَوهِبةِ لِي مِن مالِهِ، ثمَّ بدَا لَه فوَهَبَها لي، فقالت: لا أَرضَى حتَّى تُشْهِدَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، فأَخَذَ بيدِي وأنَا غلامٌ، فأَتَى بي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: إنَّ أمَّهُ بنتَ رَواحَةَ سأَلَتْني بعضَ المَوهِبةِ لهذا، قال: ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ؟ قال: نعم، قالَ: فَأُرَاهُ قال: لا تُشْهِدْني شَهَادَةَ جَوْرٍ )) [320] أخرجه البخاري (2650).
وفي رِوايةٍ قال: ((أعطاني أبِي عطيَّةً، فقالَت عَمْرَةُ بنتُ رَواحةَ: لا أرضَى حتَّى تُشهِدَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: إنِّي أعطَيتُ ابنِي مِن عَمْرةَ بنتِ رَواحةَ عَطيَّةً، فأمرَتْني أنْ أُشهِدَك يا رسولَ اللهِ، قال: أعطَيتَ سائرَ ولَدِك مِثلَ هذا؟ قال: لا، قال: فاتَّقُوا اللهَ واعدِلُوا بيْنَ أولادِكُم. قال: فرَجَع فرَدَّ عطيَّتَه )) [321] أخرجه البخاري (2587).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سمَّاهُ جَورًا، وأمَرَ برَدِّه، وامتَنَعَ مِنَ الشَّهادةِ عليه، والجَورُ حَرامٌ [322] ((المغني)) لابن قُدامة (6/52).
ثانيًا: لأنَّ تَفضيلَ بعضِهِم يُورِثُ بيْنَهمُ العَداوةَ والبَغضاءَ وقطيعةَ الرَّحِمِ؛ فمُنِع منه، كتَزويجِ المرأةِ على عمَّتِها أو خالَتِها [323] ((المغني)) لابن قُدامة (6/52).

انظر أيضا: