الموسوعة الفقهية

المطلبُ الثَّاني عَشَرَ: الهِبةُ للعُمَّالِ والمُوظَّفينَ والقُضاةِ


لا تَجوزُ الهِبةُ لمَن تولَّى أمرًا مِن أُمورِ المُسلِمين إلَّا لمَن له عادةٌ معه قبْلَ تَولِّيه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ [280] ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (6/305)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/374). ، والمالِكيَّةِ [281] ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/120)، ((منح الجليل شرح مختصر خليل)) لعُلَيش (8/299). ، والشَّافعيَّةِ [282] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/136). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (3/157)، ((كفاية النبيه في شرح التنبيه)) لابن الرِّفْعة (18/104)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (5/227). ، والحَنابِلةِ [283] ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (6/317)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (6/480).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن أبي حُميدٍ السَّاعِديِّ رضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَعْمَلَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ علَى صَدَقاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحاسَبَهُ قالَ: هذا الذي لَكُمْ، وهذِه هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَهَلّا جَلَسْتَ في بَيْتِ أبِيكَ، وبَيْتِ أُمِّكَ حتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إنْ كُنْتَ صادِقًا، ثُمَّ قامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَخَطَبَ النَّاسَ وحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنِّي أسْتَعْمِلُ رِجالًا مِنكُم علَى أُمُورٍ ممَّا ولّانِي اللَّهُ فَيَأْتي أحَدُكُمْ فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وهذِه هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَهَلّا جَلَسَ في بَيْتِ أبِيهِ، وبَيْتِ أُمِّهِ حتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إنْ كانَ صادِقًا، فَواللَّهِ لا يَأْخُذُ أحَدُكُمْ مِنْها شيئًا - قالَ هِشامٌ بغيرِ حَقِّهِ - إلَّا جاءَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَومَ القِيامَةِ، ألا فَلَأَعْرِفَنَّ ما جاءَ اللَّهَ رَجُلٌ ببَعِيرٍ له رُغاءٌ، أوْ ببَقَرَةٍ لها خُوارٌ، أوْ شاةٍ تَيْعَرُ [284] تَيعَرُ: بكسرِ العَينِ وفَتحِها، أي: تصيحُ، واليُعار صوتُ المَعْزِ خاصَّةً. يُنظر: ((المُفْهِم)) لأبي العباس القرطبي (4/29)، ((شرح النووي على مسلم)) (12/219). ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ ألا هلْ بَلَّغْتُ )) [285] أخرجه البخاري (7197) واللفظُ له، ومسلم (1832).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
الحديثُ نصٌّ في عدَمِ جَوازِ قَبولِ الهَدايا والعَطايا لمَن تولَّى أمْرَ المُسلِمين؛ مِن عُمَّالٍ، وقُضاةٍ، ونَحوِهِما [286] ((المهذب في فقه الإمام الشافعي)) للشِّيرازي (3/381).
ثانيًا: أنَّه تَجوزُ الهِبةُ لمَن له عادةٌ معه قبْلَ تَولِّيهِ الوِلايةَ؛ لأنَّها لم تَكُن مِن أجْلِ الوِلايةِ [287] ((المهذب في فقه الإمام الشافعي)) للشِّيرازي (3/381)، ((كفاية النبيه في شرح التنبيه)) لابن الرِّفْعة (18/106).

انظر أيضا: