الموسوعة الفقهية

الفرعُ الثَّاني: الهِبةُ لمُقرِضٍ إنْ كانت بدونِ شرْطٍ


لا يَجوزُ أنْ يَهَبَ المُقترِضُ للمُقرِضِ قبْلَ الوفاءِ وإنْ كانت بدُونِ شَرطٍ، إلَّا إذا كانتِ العادةُ جاريةً بيْنَهُما قبْلَ القَرضِ، وهو مَذهبُ المالِكيَّةِ [270] ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (3/224)، ((منح الجليل شرح مختصر خليل)) لعُليش (5/403). ، والحَنابِلةِ [271] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (5/102)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (3/318). ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ [272] قال ابنُ تَيميَّةَ: (نَهَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه المقرِضَ عن قَبولِ هَديةِ المقترِضِ قبْلَ الوفاءِ؛ لأنَّ المقصودَ بالهَديَّةِ أنْ يُؤخَّرَ الاقتِضاءُ وإنْ كان لم يَشرُطْ ذلك ولم يَتكلَّمْ به، فيَصيرَ بمنزلةِ أنْ يأخُذَ الألْفَ بهَديَّةٍ ناجزةٍ، وألْفٍ مُؤخَّرةٍ، وهذا رِبًا؛ ولهذا جاز أنْ يَزيدَ عندَ الوفاءِ ويُهدي له بعْدَ ذلك؛ لزَوالِ معْنى الرِّبا. ومَن لم يَنظُرْ إلى المقاصِدِ في العقودِ أجاز مِثلَ ذلك، وخالَفَ بذلك سُنَّةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا أمرٌ بَيِّنٌ). ((الفتاوى الكبرى)) (6/160). وقال: (تَقدَّمَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه منْعُ المقرِضِ قَبولَ هَديةِ المقترِضِ إلى أنْ يَحسبَها له، أو يكون قد جَرى ذلك بيْنَهما قبْلَ القرْضِ). ((الفتاوى الكبرى)) (6/177). ، وابنِ القيِّمِ [273] قال ابنُ القيِّمِ: (مُنِعَ المقرِضُ مِن قَبولِ هَديَّةِ المقترِضِ، ما لم يكُنْ بيْنَهما عادةٌ جاريةٌ بذلك قبْلَ القرضِ؛ ففي سُننِ ابنِ ماجَهْ، عن يحيى بنِ أبي إسحاقَ الهُنائيِّ قال: سألْتُ أنسَ بنَ مالكٍ: الرجُلُ منا يُقرِضُ أخاه المالَ، فيُهدي إليه؟ فقال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ تعالى عليه وآلِه وسلَّم: إذا أقرَضَ أحدُكم قرضًا، فأَهْدى إليه، أو حمَلَه على الدَّابَّةِ؛ فلا يَرْكَبنَّها، ولا يَقبَلْه إلَّا أنْ يكونَ جَرى بيْنَه وبيْنَه قبْلَ ذلك). ((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)) (1/363). وقال: (عن ابنِ عباسٍ: إذا أسلَفْتَ رجُلًا سلَفًا، فلا تَأخُذْ منه هَديَّةً ولا عاريَّةَ ركوبِ دابَّةٍ، فنَهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو وأصحابُه المقرِضَ عن قَبولِ هَديَّةِ المقترِضِ قبْلَ الوفاءِ؛ فإنَّ المقصودَ بالهَديَّةِ أنْ يُؤخِّرَ الاقتِضاءَ وإنْ كان لم يَشترِط ذلك؛ سدًّا لذَريعةِ الرِّبا). ((إعلام الموقعين)) (3/203). ، وابنِ عُثَيمينَ [274] قال ابنُ عُثيمينَ: (كلُّ مَنفعةٍ يَكتسِبُها المُقرِضُ مِن هذا القرضِ، فإنَّه إذا كان ذلك باشتِراطٍ أو مُواطأةٍ يكونُ مُحرَّمًا عليه هذا الأمرُ، وكذلك أيضًا لو أنَّ المقرِضَ صار يَأخُذُ بدونِ اشتِراطٍ ويَقبَلُ الهَديَّةَ مِن هذا الرجُلِ المقترِضِ؛ فإنَّ أهلَ العلمِ يَقولون: إنْ كان مِن عادِتِه أنْ يُهدِيَ إليه فلْيَقبَلْ، وإنْ لم يكُنْ مِن عادتِه أنْ يُهدِيَ إليه، وإنَّما أهْدى إليه مِن أجْلِ القرضِ؛ فإنَّه لا يَجوزُ له قَبولُ هذه الهَديَّةِ، إلَّا أنْ يَنويَ مُكافأتَه عليها، أو احتِسابَ ذلك مِن دَينِه). ((فتاوى نور على الدرب)) (9/128).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الآثار
عن سَعيدِ بنِ أبي بُردةَ، عن أبي: (أتيتُ المدينةَ فلَقيتُ عبدَ اللهِ بنَ سَلَامٍ رضِيَ اللهُ عنه، فقال: ألَا تَجِيءُ فأُطعِمَك سَويقًا وتمْرًا، وتَدخُلَ في بيتٍ، ثمَّ قال: إنَّك بأرضٍ الرِّبا بها فاشٍ، إذا كانَ لك على رَجلٍ حقٌّ، فأهدَى إليكَ حِمْلَ تِبنٍ، أو حِملَ شعيرٍ، أو حِملَ قَتٍّ [275] القَتُّ: نوعٌ من علَف الدوابِّ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (6/166). ؛ فلا تأخُذْه؛ فإنَّه رِبًا ) [276] أخرجه البخاري (3814).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَبولَ هَديَّةِ المُستقرِضِ جارٍ مَجرَى الرِّبا، مِن حيثُ إنَّه زائدٌ على ما أخَذَه مِنَ المُستقرِضِ [277] ((عمدة القاري)) للعَيْني (16/277).
ثانيًا: لأنَّ المَقصودَ بالهَديَّةِ أنْ يُؤخِّرَ الاقتِضاءَ وإنْ كان لم يَشْرُطْ ذلك ولم يَتكلَّمْ به؛ فيَصيرَ بمَنزلةِ أنْ يأخُذَ الألْفَ بهَديَّةٍ ناجِزةٍ، وألْفٍ مُؤخَّرةٍ، وهذا رِبًا [278] ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (6/160).
ثالثًا: أنَّه يَجوزُ إذا كانتِ العادةُ جاريةً بيْنهُما؛ لأنَّ مع العادةِ يكونُ سَببُ ذلك العادةَ لا القَرضَ؛ فلا يكونُ ذلك نفْعًا جرَّه القرْضُ [279] ((الممتع في شرح المقنع)) للتَّنوخي (2/552).

انظر أيضا: